انعكاسات السلوك المليشاوي للحوثيين على التسوية السياسية

تقارير - Thursday 23 November 2023 الساعة 07:06 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

بينما تسعى المملكة العربية السعودية لتحريك الركود الذي ساد في ملف التسوية السياسية في اليمن طيلة الأشهر القليلة الماضية، يكثّف الحوثيون من سلوكهم المليشاوي نحو تهديد الملاحة في البحر الأحمر، واستهداف السفن التجارية أثناء مرورها في المياه الإقليمية اليمنية أو حتى خارجها.

اختطاف المليشيا الحوثية للسفينة التي تشترك في ملكيتها وإدارتها كل من بريطانيا واليابان تحت ذريعة أن رجل أعمال إسرائيلياً لديه نسبة جزئية في ملكية السفينة، هذا السلوك أوضح للعالم حقيقة أن الحوثيين ليسوا أكثر من مجرد مليشيا وأنهم يديرون مناطق سيطرتهم ويتعاملون مع الحكومة الشرعية والأطراف المنضوية معها بنفس السلوك المليشاوي الذي لا يحترم القوانين الوطنية والدولية ولا حتى الأعراف السائدة في العلاقات الدولية.

كما أوضح اختطاف السفينة جلاكسي لدول العالم أن مليشيا الحوثي تنفذ حرفياً سياسة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة العربية، لكن كيف يمكن أن ينعكس هذا السلوك المليشاوي للحوثيين على مسار التسوية السياسية في اليمن، التي تقودها المملكة العربية السعودية بتسهيلات عمانية وضوء أخضر إيراني لذراعها في اليمن؟

بحسب المستجدات الإقليمية الراهنة وانخراط الحوثيين أكثر في الحرب ضد إسرائيل التي تشن حرب إبادة جماعية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، تبدو قرصنة الحوثيين للسفينة جلاكسي أكثر المؤشرات وضوحاً على أن أمريكا قد تجد الدافع المبرر لتغيير سياستها تجاه مليشيا الحوثي. يدل على ذلك التصريحات رفيعة المستوى في الإدارة الأمريكية باحتمال مراجعة واشنطن لقرار الرئيس بايدن بإزالة مليشيا الحوثي من التصنيف الإرهابي وإعادة تصنيفها في هذا الإطار. وبحلول الوقت الذي يصدر فيه قرار البيت الأبيض بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، سوف يتعقد مسار التسوية السياسية التي كانت وصلت إلى مرحلة طرح مقترح "خارطة طريق" للحل من قبل المملكة العربية السعودية على الأطراف اليمنية ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس جروندبرج.

أحد أبرز التأثيرات التي يمكن أن تصيب جهود السلام في اليمن، هو صعوبة استمرار تفاوض السعودية وبالتالي مجلس القيادة الرئاسي والأطراف الممثلة فيه، في مفاوضات مع جماعة إرهابية.

وبعد تعثر الاتفاق على "خارطة الطريق" في الرياض في منتصف نوفمبر الجاري عندما اجتمع مجلس القيادة الرئاسي مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ والمبعوث الأممي هانس جروندبرج، لن يكون أمام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سوى المضي في ما كان قد بدأه التحالف العربي في 2015، ومضاعفة الدعم لمجلس القيادة الرئاسي والقوات الحكومية لاستكمال تحرير البلاد من الانقلاب الحوثي.

لكن هذه الخطوة لا تزال في طور الاحتمالات ويمكن للمستجدات المحلية والإقليمية والدولية أن تلعب دوراً سلبياً في إعاقتها أو دوراً إيجابياً في دفعها إلى الأمام باعتبار أن الجماعة الإرهابية التي تسيطر على العاصمة اليمنية وثلث مساحة البلاد، غير صالحة لإدارة دولة يمنية قادرة على نسج علاقات إقليمية ودولية تتماشى مع مبدأ الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

كما أن المليشيا الحوثية ماضية في تبديد ما تراكم من جهود السلام خلال السنوات الماضية، وهو ما حذرها منه المبعوث الأمريكي ليندركينغ في تصريحات سبقت جولته الخليجية الأخيرة والتي انتهت بالإخفاق في إقناع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي بالموافقة على خارطة الطريق. فحتى في الجانب الاقتصادي والإنساني، هناك عوائق أمام إتاحة الفرصة لمليشيا إرهابية لإدارة مطار دولي وميناء بحري إضافة إلى شريط ساحلي يطل على أحد أهم ممرات التجارة في العالم.

وفي حين أفادت بعض التقارير الصحفية، استناداً إلى مصادر سياسية، بأن هناك زيارة مرتقبة لوفد سعودي إلى صنعاء خلال الأسابيع المقبلة، لن يكون بمقدور هذا الوفد أو غيره من وفود الدول الفاعلة في الملف اليمني، أن يزور صنعاء بعد تصنيف السلطة المسيطرة عليها كمنظمة إرهابية. وفي هذه الحالة قد تلعب سلطنة عمان دورَ وساطةٍ جديداً للإفراج عن السفينة جلاكسي "بدون قيد أو شرط" كما طلبت أمريكا، وهو الاحتمال الوحيد الذي قد تجد فيه أمريكا مبرراً للتراجع عن قرارها بإعادة تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية. وفي حال تراجع أمريكا عن قرار إعادة التصنيف، سوف تجد المليشيا الحوثية مساحة أوسع لزيادة هجماتها الداخلية والإقليمية. أما إذا دعمت واشنطن "خارطة الطريق" السعودية بصيغتها التي تم تسريبها لبعض وسائل الإعلام المحلية، فسيكون هناك الكثير من أسباب عودة الحرب بمبادرة حوثية مئة بالمئة. لأن الجماعة ستحقق بالمفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالحرب. وبالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي سيقبل بترحيل حل القضية الجنوبية إلى المرحلة الثالثة من الاتفاق.

وبترحيل القضية الجنوبية والشق السياسي من مقترح الاتفاق إلى المرحلة الثالثة، لا يستبعد أن يؤدي ذلك للعودة إلى المربع الأول الذي انفجرت الحرب بسببه، خاصة أن مليشيا الحوثي قد استحدثت تغييرات خطيرة في بنية مؤسسات الدولة وشكل النظام السياسي، وأخطر هذه التغييرات تكريسها لمبدأ الولاية لآل البيت وأحقيتهم الحصرية في حكم البلاد.