الجيوسياسية وحسابات العساكر المؤدلجين.. الحجرية أنموذجاً

تقارير - Wednesday 19 August 2020 الساعة 07:45 pm
نيوزيمن، كتب/ فهمي محمد:

في تاريخ 11 يونيو 2020م، كنت قد كتبت موضوعاً مقتضباً في تحليل الأحداث الجارية في مدينة التربة، كانت خلاصته تقول إن الجغرافية بمفهومها الجيوسياسي وبما عليها من تمركز عسكري هي المطلوبة للخضوع، لا سيما وقد بدت يومها، أي الجغرافية، للكثيرين من المتابعين والسياسيين قابلة للانفجار وهي التي لم تشهد شوارعها أو محيطها قتالاً منذ اندلاع الحرب في اليمن، بل كانت ملجأ للمدنيين النازحين من خطر الحرب التي كانت رحاها تدور في قلب مدينة تعز، بين مكونات محسوبة على الشرعية من جهة، وبين قوات صالح والحوثيين بعد انقلاب تحالف الأخيرين على مشروع الدولة الاتحادية.

الجدير بالملاحظة أن معادلة الحرب على هذه الثنائية بين الأطراف = {شرعية + انقلاب} كانت تتميز ابتداءً بثنائية السلاح داخل كل طرف من الأطراف، وهو ما يعني قابلية السلاح داخل كل طرف للاقتتال البيني المؤكد، وقد تأكد ذلك في حسم الأيديولوجية الحوثية مشكلة الثنائية في السلاح داخل معسكر الانقلاب على حساب قوات صالح تحت مبرر الخيانة، في حين تسعى المؤسسة العسكرية المؤدلجة أو العساكر المؤدلجون داخل معسكر الشرعية جاهدين إلى حسم ثنائية السلاح لصالح أيديولوجيا سياسية تحت ذريعة البحث عن مطلوبين أمنياً، وعطفاً على ذلك فإن مسألة حل مشكلة الثنائية في السلاح أمر مقبول، وقد يكون ضرورياً لتجنب الكثير من المخاطر التي تتمثل في أحد مظاهرها في الانصراف عن المعركة الرئيسية إلى معارك جانبية، لكن المخاطر نفسها تظل قائمة إذا تم حسم الثنائية بمنطق الأدلجة السياسية على حساب فكرة الدولة.

كانت التحركات على الجبال المتاخمة لمدينة التربة بمنطق العساكر المؤدلجين تقول إن كل ما في القصة هو البحث عن مطلوبين أمنياً، في حين كانت الجيوسياسية ترد على هذه المزاعم حتى بشيء من التفتيش في الذاكرة، وكأن لسان حالها يقول إن الحجرية عبر التاريخ لم تكن يوماً من الأيام حاضنة للعناصر الخارجة عن القانون ولم تكن كذلك في المستقبل، بل كانت هي الولادة في كل المحطات التاريخية لرجال الدولة والسياسة والفكر والنظام والقانون، ثم تتساءل بكثير من التعجب، أليس من الأفضل بدلاً من البحث عن مطلوبين أمنياً هنا لا نعرف نحن وأنتم من هم أليس من الأفضل أن يتم القبض على المطلوبين الذين نعرفهم جميعاً ونعرف أين يعيشون وبمن يحتمون؟!

البحث عن مطلوبين أمنياً هو المنطق المتفذلك الذي استخدم قبل أكثر من عام في شرعنة الحملات العسكرية التي انتهت في ثالث جولاتها على بسط السيطرة التامة على المدينة القديمة التي شكلت منذ بداية الحرب جيوسياسية تموضع عليها سلاح كتائب أبو العباس أحد ثنائية السلاح في معادلة الصراع الداخلي مع العساكر المؤدلجين حزبياً داخل معسكر الشرعية، يومها اكتفى هؤلاء بالنصر الذي ترجم بالسيطرة على الجغرافية بعد خروج الكتائب وتم إغلاق ملف المطلوبين أمنياً لكي يتم استخدامه في قابل الأيام مع جيوسياسية خارج مدينة تعز، حتى ملف الحديث عن اكتشاف المقابر الجماعية التي تعني حدوث جرائم قتل وإعدام خارج القانون تم إغلاقه ولم يتم التحقيق فيه، ما يعني وضع علامة استفهام على مصداقية الخبر، ربما كان الناطق الرسمي من حيث لا يدري أكثر قدرة من خصومه في تكذيب قصة البحث عن مطلوبين أمنياً حين كتب والحرب لم تضع أوزارها عن يهود خيبر أو يهود المدينة وخيانتهم لرسول الله، وللقارئ أن يقرأ ما يشاء في هكذا منشور تم تبريره بعد ذلك من قبل الناطق أنه يأتي ضمن مشروع حلقات تثقيفية لأفراد الجيش ولا علاقة له بالأحداث الجارية في المدينة القديمة، وحتى في حالة التعاطي مع حسن النية لما كتب يومها، فإننا نكون في صدد أدلجة مكثفة داخل مؤسسات الجيش والأمن وإلا ماذا يعني أن تبنى العقيدة القتالية لجيش يفترض به أن يكون وطنياً وأن يكون حجر الأساس في مشروع الدولة المدنية بهذه المفردات التي تتحدث عن اليهود وخيانة الرسول والصراع بين الكفر والإسلام.

....يتبع

* من صفحة الكاتب على الفيس بوك