سيطرة "الإخوان" على التعليم وكيف أسهمت في التسهيل لمليشيات الحوثي

السياسية - Friday 08 May 2020 الساعة 02:55 am
صنعاء، نيوزيمن، أمجد محمد:

تثار الكثير من التساؤلات المنطقية عن أسباب السهولة واليسر التي استطاعت المليشيات الحوثية أن تقتحم عبرها محافظات الشمال وتكرس سيطرتها وحكمها عليها وتستمر في ذلك رغم كل ما ترتكبه من جرائم بحق المواطنين والناس في المحافظات الشمالية.

ورغم أن الإجابة على تلك التساؤلات تتطلب بحثا دقيقا عن الأسباب والمبررات التي أدت إلى انهيار كيان الدولة ومكوناتها ومؤسساتها أمام الاجتياح المليشاوي الحوثي والسماح له بأن يحل محل السلطة ويدير مؤسسات الدولة كما يشاء، إلا أن أحد أبرز تلك الأسباب يعود في الأساس إلى حقيقة فشل النظام التعليمي في بناء وعي معرفي قادر على ترسيخ مفهوم النظام الجمهوري وما يولده من مفاهيم الحرية والمواطنة المتساوية والعدالة والديمقراطية والمشاركة في كل شيء.

واذا كان صحيحاً أن العوامل التي ساهمت في قدرة المليشيات الحوثية على فعل ما فعلته والوصول إلى ما هي عليه اليوم كثيرة وتتداخل بين ما هو ديني وقبلي وسياسي واقتصادي وفكري وثقافي واجتماعي، إلا أن كل تلك العوامل تتداخل في بوتقة واحدة أساسها واسها الأول هو النظام التعليمي الذي بني منذ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في شمال اليمن والاطاحة بالنظام الامامي وهو النظام الذي شكل الوعي المعرفي والثقافي والمجتمعي للأجيال المتعاقبة حتى ظهور المليشيات الحوثية وما بعد ظهورها.


الإخوان وسيطرتهم على التعليم

وبالعودة إلى دراسة الأساس الذي قام عليه النظام التعليمي في اليمن عقب ثورة سبتمبر سنجد أنه ارتكز على تشكيل نظام تعليمي قائم على المفهوم الديني في الأساس، وسيطرته على كل مفاصل ومناهج ومضامين النظام التعليمي إدارة ومنهجا ومعلما وتعليما، ومع انتهاء حرب الجمهورية ضد الإمامة واعتراف العالم كله بقيام الجمهورية في شمال اليمن بدأت تتضح سيطرة الإخوان المسلمين في اليمن على النظام التعليمي بشكل كبير.

وإذا كان صحيحا أن وضع النظام التعليمي في العالم العربي برمته اثناء الحرب الباردة قام على اساس ديني بنصائح من قيادات إخوانية جزائرية حصلت على دعم من كثير من الدول في اطار مواجهة المد الشيوعي في العالم العربي، الا ان وضع اللااستقرار الذي حكم اليمن منذ حكم الرئيس السلال ثم الارياني والحمدي والغشمي ساهم بشكل كبير في سهولة سيطرة الإخوان المسلمين على مفاصل النظام التعليمي بشكل جعلهم هم الذين يوجهونه نحو ما يريدون.

ولعل إحدى أبرز دلائل سيطرة الإخوان هو قدرتهم على إنشاء ما سميت بالمعاهد العلمية كفرع آخر للتعليم لا علاقة له بالتعليم العام الخاضع لسيطرة الدولة ابان تولي الرئيس ابراهيم الحمدي السلطة، وهو الأمر الذي مكنهم من بناء اجيال من الشباب المتشبعين بمفاهيم وافكار الجماعات الدينية المتشددة وعلى راسها افكار جماعة الإخوان.

ورغم ان عهد الرئيس علي عبدالله صالح شهد استقرارا افضل من سابقيه الا ان احدا لا ينكر ان تحالفه مع الإخوان المسلمين مكنهم من بسط نفوذهم بشكل غير مسبوق على النظام التعليمي في اليمن سواء التعليم العام والجامعي اللذين كانا تحت سيطرة الدولة بشكل أو بآخر أو من خلال توسع نفوذهم وقوتهم وقدرتهم عبر نظام التعليم في المعاهد العلمية وهو النظام الذي ظلت سيطرة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح فيما بعد) عليه باقية حتى بعد اعادة تحقيق الوحدة اليمنية في العام 90 ودمج نظامي التعليم في الشطرين في نظام واحد.

ولم تستطع دولة الجمهورية اليمنية إلغاء سيطرة الإخوان المسلمين على نظام التعليم في المعاهد العلمية الا بعد عقد من الزمن وتحديدا في العام 2001م الذي شهد توحيد التعليم والغاء المعاهد العلمية ودمجها في نظام التعليم العام الذي لم يكن هو الآخر بمنأى عن السيطرة شبه المطلقة عليه من قبل الإخوان المسلمين وكوادرهم التي كانت تتخرج عبر المعاهد العلمية لتتولى عملية ادارة دفة التعليم العام سواء عبر الادارة أو التدريس أو عبر مواصلة الدراسة العليا في كليات التربية وهو ما سمح لكوادرهم بالسيطرة على محور تأليف المناهج التعليمية برمتها.

