لا حرب ولا سلام.. اليمن في طي النسيان

تقارير - Monday 19 December 2022 الساعة 06:59 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

أكد تقرير صادر عن المركز العربي واشنطن دي سي – وهو مركز متخصص بشؤون الشرق الأوسط، أن اليمن اليوم أبعد ما يكون عن السلام، بالرغم من التخفيض الكبير في الهجمات العسكرية بعد انتهاء الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في 2 أكتوبر/ تشرين الأول.

وأكد التقرير، الذي أعدته الباحثة أفراح ناصر، أن الواقع الساد حالياً في اليمن حالة "لا حرب ولا سلام، بينما تعاني البلاد من انهيار اقتصادي وأزمة إنسانية متصاعدة بدءاً من نقص الإمدادات الغذائية، والمشكلات الصحية، والصدمات غير المعالجة، والنزوح الواسع النطاق.

وأوضح التقرير، أن الحوثيين والحرس الثوري الإيراني أفشلوا عملية التوصل إلى اتفاق بشأن تجديدها، ما أسهم في تعثر محادثات السلام اللاحقة، مؤكدا أن الحوثيين بعد انتهاء الهدنة عادوا لشن هجمات تقليدية وهجمات بطائرات بدون طيار ضد أهداف اقتصادية مدنية وحيوية في اليمن. الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المزري في البلاد، خصوصا وأن اليمن يُصنف كواحد من أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم.

استفادة حوثية من الهدنة 

وأكد التقرير أن الحوثيين لا يزالون أحد أكبر المستفيدين من الهدنة الأممية الأخيرة، حيث تم الوفاء بمعظم شروطهم، بما في ذلك إنهاء الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية وفتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة. مع ذلك، فإن الحوثيين يرفضون تقديم تنازلات في المقابل، ولا يزالون مترددين في إنهاء حصارهم على محافظة تعز، والذي كان أحد بنود الهدنة.

وأكدت الباحثة في تقريرها أن الحوثيين يحاولون في الواقع تعظيم مكاسبهم من خلال وضع شروط للسلام، مثل دفع "الحكومة الشرعية" لدفع رواتب موظفي القطاع العام، بما في ذلك الأمن والقوات العسكرية التابعة لهم. ووصف الخبراء اليمنيون والدبلوماسيون الدوليون الحوثيين بأنهم مفسدون للسلام. فعلى سبيل المثال، ذكر المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ بشكل ملحوظ في 6 ديسمبر/ كانون الأول أن الحوثيين هم من "يبتعدون عن السلام".

وأفادت أن القدرة العسكرية المحصنة للحوثيين تغذي مكاسبهم، ومن الواضح أنهم ليس لديهم خطط للتوقف. بالإضافة إلى تنفيذ هجمات بطائرات بدون طيار على موانئ الحكومة، فقد هددت الجماعة في ديسمبر/ كانون الأول أي شركات نفط وغاز أجنبية تعمل في اليمن إذا قامت بنهب "ثروة الشعب اليمني".

وأكدت أن الأمر الأكثر مأساوية هو أن وقف القتال على نطاق واسع يخلق بيئة مواتية للحوثيين لمواصلة شن حربهم الموازية على الحريات الشخصية وحقوق الإنسان الأساسية. وبالفعل، فإن الهدوء قد مكّنهم من تحويل تركيزهم نحو تصعيد قمعهم السياسي.

الألغام الخطر الأكبر

وأشار التقرير إلى أنه ورغم فترة الهدوء النسبي خلال فترة الهدنة التي استمرت 6 أشهر، إلا أن الديناميكيات الداخلية والعنف المسلح مستمر في تحطيم أرواح اليمنيين، موضحا أن الألغام الأرضية المزروعة في أجزاء كثيرة من البلاد تظل من بين الأسلحة الأكثر تدميراً وفتكاً المستخدمة في النزاع، ويتطلب وجودها اتخاذ إجراءات فورية وشاملة. 

وأضاف التقرير: في السنوات الست الماضية، قُتل ما يقرب من 2000 مدني وتضرر حوالي 3000 مبنى بسبب الألغام الأرضية. وتذكيرًا صارخًا بالخطر الذي تشكله هذه الأسلحة هو انفجار لغم أرضي في 6 ديسمبر أصاب عربة مدرعة تقل مسؤولين من الأمم المتحدة خلال زيارة ميدانية في محافظة الحديدة اليمنية، وهو انفجار لم يصب فيه أحد لحسن الحظ. وهكذا تستمر الحرب الأهلية، على الرغم من التصور بأن البلاد تعيش أطول فترة هدوء شهدتها حتى الآن.

ودعا التقرير المجتمع الدولي إلى الابتعاد عن محاولة تجميد الصراع، والعمل على إظهار المزيد من الشجاعة في التعامل مع الإجراءات التي تتخذها الأطراف المختلفة في الحرب الأهلية والتي تؤخر تسوية النزاع وتعمق المعاناة التي لا توصف للمدنيين في اليمن.

ضعف الحكومة الشرعية

وأكدت الباحثة أفراح ناصر في تقريرها أنه مع ظهور محاولات جديدة لإحياء تسويات السلام المنهارة، يستمر ضعف دور الحكومة الشرعية فيها، مشيرة إلى أن رد القوات الشرعية على سلسلة من الهجمات الرئيسية للحوثيين خلال شهري أكتوبر ونوفمبر على ناقلة نفط بالقرب من محطة الضبة النفطية في محافظة حضرموت اليمنية وعلى العديد من الموانئ في المناطق الواقعة تحت سيطرته غير فعال.

