"الزكاة" مسمار السلالة لابتزاز اليمنيين!

إقتصاد - Friday 08 May 2020 الساعة 03:56 pm
صنعاء، نيوزيمن، فاروق ثابت:

الزكاة عادة تذهب من أغنياء المسلمين بنسبة معينة من أموالهم إلى فقرائهم، هذا هو مسماها، لكن ثمة انحدار في مفهومها العام لدى الهاشمية، حيث فرض دفع الزكاة لها من خلال تفسيرات موجهة لصالحها.. وللعلم، الرسول كان لا يقبل الصدقة ولكنه يقبل الهدية.

منذ أن قدم الهادي الرسي إلى اليمن فرض الزكاة والخُمس من دخل الزروع والثمار على اليمنيين لتقديمها لبني هاشم باسم "بيت مال المسلمين" وظل السلاليون على هذا المنوال حتى الإمام يحيى ثم نجله وكان الإمام السفاح المتوكل على الله يحيى بن اسماعيل اعتبر أرض تعز ومارب وتهامة أرض كفار ويجب أن يدفعوا الجزية على اعتبار الأرض كانت بيد العثمانيين وهم كفار بنظرهم، وبالتالي فإن الأرض اليمنية التي تحت سطوتهم هي أرض كفار.

ومن خلال تاريخ الأئمة لم يدون أن "بيت مال المسلمين " أنقذت مسلما يمنيا بقدر ما كانت بيت مال الأئمة والسلاليين فقط.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر جاء في كتاب "هكذا هم الأئمة" للأستاذ محمد عبدالله الفسيل، أنه في عهد الإمام يحيى، حدثت مجاعة شديدة، مات على إثرها الكثير من اليمنيين، في الوقت الذي كانت الدولة تمتلك مخزونا ضخما من الحبوب والغذاء، وحينما طُلب من الإمام تقديم المساعدة رفض ورد بقوله المشهور: "من مات فهو شهيد ومن عاش فهو عتيق"، وللعلم فقد مات آنذاك الآلاف من اليمنيين بسبب المجاعة دون أن تهتز للإمام شعرة، رغم أن بيت المال كانت تكتظ بمحصول اليمنيين الذي قدموه في مواسم سابقة تحت بنود "زكاة أو ضرائب" أو "واجبات" دون أن يقدم السلاليون حينها زكاة أو صدقة أو اعتقوا بها أحدا.

كانت اليمن كما وصفها القرآن الكريم "جنتان عن يمين وشمال" وهذا ما جعل السلاليين القادمين باسم "الآل" تسيل لعابهم على ما تملكه اليمن من خيرات: حبوب وخضار وفواكه ناهيك عن القصور والحصون، وبالتالي اتجهت أعمال السلاليين طوال فترة حكم الأئمة كموظفين في هذه المجالات، وكان الائمة لا يثقون إلا بمن ينتمي للسلالة ذاتها للعمل كمحصلي زكاة وامناء صناديق أو ما يسمى "بيت المال" وفي مجال القضاء، والأوقاف و"الاملاك"، ونتج عن ذلك تسلط مبين ضد أملاك وحقوق اليمنيين من أراضٍ ومزارع ومساقٍ وعقارات ومحصول وأموال.

في الوقت ذاته امتهن الائمة عامة اليمنيين وخاصة من انخرطوا في المذهب الزيدي في مناطق شمال الشمال حيث سيطر الرسيون وانتشرت الدعوة الزيدية ليتحولوا من أقيال أثرياء وملاك للأرض إلى عسكر وعكفة تابعين للائمة ليتخلصوا الزكاة بالقوة من الرعية ويأتوا بها للائمة والهاشميين الذين يعتبرون أن العمل كعكفي أو عسكري أو متخلص زكاة هو استنقاص في حقهم وأنه لا يجب على القبيلي العمل دون العسكرة والعكفة على اعتبار أن الفلاحة وزراعة الخضار هي معيبة، وبالمثل غرس الائمة أن مهن النجارة والبناء والتزيين وتجارة الماشية والحياكة والصناعة أمور معيبة ايضاً، وبالمقابل فإن مهمة العمل للدفاع عن آل البيت وخدمتهم هي دفاع عن الله وانبيائه ونسلهم وخدمته وانبيائه ونسلهم.

ودوّن الاستاذ أحمد محمد النعمان في كتابة "مذكرات النعمان"، كيف كان الائمة يمتهن اليمنيون ويبتزونهم باسم الزكاة ويسلطون عليهم العكفة لأخذ الزكاة قسرا أو يتم التنكيل بهم على سبيل أن السيئة تعم في حال ان امتنع أحد الفلاحين عن تقديم ما تم فرضه فيكون العقاب جماعياً ضد القرية بأكملها.

بل والأدهى من هذا أن معظم المزارعين كانوا يبيعون أرضهم لتسديد المبالغ التي ترصد عليهم رغم أن المحصول يكون قليلاً أو تجدب الأرض بسبب انعدام المطر.

