انتشار القهوة والمقاهي باسطنبول والبلقان

متفرقات - Saturday 22 February 2020 الساعة 07:42 am
نيوزيمن، عبدالودود مقشر:



اتفق الكُتّاب على أن القهوة انتشرت في عهد السلطان سليم الأول (918 – 926هـ/ 1512 – 1520م) في سنة 926هـ/ 1520م، فقد "راج في عهده شراب القهوة"، بل إن "السلطان سليم مصر حمل البن معه من اليمن إلى القسطنطينية" في سنة 922هـ / 1517م.
وجدت القهوة في اسطنبول ولكن بشكل بطيء، ويرجع السبب إلى صدور الفرمانات السلطانية بمنعها بناءً على فتاوى التحريم، وكانت تتأرجح العقوبات ومدى التطبيق الفعلي لها وانتشار الفساد في هذه الدولة، لكنها في عهد السلطان مراد الرابع طبقت العقوبات بشكل صارم، فقال برنارد لويس عن تلك المرحلة: "وفي 1663م حرّم مراد الرابع المعروف بصرامته كلا القهوة والدخان، وأعدم عدداً من الذين يشربون ويدخنون، والدافع المعلن عنه لإلقاء هذا العقاب، كان حماية المدينة من الحرائق، ولعل دافعاً آخر كان حماية الحكومة من التعليقات النقدية".

وقدم المؤرخ الرسمي للدولة العثمانية بجوي إبراهيم أفندي في كتابه (تاريخ بجوي إبراهيم افندي) نصاً متكاملاً لدخول القهوة والمقاهي إلى اسطنبول والخلاف الذي صاحب ظهورها. يقول هذا المؤرخ: فـ"في سنة 962 هجرية (1554م) كانت لا توجد القهوة والمقاهي في العاصمة العلية القسطنطينية، وفي جميع بلاد الروم إيلي على الإطلاق حتى تاريخ اثنين وستين وتسعمائة، وفي بدايات السنة المذكورة أتى شخص يُعرف باسم حكيم من حلب وشخص آخر يعرف باسم شمس من الشام (دمشق)، وفتح كل واحد منهما دكاناً كبيراً تحت القلعة وبدأا في بيع القهوة، وراح يتجمع بعض الأحباء الأصفياء المبتلين بداء الكيف وخصوصاً بعض الظرفاء من طائفة القراء والكتاب، وأصبحوا يتجمعون في المكان تجمعات تتكون من عشرينات وثلاثينات، البعض يقرأ الكتب والمقالات الجميلة، والبعض يلعب الطاولة والشطرنج، والبعض يحضر الغزليات المكتوبة حديثاً حيث كانت تتم المناقشات حول أنواع المعارف، وكان هناك من يصرفون النقود الكثيرة، ويرتبون الضيافات حتى تصبح هذه الأماكن سبباً لتجميع الأحباب، فيضفون على الاجتماع روح الصفاء بدفع ثمن القهوة أقجة أو أقجتين وليس أكثر من ذلك.

وأصبح الأمر بتلك الدرجة التي ملأ فيها المعزولون عن وظائفهم والمنتظرون فترة معلومة للحصول على وظائف جديدة؛ من القضاة والمدرسين من طائفة البطالة التي كانت بلا عمل أو كسب، ملأوا جميعاً المقاهي... وأصبح لا يوجد مكان في القهوة يمكن الجلوس فيه أو حتى الوقوف فيه.... وقد قال الأئمة والمؤذنون والصوفية: إن الناس صاروا مبتلين بالمقاهي؛ وأصبح لا يأتي شخص للصلاة في المساجد، أما العلماء فيقولون عن هذه الأماكن: إنها وكر مساوئ، والذهاب إلى الخمارة أولى من الذهاب إلى القهوة، وبصفة خاصة كان الوعاظ يجتهدون كثيراً لمنعها، وأفتى المفتون أيضاً قائلين: بأن كل شيء يصل لمرتبة الفحم يعني يصبح أسود هو حرام صرف، وكانت تحدث التنبيهات المؤكدة في العصر المبارك للمرحوم والمغفور له السلطان مراد خان الثالث، رحمة الله عليه، من أجل منع القهوة، ولكن بعض الأصدقاء أقاموا عند الأبواب الخلفية للشوارع المسدودة وخلف بعض الدكاكين وقالوا عليها: إنها قولتق قهوة سي أي قهوة الزاوية، وعلى إثر مراجعتهم بعد ذلك إلى الـ(سوباشي) و(عسس باشي) حصلوا على الإذن بفتح هذه الأماكن، ولم ينتهوا عن شربها.. ولكن بعد مرور ذلك العصر انتشرت حتى أصبحت غير ممنوعة، وبدأ الواعظون والمفتون يقولون: إن القهوة لم تصل إلى درجة الفحم، إن شربها جائز، ولم يبق رجل من العلماء والمشايخ والوزراء والكبراء دون أن يشرب القهوة، حتى وصل إلى درجة أن الوزراء العظام فتحوا المقاهي؛ لتكون مصدراً للدخل، وأصبحوا يأخذون أجرة يومية عنها قدرها ذهبية أو ذهبيتان.".

 أورد أوليا جلبي نفس المحتوى السابق في جهاننما فقال: "وكان دخولها في بلاد الروم خصوصاً القسطنطينية سنة تسعمائة واثنتين وستين هجرية، وفي هذا الوقت ظهرت أماكنها المعهودة لها، افتتح ذلك رجل من دمشق بنى قهوة فاجتمع فيها الناس حتى العلماء"، ومن اسطنبول انتقلت القهوة والمقاهي إلى الولايات التابعة لها وتجاوزت عدد المقاهي الألفين مقهى بإسطنبول وحدها ومنها انتقلت إلى دول البلقان والبوسنة والهرسك في أوروبا.