وقالت "وبدلاً من ضمان توافر آلية مناسبة وقوية للدفاع ضد مثل هذه الهجمات، كان رد الشرعية هو فقط إصدار مرسوم في 23 أكتوبر/ تشرين الأول يصنف جماعة الحوثي المسلحة منظمة إرهابية، وهو عمل لم يكن له في نهاية المطاف أي تداعيات خطيرة".

وزادت "في الوضع الحالي، الذي لا توجد فيه حرب ومع ذلك لا يوجد سلام، من المرجح أن تشكل مرافق الوقود والطاقة ساحة معركة جديدة بين الجماعة المسلحة والقوات الشرعية. وأدت هجمات الحوثيين على أهداف الوقود في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى تعطيل تدفق الوقود، وتعاني محافظة عدن، حيث يوجد مقر الحكومة، منذ عدة أيام، من انقطاع التيار الكهربائي بسبب النقص الحاد في الوقود".

استياء شعبي

وأكد تقرير المركز العربي واشنطن دي سي، أن  استياء الجمهور من الحكومة الشرعية مؤخرًا وصل إلى مستوى عالٍ. ففي وقت سابق من هذا الشهر، قدمت وثائق رسمية مسربة تفاصيل حول المنح الدراسية التي قدمتها الحكومة لأقارب مسؤوليها، بما في ذلك أحد أقارب رشاد العليمي، رئيس الهيئة التنفيذية للحكومة، مجلس القيادة الرئاسي، دون أي سبب مشروع أو ميزة. ونظرًا للعقبات التي لا نهاية لها التي يواجهها الطلاب اليمنيون للحصول على مثل هذه المنح الدراسية، فقد أعقب نشر هذه المعلومات إدانة واسعة النطاق من جميع أنحاء اليمن بشكل مفهوم.

ووجه المركز العربي، عبر الباحثة أفراح ناصر تساؤلاً: هل لا يزال لدى الحكومة القدرة على لعب دور حيوي في أي عملية صنع سلام محتملة؟ وعلى الرغم من أن دورها في الفصل التالي من حل النزاع وشعبيتها العامة قد تضاءلا بشكل كبير، مشيرة إلى أن أحد العوامل الرئيسية التي مكنت الحكومة من البقاء حتى الآن هو حقيقة أنها لا تزال معترفا بها من قبل المجتمع الدولي وأنها  الممثل الشرعي للشعب اليمني.

منح النساء فرصة لصنع السلام

ودعت الباحثة أفراح ناصر، في تقريرها، إلى ضرورة أن يفكر أصحاب المصلحة في إنهاء الصراع في اليمن، ومنح النساء فرصة للانضمام إلى عملية صنع السلام من خلال إنشاء آليات تسهل مشاركتهن السياسية في جميع جهود السلام. 

وقالت: يبدو الإدلاء ببيانات لدعم المشاركة السياسية للمرأة أمرًا رائعًا، ولكن الأهم هو إنشاء آليات فعالة لإحداث هذا التغيير. وعلى الرغم من الانتشار الواسع للتمييز الجنسي والشوفينية الذكورية في جميع مناحي الحياة في اليمن، فقد أثبتت المرأة اليمنية أنها مجتهدة وتعمل بجد، وتمتلك وعيًا إنسانيًا وروحًا محبة للسلام. 

وأكدت الباحثة، أن أي عملية سلام لن تكتمل بدون إشراك النساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني المحلية والأقليات المهمشة. ويجب أن لا يكون إدراجها مجرد زخرفة أو لالتقاط صورة فوتوغرافية جيدة، بل يجب بدلاً من ذلك تحديد خطوة ذات مغزى نحو مشاركتها الحقيقية في تحديد مستقبل البلاد.

محاسبة مفسدي جهود السلام

وأكد التقرير على ضرورة أن تكون هناك خطوات مهمة لإنهاء الصراع في اليمن، ومن بينها إنهاء ممارسة منح الإفلات الدبلوماسي من العقاب لأولئك الذين يعملون على إفساد جهود السلام. ويجب على المبعوث الأمريكي ليندركينغ، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، وسفير المملكة المتحدة في اليمن ريتشارد أوبنهايم، إلى جانب دبلوماسيين أوروبيين آخرين، ومسؤولين من عمان، وأي أصحاب مصلحة آخرين يشاركون في اجتماعات منتظمة مع أطراف النزاع في اليمن، أن يحاسبوا أولئك الذين يعملون على منع السلام. 

وكما صرح ليندركينغ في ديسمبر/ كانون الأول في إشارة إلى الحوثيين، "تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية محاسبتهم". ويمكن أن تكون إحدى نقاط الانطلاق معاقبة مسؤولي المجموعات التي تعمل على إحباط جهود السلام".

السلام يتطلب شجاعة 

وختم تقرير المركز العربي، الذي أعدته الباحثة أفراح ناصر، بالقول إن حل الصراع والحرب الأهلية في اليمن التي قاربت على عقد من الزمن، يتطلب شجاعة سياسية من الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين. يمكن فقط للمفاوضات الهادفة بمشاركة جميع الجهات اليمنية ذات الصلة معالجة الأسباب الجذرية للحرب الأهلية وتمهيد الطريق في النهاية لتحقيق سلام دائم. والأهم من ذلك، يجب أن تتبنى جهود صنع السلام نهجًا نقديًا يتجاوز مجرد إيقاف الصراع مؤقتًا. إن آخر ما يحتاجه الشعب اليمني هو سلام غير كامل. ما يحتاجونه هو نهاية محددة ودائمة للصراع.