الجيش السوري يربك حسابات تركيا ويعزز تقدمه في إدلب

العالم - Saturday 08 February 2020 الساعة 03:52 pm
نيوزيمن، (ا ف ب):

عززت قوات النظام السوري تقدّمها في شمال غرب سوريا خلال حملة تشنّها ضدّ آخر معقل كبير للمعارضة، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال المرصد إنّ قوات النظام سيطرت الجمعة على جزء من طريق سريع رئيسي في محافظة إدلب.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن "سيطرت قوات النظام السوري على كامل جزء الطريق الدولي دمشق - حلب الذي يمر بمحافظة إدلب، ولم يتبقّ لها إلا جزء من الطريق بمحافظة حلب المجاورة لاستعادة الطريق كله".

من جهتها لم تعلن وسائل الإعلام الرسمية عن سيطرة قوات النظام على هذا الجزء من الطريق السريع، لكنّها قالت إن القوات الحكومية سيطرت على قريتين تقعان على هذا الطريق.

ولطالما وضع النظام السوري نصب عينيه استعادة السيطرة على هذا الطريق السريع المعروف باسم أم 5 (أم فايف) لأنّ من شأن هذا الأمر أن يعيد حركة المرور إلى طبيعتها على هذا الشريان الرئيسي بين العاصمة دمشق وحلب، ثاني كبرى مدن البلاد وعاصمتها الاقتصادية سابقاً.

وبحسب المرصد فإنّ التقدّم الذي أحرزته قوات الرئيس بشار الأسد "يعني أنّ 30 كيلومتراً فقط، تتمثّل في 13 قرية وبلدة لا تزال في أيدي المقاتلين، تفصل قوات النظام عن السيطرة على الطريق بالكامل".

ويمتد هذا الطريق السريع من الحدود الأردنية في جنوب سوريا إلى شمالها، وهو أطول طريق سريع في البلاد ويمر عبر الحقول الخصبة والمناطق الصناعية وأربع مدن رئيسية.

ومنذ كانون الأول/ديسمبر، تشهد إدلب وجوارها، حيث يعيش ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريباً من النازحين، تصعيداً عسكرياً من قوات النظام وحليفتها روسيا، يتركز تحديداً في ريفي إدلب الجنوبي وحلب الغربي حيث يمر جزء من الطريق الدولي الاستراتيجي أم 5.

ويعبر "أم فايف" أبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.

وأسفر النزاع المستمر في سوريا عن مقتل أكثر من 380 ألف شخص وتشريد أكثر من نصف سكان البلاد منذ اندلاعه في 2011.

في غضون ذلك هدّدت تركيا السبت بالرد على أي استهداف لمواقعها العسكرية في إدلب آخر معقل للمعارضة في سوريا، بعد يوم من إفادة مسؤولين أن قوات موالية لدمشق حاصرت ثلاث نقاط للجيش التركي.

وأقامت تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب لصد أي هجوم من قبل قوات الحكومة السورية، وذلك بموجب اتفاقية مع روسيا -- الحليف الأبرز لنظام الرئيس بشار الأسد.

وأرسلت هذا الأسبوع نحو 150 مركبة برفقة قوات خاصة وذخيرة لتعزيز هذه المواقع، بينما ذكر مسؤولون الجمعة أن عناصر النظام السوري حاصروا ثلاثة منها.

وأفادت وزارة الدفاع التركية على تويتر أن "نقاط المراقبة التابعة لنا في إدلب تواصل مهامها وهي قادرة على حماية نفسها بالأسلحة والمعدّات التي تملكها".

وأضافت "في حال وقوع هجوم جديد، سيتم الرد بشكل مناسب وبأشد طريقة بناء على حق الدفاع عن النفس".

وأعطى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مهلة نهائية لسوريا لسحب عناصرها من نقاط المراقبة العسكرية بحلول نهاية فبراير بعدما قتل ثمانية أتراك بنيران قوات النظام السوري الاثنين.

ومن المقرر أن يعقد وفد روسي محادثات السبت مع مسؤولين أتراك بشأن الوضع في إدلب.

وعملت تركيا وروسيا عن قرب في السنوات الأخيرة لإيجاد حل للوضع في إدلب رغم أن الطرفين يتخّذان موقفين متعارضين من النزاع.