ومنذ أن قدم الرسيون إلى اليمن لم يدون التاريخ مآثر حسنة للأئمة والسلاليين سوى الأطماع والجشع والجرائم والنهب والابتزاز والقتل والظلم والزكاة الجائرة.

وهي الزكاة ذاتها التي دفعت الملك اليماني عبهلة بن كعب العنسي المدحجي للثورة ضد قريش بعد وفاة الرسول من حيث إنه أوجب فرض تسليم الزكاة من أغنياء اليمنيين على فقراء اليمنيين بدلاً عن ذهابها إلى الحجاز.

وهو الأمر الذي أدى حينها بقريش إلى إطلاق مسمى "الردة" ضده بهتاً كما يدون ذلك مؤرخون والتحالف مع "الابناء"
(فرس) الذين كان لهم شأن في صنعاء حينها، حيث تم الغدر بعبهلة وقتله من قبل الابناوي الفارسي المدعو "فيروز الديلمي" والذي تم تنصيبه بعد ذلك ملكا كمكافأة له.

ولعل الجميع علم عن مقولة عبهلة المشهورة:
«أيها المتوردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، وأمسكوا ما جمعتم فنحن أولى به (يقصد الزكاة)، وأنتم على ما أنتم عليه».

وفي وقت غير بعيد من حكم الائمة وتسلط أتباع المذهب الزيدي على أراضي ومحصول اليمنيين ظهر الرجل المتصوف في إب المشهور ب"الفقيه سعيد"، والذي اشتكى له الناس وشهد معهم الظلم والزكاة الفادحة المفروضة على الفلاحين من أنحاء متفرقة في إب وتعز، وهو الأمر الذي دفعه بعمل ثورة شعبية تمكن خلالها من طرد الاماميين ومتخلصي الزيدية وكل المتسلطين على الفلاحين لتتحول الأرض إلى يده بدلاً عن سطوة الزيديين حينها وانتشر في عهده الأمن والرخاء والخير الوفير ووصلت دولته إلى عدن حينها.

وقد أنشد له الناس في إب حينها وفقاً للمصادر التاريخية:

"ياباه سعيد ياباه... يا ساكن الدنوة... أسلمتنا المحنة... والعسكر الزوبة*... فابقى لنا ياباه". (العسكر الزؤبة المقصود العكفة المخيفين).

لكن دولة الفقيه سعيد لم تدم طويلاً من حيث الدعاية التكفيرية المضادة التي شنت ضده على غرار ما لحق ب"عبهلة العنسي من قبلة"، وما تزال التسمية إلى اليوم من قبل الائمة والسلاليين والمعروفة ب"سعيد اليهودي" ولما انطلقت دولته من منطقة الدنوة في إب التابعة لمنطقة "ذي العلا" فقد أسماها الأئمة والسلاليون ب"ذي السفال" وما تزال تحمل هذا الاسم إلى اليوم بدلاً عن اسمها الحقيقي "ذي العلا"، وبالتالي فقد تعرض إلى غدر سلالي حيث تم إيهامه أنهم بصفه لقتال الائمة وما أن بدأت المعركة حتى تم الالتفاق عليه ممن ظن أنهم رفاقه وقتلوه.

وها هو الآن حفيد الإمامة الرسية عبدالملك الحوثي يدعو اليمنيين لدفع ما يسمى ب"الزكاة" ويهدد بأن من لم يبادر بالدفع فإن الزكاة ستؤخذ منه "قسراً"، وقد أفردت المليشيا لهذه المقولة لوحات عملاقة بجانب صور زعيم الجماعة في الشوارع العامة في مناطق سيطرة المليشيا، وما أشبه اليوم بالبارحة.

في محافظة إب ذهل المئات من التجار وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بفرض زكاة هذا العام من قبل مليشيا الذراع الايرانية ضدهم بنسبة زيادة تصل إلى 1000 في المائة عن العام الماضي، وهو الأمر الذي دفع الكثير إلى الالتزام منزله وإغلاق محله من حيث إن الزكاة تفوق دخل أشهر مجتمعة، ومع ذلك فإنهم سيضطرون لدفع الزكاة "قسراً" وفقا لفتوى زعيم المليشيا.

ويعتقد الكثير أن الزكاة هي السبب الرئيس التي منعت الحوثيين في مناطق سيطرتهم الإعلان عن إصابات مرض (كوفيد 19) المستجد، وحتى لا يتسبب ذلك بإغلاق الأسواق وإيقاف الشراء وبالتالي ضآلة ما ستجمعه المليشيا من الزكاة.

لن يسلم اليمنيون من ابتزاز السلالة باسم "الزكاة" المسمّى المتأصل منذ أول وجود لجدهم في اليمن على عكس مفهوم الزكاة المعروف في الإسلام، طالما أن هذا المسمى مرتبط بالمذهب، بل وثمة فتاوى لجماعات أخرى دينية تلتقي مع السلاليين في مسمى الحاكمية الإلهية، وضرورة دفع "الخمس" للآل.