هل تتخلى السعودية عن اليمن مقابل سلام منفصل مع الحوثيين؟

تقارير - Wednesday 14 February 2024 الساعة 09:17 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

منذ بداية المفاوضات التي تخوضها المملكة العربية السعودية مع الحوثيين بتسهيل عماني، تزايدت التكهنات بإمكانية أن تتخلى السعودية عن الحكومة اليمنية الشرعية مقابل سلام منفصل مع مليشيا الحوثية.

ما أثار هذه التكهنات هو توجيه السعودية مؤخرا سياستها الخارجية نحو التهدئة وبما يخدم توجيه سياستها الداخلية نحو البناء الاقتصادي ضمن خطة 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في خضم التدخل العسكري للتحالف العربي الذي قادته السعودية والإمارات دعما للحكومة الشرعية ضد الحوثيين. وتجلى هذا التوجه السعودي أكثر في تقارب الرياض مع طهران في مارس 2023، وزيارة وفد رسمي سعودي إلى صنعاء في أبريل، ثم زيارة وفد حوثي إلى الرياض في سبتمبر من نفس العام، ضمن جولات المفاوضات التي أسفرت عن "خارطة طريق" أولية تم تسليمها لمبعوث الأمم المتحدة هانس جروندبرج لاستكمالها برعاية الأمم المتحدة.

التخلي لا يشمل الاقتصاد

رغم توفر كثير من المؤشرات التي تدل على تخلي السعودية عن الحكومة الشرعية الممثلة بمجلس القيادة الرئاسي، فإن هذه المؤشرات لم تشمل الجانب الاقتصادي، لكنها أصبحت تشمل بوضوح الجانب العسكري والسياسي. حيث يدل استمرار الرياض في استضافة الوفد الحوثي لجولة ثانية خلال فبراير الجاري وفي زيارة غير معلنة، على أنها ما زالت تحاول دفع التسوية السياسية المنتظرة في اليمن نحو إخراجها إلى العلن وفق الشروط الحوثية التي يرفضها مجلس القيادة الرئاسي.

وبالتزامن مع تواجد الوفد الحوثي في الرياض، أعلنت الحكومة السعودية مطلع الأسبوع الجاري عن تسليم 250 مليون دولار للحكومة الشرعية كدفعة ثانية من المنحة السعودية المعلن عنها في أغسطس الماضي والبالغة 1.2 مليار دولار. وهو ما يثير تحليلات المراقبين للشأن اليمني بأن السعودية ستغطي تخليها العسكري والسياسي عن الحكومة بدعمها اقتصاديا فقط.

تعقيدات السلام اليمني

ليس خافيا على السعودية والإمارات وبقية الدول الفاعلة في الملف اليمني حجم التعقيدات التي تكتنف التسوية السياسية المنشودة، لكن سير جهود التسوية لا تقترب فعليا من أكثر هذه التعقيدات صعوبة. حيث تتمثل العقدة الأساسية في المشكلة اليمنية بقضيتين طابعهما سياسي بالدرجة الأولى وهما: رفض الحوثيين للشراكة السياسية في السلطة وفق مبادئ ديمقراطية كالانتخابات وغيرها، أما القضية الثانية فهي القضية الجنوبية التي يتم ترحيل حلها في كل منعطفات الصراع.

حتى الآن تنصب جهود التسوية السياسية على الملف الإنساني المتمثل بالرواتب وفتح الطرقات والمنافذ الجوية والبحرية، وفي الملف العسكري الذي تقتصر النقاشات فيه على تثبيت وقف إطلاق النار. أما الجانب السياسي فهو مؤجل إلى المرحلة الثالثة من "خارطة الطريق" التي لم تبارح مربع التعثّر منذ أكثر من عام ونصف. ورغم تصريحات الناطق باسم الجماعة الحوثية محمد عبدالسلام أواخر الأسبوع الماضي بأن لقاءهم مؤخرا مع القيادات السعودية في الرياض "نتج منه تجاوز لأهم العقبات التي كانت تواجه خريطة الطريق"، لا يبدو أن الناطق الحوثي يعرف -أو يعترف-بطبيعة "أهم العقبات" في طريق هذه التسوية.

وفي المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الشرق الأوسط السعودية الخميس، وجه له المحاور سؤالاً عن مدى استعداد الجماعة الحوثية "للبدء في مفاوضات سياسية تشمل مشاركة الحكم والانتخابات والتصويت على الدستور واستكمال العملية السياسية؟ وما هي أبرز الشروط؟"، تهرب عبدالسلام من الإجابة قائلاً إن تفاصيل المفاوضات في الجانب السياسي "تُترك للمتفاوضين في تلك المرحلة". 

ويكشف هذا التهرب من الإجابات طريقة المليشيا الحوثية في إبقاء تفاصيل الاتفاقات مفتوحة لكي يسهل عليها التنصل منها. وبدلاً من مواجهة هذا السؤال الذي يلامس جوهر الصراع اليمني، ذهب عبدالسلام إلى التحدث عن مزايا الملف الإنساني.

بوصلة المفاوضات وتصنيف الحوثيين

من المعلوم أن توجه المملكة العربية السعودية أصبح واضحا نحو التهدئة مع جيرانها وخصومها الإقليميين وعلى رأسهم إيران وأذرعها في المنطقة. وفي الشأن اليمني يقول الدكتور هشام الغنّام، المشرف العام على مركز البحوث الأمنية وبرامج الأمن الوطني في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، إن الحوثيين وصلوا إلى قناعة بالوساطة السعودية، لأنها أيضاً لمصلحتهم كجماعة، وفي الوقت نفسه تم وضع الكرة في ملعبهم. بمعنى، جرت إعادة القضية إلى أصلها؛ كونها يمنية - يمنية وليست سعودية - يمنية. وهو ما مهّد الطريق أمام المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ للبدء في طرح خريطة طريق مفصلة لحوار اليمنيين أنفسهم.

مسار الحوار اليمني -اليمني هو ما أفضت إليه مفاوضات السعودية مع الحوثيين، وفي نفس السياق يأتي توجه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تظهر بصماتها أيضا على المحاولة الأخيرة لإدارته في استخدام التسوية السياسية في اليمن كورقة ضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن.

من الملاحظ أن محاولة إنعاش مسار التسوية السياسية في اليمن تأتي قبل أيام فقط من بدء سريان تصنيف الإدارة الأمريكية لجماعة الحوثيين كجماعة إرهابية عالمية، وهو التصنيف الذي يفترض أن يبدأ سريانه من 17 فبراير الجاري. وبينما تستمر واشنطن في إغراء الحوثيين بإلغاء تصنيفهم كإرهابيين إذا أوقفوا هجماتهم على سفن الشحن البحري، تشير المستجدات في هذا السياق إلى أن الحوثيين لن يوقفوا الهجمات، ولا يأبهون لتصنيفهم كإرهابيين كما يقول قياداتهم. لكن تساؤلات المحللين للشأن اليمني تذهب في اتجاه مدى صعوبة التعامل مع الحوثيين من قبل دول التحالف العربي وبقية الدول الراعية للسلام في اليمن، وكذلك من قبل الأمم المتحدة نفسها.