20 عاماً من الإعداد والتنفيذ.. الاستراتيجية الحوثية للسيطرة على البيضاء

تقارير - Thursday 28 October 2021 الساعة 08:17 am
البيضاء، نيوزيمن، خاص:

أدركت الحركة الحوثية الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على محافظة البيضاء منذ وقت مبكر، وهي أهمية أثبتتها المعارك العسكرية التي شهدتها اليمن، الشهرين الماضيين، كخطوة لا مناص منها للتفكير في الولوج عسكريا إلى المحافظات الجنوبية والشرقية المجاورة باعتبارها خط الدفاع الأول، حيث توالى تساقط مديريات مأرب وشبوة المجاورتين.

اتخذ الحوثيون مع بدايات الألفية الجديدة استراتيجية سياسية استخباراتية بمختلف الجوانب الاجتماعية والدينية متوازية وطويلة الأمد للسيطرة عسكريا على البيضاء التي توصف بأنها المحافظة الجمهورية المعادية تاريخيا للإمامة، وهي لمن يتتبعها ويستقرئ مجرياتها يدرك أنها ليست وليدة لحظتها، بل أدارتها ما يمكن وصفها بغرفة عمليات موحدة، ترتكز على نظم استخباراتية رفيعة، وقد أتت أكلها عسكريا بعد سبع سنوات أخرى من المعارك ابتداء من أكتوبر 2015م، وإن كان بثمن باهظ، حيث أن آلافاً من عناصرها وقياداتها سقطوا ما بين قتلى ومصابين.

ويمكن إيجاز أبرز خطط الحوثيين لإسقاط محافظة البيضاء في النقاط التالية:

1- استثارة هاشمية بعض الأسر في المحافظة، مثل آل الحبسي والعيدروس وريام والوريث في منطقة رداع، لإلحاق شبابهم بحسين الحوثي مؤسس الحركة بمحافظة صعدة للدراسة على يديه والدفع بهم لاحقا للاشتراك -بشكل سري- في معارك التمرد على الدولة أو ما عرفت بالحروب الست. حيث لقي أفراد من تلك العائلات حتفهم وهم يقاتلون في صفوف الحوثيين، وتزايدت الأعداد منذ أزمة 2011م وبصورة علنية والذين أصبحوا عماد التدخل الحوثي في المحافظة وإدارة شؤونها.

2- التخادم مع التنظيمات الإرهابية، فقدم تنظيم القاعدة محافظة البيضاء لمليشيا الحوثي على طبق من ذهب بخدمات جليلة لم تكن تحلم بها وأعطتها المبرر الذي تحتاجه والغطاء السياسي والإعلامي اللازمين للقدوم إلى هذه المحافظة كفاتحين مخلصين، فمع تصاعد معارك المليشيا لاجتياح محافظة عمران في طريقها إلى صنعاء كان تنظيم القاعدة يقوم بإحراق منازل محسوبين على الجماعة في مدينة رداع ويجبر ساكنيها على الفرار إلى محافظة ذمار المجاورة.

  الإعلام الحوثي ومعه بعض وسائل الإعلام الحزبية المساندة دون وعي ارتكز على هذه الانتهاكات للترويج بأن ما حدث هي عملية تهجير عرقية ممنهجة تستهدف الأسر الهاشمية في البيضاء وسلط الضوء على مظلومية هؤلاء الأفراد في ضخ إعلامي على مدار الساعة، أخبار وتقارير وفلاشات ولقاءات وحوارات وتحليلات، مبالغا بحجم تواجد التنظيم المتطرف في البيضاء لتأليب الرأي العام وكسب تعاطف المجتمع.

3- سعت الحركة لشرعنة السيطرة على البيضاء وإيجاد غطاء سياسي للتحرك العسكري فكان لها ذلك في 21 سبتمبر 2014، أي في اليوم الأول لاقتحامها صنعاء بتوقيع اتفاق السلم والشراكة مع الحكومة اليمنية والأحزاب السياسية والرئيس هادي أيضا والذي أصرت على أن يشتمل البند الثامن من ملحقه الأمني على نص يقضي بمساندة الحكومة للحوثيين في اجتياح البيضاء أو ما أسمته (معارك استئصال التنظيمات الإرهابية من محافظة البيضاء).

لم تنتظر المليشيا سوى أيام لترسل أفواجا من كتائبها النوعية إلى البيضاء، وظهرت أهمية ذلك الاتفاق (الغطاء الشرعي) عندما عجزت لأسابيع عن اقتحام مناطق القبائل في مديرية ولد ربيع والقريشية لولا الإسناد المدفعي والصاروخي الذي حظيت به من قبل ألوية الجيش في محافظة ذمار والذي جاء بناء على اتفاق السلم والشراكة الملزم بإسنادها.

4- تمكنت الحركة من استقطاب عدد من مشايخ البيضاء، محققة بذلك اختراق المنظومة الاجتماعية لمكون القبيلة المتماسك في هذه المحافظة القبلية الطابع واستخدمت هؤلاء المشايخ في الجانب العسكري وتأسيس معاقل لها ومحطات استقبال وحماية مشرفيها وقياداتها ونقاط انطلاق وتوسع في أرجاء المحافظة ويعد الشيخ صالح بن صالح الوهبي والشيخ سيف القبلي أبرزهم.

كما استغلت الفوضى العارمة التي صاحبت احتجاجات 2011 وما تلاها من أحداث وأزمات في استقطاب شباب من أسر مشيخية عريقة عرفوا بطموحهم السياسي، فتمكنت من إحداث اختراق في أسرة آل الذهب -مشايخ قبيلة قيفة- الذين كان عدد منهم حينها قيادات في القاعدة، باستمالة الشيخ سيف أحمد الذهب عن طريق المصاهرة وتزويجه ابنة قيادي من الصف الأول هو ضيف الله رسام مسؤول الشأن القبلي في الجماعة، وهو ما كان له أثر واضح في اقتحام الحوثيين أولى مناطق القبائل في البيضاء، حيث كان الذهب سيف على رأس الحملة العسكرية.

5- لاحقا ومع انطلاق هجمات الحوثي وتوغله لم تتوقف الاستراتيجية المعدة سلفاً وخدمها بشكل أو بآخر الخذلان الذي وجدته القبائل من الجيش الوطني المسيطر عليه حزب الإصلاح ابتداء من قيفة وانتهاء بآل حميقان مرورا بآل عواض. حيث تركت هذه القبائل والمقاومات الشعبية تواجه مصيرها وحيدة مع أن إسنادها عسكريا -مع إمكانية ذلك- كان كفيلا بترجيح كفتها وتقوية موقفها في مواجهة المليشيا.

وأدت ممارسات وتصرفات القيادات الإصلاحية وعمليات الفساد التي صاحبت إنشاء محور البيضاء والألوية العسكرية على أسس حزبية لا تمت بصلة لمصلحة الوطن، لتفكيك صفوف المقاتلين المناهضين للحوثي في المحافظة، وهو ما نتج عنه استدراج قيادات عسكرية وقبلية لصف الحوثيين أو لحتفها وسقوط مناطق ومديريات ظلت صامدة لسنوات.