سيرة علم من أعلام الإسلام العلامة الرباني محمد بن علي المرعي

تقارير - Monday 25 May 2020 الساعة 06:01 pm
نيوزيمن، د. عبدالودود مقشر:

انتقل إلى رحمة الله شيخ تهامة اليمن وعلامتها ومحدثها ومسندها الإمام الشيخ المجتهد المجاهد محمد بن علي بن بن يحيى بن سالم مرعي في ليلتنا هذه مغرب يوم السبت ليلة عيد الفطر الأول من شوال 1441هـ الموافق 23 مايو 2020م.

والعلامة محمد بن علي المرعي من مواليد مدينة الحديدة بحارة الصبالية – الحوك سنة 1365هـ / 1946م، نشأ يتيماً وتكفلت به أمه فربته ونشأته على طلب العلم وحبه وحب مجالسة العلماء وتتبع آثارهم، كانت همّة أمه وطلبها الأكل الحلال لولدها من عمل يديها وتحريها أن يكون ذلك لولدها حافزاً، فنبغ على أقرانه، وبرز في المعلامة ثم التحق بحلقة الشيخ العلامة علي مكرم تـ(1383هـ) وقرأ القرآن على يديه ومبادئ العلوم بجامع النبات ثم تابع مجالس العلماء فدرس على يد الشيخ العلامة محمد بن علي مكرم الطسي تـ(1401هـ) واستمر طلبه لهذا العلم وسهره عليه، ثم أدخلته المدرسة السيفية – نسبة الى سيف الإسلام عبدالله بن الإمام يحيى، رحمهم الله، والذي أسسها عندما كان وزيراً للمعارف في منتصف الثلاثينات، فجمع ما بين العلم في المدارس الحديثة ومبارز العلم بمنازل العلماء وحلقاتهم في مساجد الحديدة، قدمت به أمه ليدرس المدرسة السيفية فتفحصه العلامة محمد الخلوصي البغدادي - وهو ممن فضل الحديدة والعيش بها بعد خروج العثمانيين من اليمن 1919م – وسأله وأعجب به وبفصاحة لسانه، وممن درسه في المدرسة السيفية أستاذ الأجيال العزي مصوعي والأستاذ أحمد جابر عفيف أحد رواد اليمن وأركانها والأستاذ محمود أحمد الكثري والفقيه الشيخ عايش بن حسن المدني والأستاذ المربي صغير سليمان عايش حكمي والأستاذ الكبير أحمد لقمان والأستاذ المشهور حشابرة وكانجوني وثلة من المدرسين المصريين والسوريين، واستمر يدرس بهذه المدرسة حتى تخرجه بالثانوية، ومع ذلك لم تفتر همته عن العلم وطلبه.

>> الشيخ العلامة محمد علي مرعي في ذمة الله (سيرة رواها عن نفسه)

لقد صنعت الآلام منه إنساناً عظيماً بحق، فلم يلتفت للوظيفة والصراعات السياسية وأكل من عمل يديه بعمله في صناعة المقاطب (المعاوز) واستمر في ذلك إلى فترة من حياته وهكذا هو دأب علماء أمتنا... وفضل الرحلات العلمية لطلب العلم فرحل إلى ميدي من تهامة اليمن ودرس على يدي العلامة إبراهيم بن موسى الشنقيطي العلوم الشرعية فترة من الزمن وكان هذا العالم من موريتانيا من شنقيط، ومن ميدي اتجه إلى تعز حيث درس على يدّي العلامة إبراهيم بن عمر بن عقيل تـ(1415هـ) مفتي تعز، ثم عاد إلى مدينة الحديدة ودرس مرة أخرى على الشيخ عبدالقادر مكرم تـ(1403هـ) ورحل مرات عديدة لطلب العلم في الدريهمي على يدي المفتي العلامة الشهير يحيى بن عمر الضرير الأهدل تـ(1394هـ) ورحل للمراوعة للدراسة بها على يدي علماء منهم العلامة الحافظ محمد حسن هند الأهدل (1392هـ) ولعلامة منصب المراوعة حسن بن أحمد الأهدل تـ(1419هـ) والعلامة محمد إبراهيم الأهدل وغير هؤلاء كثر.

عاد إلى مدينة الحديدة وحط رحاله في مسجده الذي عرف به في الحوك يعلم ويدرس، وفي عهد الرئيس الشهيد محمد إبراهيم الحمدي، رحمه الله، نزل إلى الحديدة نائبه لشئون مجلس القضاء الأعلى القاضي الشهيد العلامة عبدالله بن أحمد الحجري وكان بمثابة الأب الروحي والمرشد للرئيس الحمدي، وقابل العلماء، وتقدم العلامة محمد بن علي المرعي والشيخ محمد علي مكرم والعلامة عبدالقادر مكرم بما تعلموه ودرسوه ووقف على ذلك ومعه وفد من مجلس القضاء الأعلى، وتمت مجالسة علمية وفقهية بينهم منح ثلاثتهم ومنهم شيخنا العلامة محمد بن علي المرعي شهادة الليسانس في العلوم الشرعية معادلة لذلك، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية الحمدي بتعيينهم الثلاثة في اللجنة الاستشارية القضائية لمتابعة المتظلمين بمحافظة الحديدة فقبل العلامة المرعي ذلك على مضض منه، وبعد ذلك تعينوا أعضاء في المحكمة الاستئنافية بالمحافظة برئاسة القاضي العلامة محمد قاسم الوجيه.

