أحدثكم عن "رشيد الجبري" الشاب الإبي الذي قال لي "إذا استشهدت فأنت ستكتب ما يبقيني حياً".. واستشهد

تقارير - Tuesday 07 July 2020 الساعة 11:54 am
نيوزيمن، كتب/ أمين الوائلي:

في مايو قبل الماضي تحدثت مع الشاب، الجندي المقاتل في جبهة الضالع- محور إب، جبهة مريس قعطبة، رشيد محمد عبدالله الجبري، وطلبت منه تصريحاً حول تجربته، لكنه اعتذر وأرجأ الموعد إلى وقت لاحق. كان يومها منشغلاً بمتابعة حالة والده الذي أصيب ويصر على العودة السريعة للجبهة، واكتفيت بالإشارة إليه عرضاً في خبر تضمن تصريحاً لوالده.

رشيد، ابن مديرية السياني- صهبان- محافظة إب، هو طالب هندسة الاتصالات، بجامعة إب، المستوى الثاني؛ الذي ترك الدراسة الجامعية والتحق بالجبهة، إلى جوار والده القائد والمقاتل على جبهة قعطبة مريس- محور إب.

والده هو المقدم محمد عبدالله الجبري، أركان استطلاع اللواء 83 وجبهة قعطبة مريس بالضالع. ويستمر في القتال ومهامه العسكرية والوطنية، في أسوأ وأصعب الظروف، هو ومجاميع من الجنود والمقاتلين من أبناء إب، في جبهات العود ومريس.

(لقد ذكرني رشيد بخالد.. وتذكرت خالد الدعيس. اليوم يبدو لي قريبا منه جدا وبينهما مشتركات كثيرة.)

قلت لرشيد، في مايو 2019، دوِّن لي ملاحظات ولو بصورة موجزة لأضمنها خبراً بقصتك.

لكنه فاجأني بالرد. ولا أعرف لماذا غمرني ساعتها شعور غامض بالحزن والفقد المبكر (..) لكنه أسقط بيدي ولم أشأ مراجعته في خياره.

أحتفظ بالمراسلة بيننا منذ عام. قال لي رشيد الجبري بالحرف: "متى ما انتهينا من المعركة سأكتب لك أقوالا تبقى أبد الدهر إن بقيت حيا وإن لم أبق فأنت ستكتب ما يبقيني حيا في ذاكرة الأجيال".

وبين مايو 2019 وأبريل 2020 أقل قليلا من عام، انشغلنا وصرفتنا الأيام في مشاغل وجهات وجبهات شتى. لم نغفل عن جبهات الضالع، لكنني، للأسف سهوت وغفلت عن الجبري الوالد والولد، وبسبب تغير الأرقام ولعزوفي عن استخدام الماسنجر لم تصلني رسائل الأب، وأقر بخطأي وتقصيري الذي لا يغتفر في الالتفات لصفحته وملاحظة حضوره المستمر في يومياتي.

لن أصف الألم الذي اعتصرني والقهر الذي أطبق قبضته على مجرى الهواء عندما علمت بالأمس فقط أن صاحبي الشاب.. رشيد محمد عبدالله الجبري استشهد في أول يوم من رمضان- 22 أبريل 2020م (!!). أقيم سرادق عزاء كبير في الفيس بصفحة والده. أين كنت منه طوال هذه الفترة يا الله؟؟

رشيد، ابن بيت الجبري- صهبان- السياني، الإبن الأكبر لوالده وله أخ شقيق في الإعدادية. قال والده: قاتل معي في العود وجبهة مريس. وفي بداية العام عزمت عليه أن يذهب حضرموت ليكمل دراسته الجامعية هندسة الحاسبات، على نفقتي في جامعة العلوم، ولم يجد بدا إلا إن يطيعني. 

ذهب رشيد ودرس بضعة أشهر، ومع توقف الدراسة بسبب تفشي وباء كورونا، علم باستشهاد زميل له من قبيلته وبلاده، في جبهة الجوف، فقصد الجوف وقابل هناك زملاء وأصدقاء كثر يقاتلون الحوثي، منهم جنود وآخرون متطوعون، ليقرر الانخراط معهم في المعارك قائلا: كلها الجبهات واحدة ومع الوطن في أي جبهة.