وعلى وقع التصعيد العسكري لقوات النظام بدعم روسي والذي أجبر أكثر من نصف مليون شخص على النزوح
لا تملك دمشق في الوقت الراهن العديد أو الموارد اللازمة لاستعادة محافظة إدلب كاملة، وفق محللين.

وقد نجح الجيش السوري في التقدم والسيطرة على بلدات ومدن عدّة في مناطق إدلب وجوارها الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) الفرع المحلي لتنظيم القاعدة الارهابي والمدعومة من تركيا وقطر.

ويقول مدير قسم الشرق الأوسط في معهد دراسات الحرب نيكولاس هيراس لوكالة فرانس برس "لا يملك نظام (الرئيس بشار) الأسد راهناً العديد أو الموارد اللازمة للسيطرة على كامل إدلب في هجوم واحد"، مشيرا الى أن دمشق "تحتاج دعماً روسياً من مستشارين وقوات جوية ودعم مدفعي" لكن "من غير المرجح" أن تحظى به "في هذه المرحلة من الحملة".

والمحافظة ومحيطها مشمولان باتفاق أبرمته روسيا، أبرز حلفاء دمشق، وتركيا الداعمة للفصائل المعارضة في سوتشي في سبتمبر 2018، ونص ّعلى إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مواقع سيطرة قوات النظام والفصائل.
ونصّ الاتفاق على فتح طريقين دوليين، تسيطر الفصائل على أجزاء منهما، يمران عبر إدلب ويربطان محافظات عدّة ببعضها قبل نهاية العام.
وتراجع التوتر لبعض الوقت بعد توقيع الاتفاق، لكن أي انسحابات لمقاتلي هيئة تحرير الشام لم تحصل، فيما استأنفت دمشق هجماتها على مراحل، وتمكّنت من قضم مناطق واسعة.

ويرى هيراس أن تصعيد قوات النظام في إدلب يتم بموجب "ضوء أخضر" روسي "لممارسة ضغوط كبيرة على تركيا وإجبارها على تحمل المسؤولية في نزع سلاح هيئة تحرير الشام وحلفائها مقابل تعهد روسي بوقف الأعمال العدائية".

وتستشرس دمشق في الوقت الراهن لاستعادة طريق "أم فايف" الاستراتيجي الذي يربط محافظة حلب بدمشق، ويتفرع منه طريق ثان يربط محافظة اللاذقية بإدلب. وقد سيطرت الجمعة على جزء كبير منه.

ويعرب هيراس عن اعتقاده أن "كلفة المعارك" للسيطرة على المناطق الواقعة شمال هذا الطريق، وبينها مدينة إدلب، مركز المحافظة، وصولاً إلى الحدود التركية، هي "أعلى مما يريد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين أو الأسد تحمّله في هذه المرحلة مع تمركز هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها بأعداد كافية فيها"، ما يمكنها من الصمود.


وتواصل أنقرة إرسال تعزيزات عسكرية الى محيط مدينة إدلب. وشاركت، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تأمين الإسناد المدفعي للفصائل الارهابية والمعارضة في اشتباكاتها مع قوات النظام في اليومين الأخيرين.

ويرى الباحث المتابع للشأن السوري سامويل راماني أنّ مواصلة قوات النظام تقدّمها "تعتمد على ما إذا كان الجيش السوري سيواجه مقاومة شديدة من القوات التركية" أم لا. ويضيف "إذا كان الأمر كذلك، فقد يرغب الأسد في تجميد النزاع مؤقتاً ثم إعادة تصعيده بمجرد تجاوز الأزمة الراهنة في العلاقة السورية التركية".

ولطالما كرّر الأسد الذي تسيطر قواته على أكثر من سبعين في المئة من مساحة البلاد، عزمه استعادة إدلب. وقال في شهر أكتوبر إنّ "معركة إدلب هي الأساس لحسم الفوضى والإرهاب في كل مناطق سوريا".

ويؤكّد رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السورية المقربة من السلطات وضاح عبد ربه لفرانس برس أن "إبقاء أي منطقة تحت الاحتلال الإرهابي أو التركي أو الأميركي غير وارد"، موضحاً أن "القرار متخذ" في هذا الشأن.

لكنه لا يستبعد في الوقت ذاته أن يحصل ذلك "على مراحل، ووفقاً لاتفاقات دولية كاتفاق سوتشي". ويقول "بعد تنفيذ الاتفاق وفتح الطريقين الدوليين، لا بدّ من التقدم وتحرير كامل المحافظة، شاءت تركيا أم أبت".