ثم تولى القضاء في محكمة باجل ثم محكمة الجراحي ثم محكمة المنصورية والأخيرة كانت الأخيرة، حيث رفض تولي القضاء، فقد كان صادعاً بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، كان شديداً متحرياً للحق، ووقعت له حوادث مع قضاة السلطة، عاد بعدها العلامة محمد بن علي المرعي ليدرس بمسجده فعينه القاضي أحمد الشامي للفتوى الشرعية مع لجنة من العلماء بالمحافظة ثم رئيساً لفرع جمعية العلماء بمحافظة الحديدة وأخيراً رئيس لجنة الأهلة.

واتجه إلى تعاطي الأعمال الخيرية والوقوف مع أبناء مدينته وأبناء تهامة بشكل عام؛ فأسس جمعية خيرية وأقام مشاريع عديدة ومنها مشاريع مياه ومدارس ومساجد وقدّم مساعدات مادية لأيتام.. كيف لا، وهو أبو الايتام وشعر باليتم في طفولته، وقدّم مساعدات للأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، وقدّم العلاجات المجانية للأسر الفقيرة بل سعى إلى تسفيرها إلى صنعاء أو الخارج، ثقة التجار ورأسمال الوطني في الحديدة واليمن كانت به بلا حدود، وعندما كثر طلاب العلم من كل حدب وصوب في مسجده أسس مبنى في الحي التجاري كان النواة لتأسيس دار العلوم الشرعية وكان بالمبنى سكنا لطلاب فقدم طلاب العلم من كل اليمن وبدأ التوافد من دول متعددة وبدأت تتخرج دفعات كل ذلك وحرب شعواء تشن عليه لا تقر ولا تهدأ من قبل الجماعات المتطرفة التي كانت في عز قوتها وتهاجمه ايضاً من خارج اليمن، سألته كيف صبرت وهم في الحكم والسلطة متحالفة معهم...؟ قال لي كان يقف معنا الرئيس السابق علي عبدالله صالح بكل قوته...الخ، تم منحه في موطنه الحديدة قطعة أرض فاتجه لتأسيس جامعة دار العلوم الشرعية وكم تحمل وتعب من أجل تأسيسها.. فقد كانت المضايقات متعددة، فقد بدأت بالمناهج الدراسية وتشكلت لجنة من جامعة صنعاء وعلماء من النقض والإبرام ومن المحكمة العليا ومن مشايخ العلم منهم شيخنا العلامة محمد بن اسماعيل العمراني والعلامة محمد بن قاسم بن عمر والعلام أسد حمزة والقاضي عبدالله الوظاف وغيرهم واعتمدوا أن المنهج الدراسي بالجامعة والمستويات التعليمية يعادل جامعة صنعاء وان خريج هذه الجامعة يساوي خريج جامعة صنعاء، وحرر وزير التعليم العالي والبحث العلمي مكرة إلى رئاسة جامعة الأزهر الشريف، فرحل الشيخ محمد بن علي المرعي إلى مصر ليضمن أن تكون مشابهة للمناهج وشهادات الأزهر الشريف أعرق جامعة إسلامية في تاريخنا العربي الإسلامي، والتقى بكبار العلماء والشيخ الأكبر وتوافد عليه طلاب الازهر مستجيزين منه فأجازهم، ورجع بعد أن تمت من رئاسة الأزهر دراسة المنهج واعتماده ووجد الدعم المعنوي اللامحدود من الأزهر الشريف، وفتحت الجامعة فأقبل طلاب العلم من كل جنسيات وقوميات العالم ليتعلموا العلم الشرعي وأرسل الأزهر الشريف وفداً رفيعاً ليبارك الافتتاح، رفدت هذه الجامعة الدولة بكوادر علمية يفتخر بها، وبعضهم أصبحوا دعاة للإسلام في أنحاء متفرقة من العالم ومنهم كوكبة من الاكاديميين في كثير من دول العالم الإسلامي ومنهم قادة سياسيين وأعضاء مجلس الشورى، ونتيجة لحب الأهالي له تم اختياره في مجلس الشورى وبعد الوحدة في مجلس النواب حتى انتقاله لرحمة الله.

(مقشر، أ.د عبدالودود قاسم، موسوعة أعلام تهامة)