في معركة استعادة معسكر الخنجر وتحريره، ارتقى رشيد الجبري؛ ابن إب، والمقاتل في العود وفي مريس الضالع، شهيدا في الجوف، بعد تحرير المعسكر.

يقول والده المقدم محمد عبدالله جبر (الجبري): قبلها بأسبوع واحد كنت أبلغته بإتمام تجهيزات عرسه ليتم بعد غيد رمضان. لكن الله اختاره إليه. وعند الله خير وأبقى. استشهد ابني في سبيل بلاده التي أحبها والجمهورية التي عشقها، لروحه الطاهرة الرحمة ولله ما أعطى وما أخذ.

>> أركان استطلاع جبهة قعطبة مريس أصيب في شخب ويتحدث مع نيوزيمن عن المعركة

حملني رشيد أمانة ومسؤولية أستشعر ثقلها الآن ينوء بها كاهلي. وأنا لن أقوى لوحدي عليها. وسوف أستعين بكم، بالجميع، وبناشطي وجمهرة "الأقيال" خاصة، الذين انتمى إليهم رشيد وبقيت حكايته وحالته طي صفحته المهجورة في الفيس.

أمانة تخليد رشيد الجبري وإيمانه العظيم باليمن وبالجمهورية وحفظها للأجيال مسؤولية مشتركة.

قرر الشاب اليافع في تلك المرحلة؛ أن بلاده على محك مصيري في مواجهة "الإمامة والكهنوت"، وأن مكانه في الجبهة وليس في الجامعة وفي مترس وليس في قاعة المحاضرات.

هكذا أخذ قراره وحسم المصير؛ بعزم مقاتل انطوى على عزيمة "أقيال" استدعتهم محاولاته ويومياته، كما تخبرنا صفحته الشخصية في الفيسبوك (رشيد الجبري).

هذه الحالة الخاصة تستلفت الانتباه؛ استلفتتني منذ أن علمت عنه من والده، وقررت أن أوثقها في قصة خبرية.

بدا لي أن أبرز وجها شابا ومغمورا، كمثال لآلاف غيره ومثله؛ يختطون البطولات، ويأتون المنايا من أبوابها، ويدفعهم إيمان عميق باليمن وغيرة على الجمهورية.

وبدا رشيد كممثل لجيل متأخر وفتي؛ ألغى المسافة الزمنية بينه وبين 26 سبتمبر 1962، الثورة والولادة والجمهورية واليمن والمصير والمستقبل... والتاريخ أيضا.

هذه الأمثلة والنماذج الشابة هي من الكثرة بمكان، لكنها مقصية عن الواجهة؛ لا يراها الناس، ولا تحظى بخدمات وامتيازات الظهور في وسائل الإعلام، وتبقى لوحدها أيضا في زاويتها الخاصة بموقع/ مواقع التواصل الاجتماعي حينما تحتكم هذه هي الأخرى لأعراف المطابخ والتكتلات والعصبويات فتغدو للتفاصل أقرب منها للتواصل وللنخبوية أكثر منها اجتماعية.

لم تكن الكتابة شاقة وصعبة علي كما هي اليوم والآن. يفلت مني الكلام، وتستعصي اللغة، وأخذت ساعات طويلة أحاول كتابة أي شيء، ويغالبني ويغلبني الحزن وشعور مرير بالتقصير والتفريط.

استشهد رشيد، رحمه الله، على ما نوى ونذر نفسه وحياته وزهرة شبابه له؛ لليمن الجمهوري السيد.

ارتقى مقاتل شاب لينضاف إلى جيل عظيم وفذ وملهم في سفر اليمن الجمهوري؛ على رأسه ابن إب وبطل ثورة 26 سبتمبر الشاب القائد علي عبدالمغني. ومن ورائه طابور طويل من الأبطال العباقرة؛ ليس آخرهم خالد الدعيس، ولن يكون الأخير رشيد الجبري.

الرحمة والمجد والخلود لرشيد محمد عبدالله الجبري.