هجرة الفنانين التشكيليين اليمنيين خارج البلد.. بحث عن وطنٍ جديدٍ وسلامٍ روحي2-1

السياسية - Wednesday 30 June 2021 الساعة 07:41 am
نيوزيمن، محمد عبده الشجاع:

من شعراء المهجر إلى هجرة العقول إلى نزوح الكوادر واستقطاب الناجحين وصولًا إلى "هجرة التشكيليين" اليمنيين خلال الأعوام الأخيرة.. يعيش المشهد الثقافي اليمني نكسة كبيرة على كافة المستويات، بسبب الظروف الاستثنائية الراهنة، التي فرضتها سلطة الأمر الواقع والحرب الدائرة منذ العام 2015.

فن التشكيل أحد أهم الفنون التي شكلت حضورا خلال العقود الماضية، وكان سقف الطموحات أكبر، قبل أن يصل الحال إلى الاحتضار التام في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.

حاولنا استقصاء أسباب ودوافع ظاهرة الهجرة ومستقبل "التشكيل" في اليمن، فخرجنا بحزم من الآراء التي تباينت لكنها أجمعت على أن ثمة معضلة فرضت هذا المشهد المخيف.

أثر الحرب واضح

في إطار السعي لمعرفة كنه الظاهرة وكذلك أثر الأوضاع على فن التشكيل نتوقف مع الأستاذ. أحمد الأغبري ورأي مهم لكاتب وصحفي مطلع على المشهد. والذي تطرق لنقاط هامة يقول:

"ربما أن الفن التشكيلي في اليمن هو أكثر مجالات العمل الإبداعي تأثرًا بتداعيات الحرب الراهنة؛ لأن هذا الفن ككل الفنون كان يعتمد، بدرجة رئيسة، على الاستقرار والسلام في فترة ما قبل الحرب؛ إذ كان يعتمد الفنان التشكيلي في دخله على اقتناء وشراء اللوحات من قبل البعثات الدبلوماسية والأجنبية التي كانت مقيمة في اليمن، وبعض رجال الأعمال وعدد قليل من المؤسسات".

يضيف "وبالتالي فمغادرة البعثات الديبلوماسية والأجنبية وبعض رجال الأعمال تسبب بكساد كبير في سوق هذا الفن، وبالإضافة إلى ذلك وبفعل الحصار المصاحب للحرب تعقدت سبل مشاركة الفنانين التشكيليين اليمنيين في معارض خارجية".

مؤكدا أن كل ذلك أفقد الفنان التشكيلي اليمني أهم مصادر استقراره النفسي والمالي والمعيشي، الأمر الذي دفع البعض للهجرة إلى خارج اليمن بحثًا عن مستقر جديد لاستئناف الحياة ومنح اللوحة متنفسًا بعد أن أفقدتها الحرب إمكانات الانتعاش في الداخل.

أحمد يعتقد أن تأثير الحرب إيجابي حيث يقول "لا شك أن الهجرة تؤثر على الفن التشكيلي؛ لكنه تأثير إيجابي مقارنة بما تشهده البلاد في الوقت الراهن، إذ تُمكن الهجرة الفنانين من تطوير تجاربهم في ظل ما تمنحه الهجرة من أجواء للاستمرار والاحتكاك بتجارب أخرى".

يختم "وهجرة الفنانين التشكيليين اليمنيين إلى الخارج ليست حديثة عهد فقد سبق وهاجر عدد منهم في فترات سابقة، وهم اليوم ما زالوا مستقرين خارج بلدهم".

دوافع عائلية بحتة

نحن هنا لسنا بصدد الدعوة لأن يترك الجميع الوطن بقدر ما هي محاولة لمعرفة ما يدور في خلد التشكيليين.

وهنا نتوقف أمام أحد الذين كان لهم مشوار طويل في مجال التشكيل الفنان طلال النجار. فنان مهاجر يقيم في (السويد) وابن "صنعاء القديمة". حدد بأنه كان أمام خيارين لم يستطع التوفيق بينهما، إما أولاده وعائلته وإما الفن.

يضيف "كثير من الفنانين ضحوا بالخيار الأول لكني خالفتهم بذلك فعائلتي تمثل الأولوية بالنسبة لي. أنا لم أخرج من اليمن باحثاً عن تحقيق طموح فني ما بقدر ما اهتميت بتوفير مستقبل أفضل لعائلتي".

وهنا يورد بعض الدوافع ومنها "تدهور التعليم في اليمن وفقد الأمن والأمان وضياع المستقبل، وبما أنني كنت السبب في وجودهم في هذه الدنيا فقد تحملت مسؤوليتي في رعايتهم وتوفير الحياة التي تليق بهم".

وحول مستقبل التشكيل في اليمن يقول "في هذا الوضع وحتى في الأوضاع السابقة صدقني لو فجأة مات أو اختفى كل الفنانين التشكيليين فلن يحدث ذلك أي فرق، دعنا لا نبالغ بأهمية وجودهم أو عدمهم. بلد مثل اليمن لم تهتم بالفن ولن تهتم به".

غياب تام لكل المظاهر

في السياق، أخذنا رأي الفنان زياد العنسي، مقيم في الداخل، والذي أكد أنه فنان محب لبلده، ويقدس ترابه، وأنه على يقين بأن الفنان ينتج أجمل لوحاته في بلده، لأنه يعيش ويتنفس هواءها وكل شيء فيها.

يضيف "أنا ممن يفضل المشاركة والسفر خارج بلده وإقامة المعارض الفنية الشخصية، للتعريف بالفن التشكيلي اليمني، وتقديم أفضل وأحدث التجارب الفنية المواكبة للحركة التشكيلية العربية والعالمية، لكن شرط أن انتجها وأرسمها في بلدي، فلا يمكنني الاستغناء عن بلدي، الذي أخذت منه كل مفرداتي وثقافتي الفنية".

بالمقابل يقول "ربما الوضع الراهن يفرض علينا أن نبحث عن بلد آخر، يقدس الفن ويعرف قيمة الفنان، لذلك لم أجد فرصة سانحة وعظيمة بحجم مغادرة بلدي".

وعن واقع التشكيل اليوم، يؤكد بكل أسف بأنه لم يعد هناك أي فعالية تشكيلية حقيقية، ولا حتى افتتاح معرض تشكيلي على مستوى اليمن، حتى إن الكثير من الفنانين والفنانات، تركوا الألوان والريشة بحثًا عن لقمة عيشهم.

محمد سبأ، باحث في التراث الشعبي اليمني وجمع الحكايات والقصص ومفردات اللغة والموروث الشعبي المتمثل في كل ما له علاقة بالإنسان، أكد باختصار أنه يدرس في القاهرة ولديه حاليا بحث ميداني في اليمن، وأنه لا يعتبر نفسه مهاجرًا بقدر ما هو دارس وباحث، غير أنه أكد أن الفنانين التشكيليين يعيشون حالة معاناة واضحة.

في هذا الجزء من المادة توقفنا مع أحمد الأغبري صحفي ملم ومتمكن. طلال النجار فنان مخضرم ومدرسة أيضًا. زياد العنسي. كفاءة وملكة استطاع اجتياز كل العقبات والحضور بقوة من خلال أكثر من مسار فني. ومحمد سبأ لديه أنشطة ومعارض عديدة.