واذا كان تدريس مضامين كتاب معالم على الطريق للقيادي الإخوان السيد قطب دليلا على مدى سيطرة الإخوان على نظام التعليم في المعاهد العلمية فإن تدريس كتاب التوحيد للقيادي الإخوان عبدالمجيد الزنداني دليل آخر على سيطرة الإخوان على نظام التعليم العام في اليمن.

تأثير سيطرة الإخوان على التعليم في اليمن

لقد انعكست سيطرة الإخوان على نظام التعليم في اليمن إلى حدوث شروخ دينية وفكرية وثقافية عميقة حيث انتجت اجيالا متطرفة تحمل اما افكارا ارهابية وتكفيرية تجاه الاخر خصوصا اولئك المتخرجين من المعاهد العلمية التي كان لها الدور البارز في انتاج قيادات كثيرة ساهمت في انشاء حركات الارهاب والتطرف والانخراط فيها، أو انتاج اجيال بتعليم ديني يكرس مفاهيم الخلافة الاسلامية وما يترتب عليه من مفاهيم، ويجرد الانسان من حريته وعقله.

ويقول الدكتور حمود العودي، وهو استاذ علم اجتماع، إن المعاهد العلمية كانت أبرز المظاهر التي تجسد من خلالها مفهوم تجزئة العملية التعليمية، "حيث تميزت بالتكثيف وتكريس وتجسيد الجوانب العقائدية المبنية على خيار الرأي الواحد أو وجهة النظر الدينية الواحدة وبالتالي شاعت آنذاك قضية التكفير بشكل واسع على النطاق السياسي الرسمي والمذهبي”.

والحقيقة ان سيطرة الإخوان على التعليم ساهمت في تكريس المفاهيم الدينية التي انتجت اجيالا غير قادرة على التحرر من سيطرة الوعي الماضوي والفقهي والمذهبي حتى ان القيادات التى تلقت تعليمها العالي خارج اليمن وعادت لتقود دفة ادارة الدولة كانت بشكل أو بآخر اسيرة للماضوية وغير قادرة على التحرر منها.

وانعكس ذلك بشكل اكبر على تشكيل وعي المجتمع الذي وجد نفسه محاطا بخطاب اعلامي يكرس المفاهيم الدينية ويغيب الوعي ويصادر العقل ويلغي حرية الرأي والتعبير، ونظام تعليمي يساهم في ترسيخ تلك المفاهيم عبر ما لعبته الكوادر الإخوانية من دور في ذلك من خلال توليها ادارة دفعة العملية التعليمة وتدريس مناهج تتضمن افكارا ترسخ مفاهيم الخلافة والامامة الدينية وتخلو تماما من مفاهيم التحرر وحقوق الانسان والديمقراطية والعدالة.

الحوثيون والاستفادة من نظام التعليم

مع ظهور المليشيات الحوثية في العام 2004م من خلال تأسيس ما عرف آنذاك بالشباب المؤمن ثم اعلان حسين الحوثي مؤسس المليشيات تمرده على الدولة وجدت هذه الحركة الارضية لنشر فكرها وأيديولوجيتها من خلال توجهين الاول ركز على تقديم مفهوم تعليمي جديد قائم على اساس مذهبي يرتكز على الزيدية في مواجهة ما يسمونه بالوهابية، والثاني الاستفادة من الافكار التي رسخها النظام التعليمي الذي كان يسيطر عليه ويديره الإخوان المسلمون في البلاد وخصوصا في المحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية الكبيرة والامية المرتفعة مثل مفاهيم الخلافة الاسلامية، وتكفير المعارضين، وتقديس الفقهاء والعلماء بغض النظر عن افكارهم وما يقدمونه للناس.

ومن ناحية أخرى فإن فشل النظام التعليمي الذي أداره وسيطر عليه الإخوان المسلمون في اليمن طيلة اربعة عقود منذ الاطاحة بنظام الامامة فشل في انتاج اجيال قادرة على حماية النظام الجمهوري وتطبيق مفاهيمه على ارض الواقع وهو الامر الذي تبين بشكل كبير في قدرة المليشيات الحوثية على استثمار الازمة السياسية التي شهدتها البلاد في العام 2011م لتبدأ تنفيذ مشروعها التمددي في السيطرة على مؤسسات الدولة والانتقام من جيشها على الحروب التي خاضها لإخماد تمردها وصولا إلى انقلابها على السلطة وسيطرتها على مؤسسات الدولة والاعلان عن مشروعها الفكري والسياسي المذهبي العنصري.

والحقيقة التي لا يمكن انكارها اليوم هي ان دراسة النظام التعليمي في شمال اليمن وسيطرة الإخوان المسلمين عليه ثم استمرار سيطرتهم في دولة الجمهورية اليمنية قد اسهم بشكل كبير في تهيئة الارضية لاستفادة الحركة الحوثية في تدمير قيم الدفاع عن الجمهورية ونظامها، ولولا فشل النظام التعليمي الذي سيطر عليه الإخوان المسلمون في اليمن لما كان بمقدور المليشيات الحوثية الحصول على اعتذار رسمي من حكومة وقيادة سياسة كانت ترى في هذه الحركة مجرد مليشيات متمردة على الدولة وتدعم مواجهتها وتعتبر أي تراجع عن قتالها خيانة للدستور والقوانين ثم تخضع هكذا فجأة ودون مبررات لإعلان اعتذار عن حروب الدولة ضد التمرد لتتيح له ان ينتقم من الدولة وجيشها ومن المجتمع برمته.