الحرب الاقتصادية وفسادها بين الشرعية والحوثيين

إقتصاد - Friday 16 June 2023 الساعة 09:10 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

تمتد الحرب التي طال أمدها في البلاد إلى ما وراء ساحة المعركة إلى المجال الاقتصادي، مما يزيد من إفقار السكان ومعاناتهم، إذ يستخدم طرفا الصراع مزيجاً من الأدوات الاقتصادية القسرية لتحسين أوضاعها الاقتصادية وإضعاف منافسيها. 

أسهمت جميع أطراف الصراع في تقسيم البلاد إلى منطقتين متنافستين، وتدهور الحكم وتجزئة الاقتصاد الوطني، لكن سياسات الحوثيين كانت مشوِّهة بشكل خاص.

منذ عام 2015، خاضت معظم المعارك الكبرى بين الحكومة الشرعية والحوثيين للسيطرة على الخدمات المصرفية والعملات الأجنبية وتجارة الوقود والموانئ البحرية وحقول النفط والغاز والطرق عبر الحدود الداخلية وطرق التجارة الرئيسية.

وتشير التحليلات الاقتصادية إلى أن بيانات الناتج المحلي الإجمالي وحدها غير كافية لشرح نقاط القوة والضعف الاقتصادية النسبية لطرفي الصراع.

واستناداً إلى استطلاعات الرأي الليلية والهاتفية، يبدو أن مناطق الحكومة الشرعية تتمتع بمعدلات نمو اقتصادي أعلى، لكن الاقتصاد في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون أكثر تنوعاً والفرص أوسع.

الحرب الاقتصادية وديناميكيات قوتها وفقاً للبيانات الرسمية، فإن الحكومة الشرعية تواصل إنفاق حوالي ربع ميزانيتها على دعم الكهرباء، مما أثار مزاعم بانتشار سرقة الوقود والفساد في قطاع الكهرباء.

في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، أصبحت الضرائب المفروضة على السلع والأسواق والشركات المصدر الرئيسي للإيرادات، لكن يُعاد توزيعها على القادة المحليين والعسكريين. 

لا تزال الحكومة الشرعية تعتمد بشكل كبير على إنتاج النفط، حيث أنها مجبرة على مشاركة خمس دخلها على الأقل مع السلطات المحلية، إلا أنها قد تشير أيضاً إلى الفساد في إدارة الموارد وتقاسم الإيرادات.  

وفي أحدث مؤشر لمدركات الفساد لعام 2022، سجل مؤشر اليمن انحداراً عن سنوات ما قبل الحرب، مما يشير إلى زيادة الفساد، وصنفت منظمة مكافحة الفساد العالمية "الشفافية الدولية" اليمن في المرتبة 176 من أصل 180 دولة، وقد أعطت البلاد 16 درجة على مقياس من 0- 100 "حيث يمثل الصفر الأشد فساداً". 

ظل إنتاج وصادرات النفط دون مستويات ما قبل الصراع، وكلاهما تعرض للتهديد والتوقف من هجمات الحوثيين على البنية التحتية لتصدير النفط في أكتوبر ونوفمبر 2022.

في عام 2021، جنت الحكومة الشرعية 479 مليون دولار من صادرات النفط، وهو ما يمثل 27 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، والتي بلغت 1.7 مليار دولار، في نفس العام، وفقاً للأرقام الرسمية.

وتظهر الميزانيات الحكومية الرسمية لعامي 2021 و2022 المقدمة إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن الإنفاق على الإعانات يمثل 22 في المائة و32 في المائة من جميع النفقات.

فيما تؤكد التقارير أن إيرادات ميليشيا الحوثي قد تتجاوز دخل الحكومة الشرعية، ونقلاً عن وثائق داخلية للحوثيين، قدر تقرير عام 2021 الصادر عن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة عائدات الحوثيين الرسمية بنحو 1.8 مليار دولار في عام 2019.  

كما وفرت الواردات فرصاً للمحسوبية والبحث عن الريع، حيث تلقى الحوثيون من إيران الوقود كشكل من أشكال الدعم المالي، وأفادت لجنة خبراء الأمم المتحدة لعام 2019 أن عدداً صغيراً من الشركات تعمل كواجهات لواردات الوقود المصممة لإفادة الحوثيين؛ في مناطق سيطرتهم والتي تشمل أكبر الأسواق والمراكز السكانية في البلاد.

كما تم نقل الوقود المستورد إلى مناطق الحكومة براً إلى مناطق الحوثيين، مما عطل سلاسل الإمداد، وزاد أسعار الوقود في مناطق الحوثيين، وأدى إلى الازدواج الضريبي.

أغلقت ميليشيا الحوثي العديد من محطات الوقود المملوكة للقطاع العام الخاضعة لسيطرتها بينما وجهت إمدادات الوقود إلى محطات الوقود المملوكة للقطاع الخاص لبيعها بأسعار أعلى.

في عام 2023 وبعد 8 سنوات من الحرب، نجحت ميليشيا الحوثي في إعادة توجيه التجارة والتدفقات المالية المتجهة إلى مناطق الحكومة الشرعية إلى الموانئ والمؤسسات المالية الخاضعة لسيطرتها.

وانخفضت واردات الوقود والبضائع من خلال ميناء عدن، بينما نمت حجم واردات الوقود والبضائع عبر موانئ محافظة الحديدة 400 في المائة، في الربع الأول من 2023 مقارنة بالأعوام السابقة، وفقاً لبيانات اتحاد المساعدات النقدية في اليمن.

وتعكس الصراعات العسكرية على حقول النفط الأهمية الاقتصادية الحاسمة لصادرات النفط والغاز، وحاولت ميليشيا الحوثي الاستيلاء على مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط في 2015 لكن تم صدها. 

في عام 2020، شن الحوثيون مرة أخرى هجوماً كبيراً في مأرب، بهدف الاستيلاء على منشآت إنتاج النفط والغاز، وتم دحرهم وهزيمتهم أيضاً.

كما تشكل حواجز الطرق والقيود الأخرى المفروضة على حركة البضائع البرية جزءاً من نفس المنافسة الاقتصادية.

وقدمت التجزئة الجغرافية فرصاً للتجار على حساب المستهلكين، مما مكّن الجهات الفاعلة القوية من استغلال فروق الأسعار الناتجة عن الاقتطاعات الاقتصادية وتشعب السياسة النقدية. 

وأدت الزيادة الهائلة في عدد وبروز شركات الصرافة منذ عام 2015، إلى جانب تشعب السياسة النقدية، إلى مزيد من الضرر لقدرة البنوك المركزية في عدن وصنعاء على الإشراف أو ممارسة الرقابة التنظيمية عليها، وهو ما مكَّن بعض شركات الصرافة من الاستفادة بشكل شبه مؤكد من تقلب الريال والفرق.

وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن المصـادر الرئيسـية للمحسـوبية والسـلطة والتحكـم بمؤسسـات الدولـة والنفاذ إلى مصادر الإيرادات الرئيسية، تثري قلة على حساب الكثرة، حيث شكل الفساد دافعاً رئيسياً للنزاع، الذي لا يبدو أنه موشك على الانحسار.