(تجربة إيران-كيانات بديلة- ملشنة مؤسسات) مليشيا الحوثي ومشروع تدمير الدولة (1-3)

السياسية - Monday 03 December 2018 الساعة 06:43 pm
تقرير خاص، نيوزيمن، سمير الصنعاني:

منذ سيطرة المليشيات الحوثية على العاصمة صنعاء واقتحامها لمؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014م، بدأت المليشيا بتنفيذ مشروعها السياسي الفكري الديني القائم على مفهوم الحق الإلهي في السيطرة على السلطة، والتعصب المذهبي، والعنصرية السلالية.

وعلى الرغم من إجبارها رئيس الجمهورية وممثلي القوى السياسية حينها على توقيع ما عرف باتفاق السلم والشراكة، إلا أن الحركة الحوثية شرعت في تنفيذ مشروعها من خلال إنشاء مؤسسات مليشياوية أسندت إليها مهمة السيطرة على مؤسسات الدولة والبدء بالإشراف على عملها تحت مسمى اللجان الثورية التي بدأت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بعمل المؤسسات الحكومية، وهو الأمر الذي أدى إلى تعطيل أداء هذه المؤسسات قبل أن تقدم المليشيات على السيطرة على مجمع دار الرئاسة بصنعاء وترتب على ذلك خلافات سياسية أفضت إلى استقالة الحكومة في 20 يناير 2015م، ثم استقالة رئيس الجمهورية التي قدمها إلى البرلمان الذي كان يفترض أن يعقد جلسة خاصة للنظر فيها، إلا أن مليشيات الحوثي أقدمت على المضي بخطوات سيطرتها على السلطة واستكمال عملية الانقلاب من خلال (إعلانها) اللادستوري الذي حلت بموجبه السلطة التشريعية المنتخبة (مجلس النواب) ومجلس الشورى وأعلنت تشكيل مجلس رئاسي من خمسة أعضاء ومجلس وطني انتقالي من 551 عضوا.

وعلى الرغم من أن مليشيات الحوثي فشلت في تنفيذ بنود ذلك الإعلان، بسبب رفضه من قبل كافة القوى السياسية في البلاد، إلا أن المليشيا مضت في استكمال عملية انقلابها من خلال تنصيب ما أسمتها اللجنة الثورية العليا لتتولى زمام إدارة شؤون البلاد وهي لجنة مليشياوية لا تختلف عن المجالس العسكرية التي تشكلها الانقلابات التي تنفذ على السلطات الشرعية والدستورية في أي بلد في العالم.

ومنذ ذلك الحين سارعت مليشيات الحوثي لإظهار طبيعة وجوهر المشروع المذهبي العنصري الذي تحمله، وثقافتها وفكرها السياسي القائم على تدمير مؤسسات الدولة، واستبدالها بمؤسسات بديلة تتبع الحركة وبما يمكنها من ترسيخ مشروعها الأيديولوجي الفكري القائم على مفهوم الاصطفاء والحق الإلهي في الحكم، وفي الوقت نفسه الانتقام من النظام الجمهوري الذي قضى على دولة الإمامة التي تسعى الحركة الحوثية لإعادتها ولو بلباس جمهوري مقنع.

في التقرير التالي سنحاول إلقاء الضوء على الكيفية التي عمدت بها مليشيا الحوثي لتنفيذ مشروعها في تدمير مؤسسات الدولة سواءً من خلال منح شخوصها وأطرها التنظيمية صلاحيات السلطة والإدارة، أو من خلال إنشاء كيانات ومؤسسات تابعة للحركة تستحوذ على صلاحيات ومهام المؤسسات الرسمية وتتولى مهمة إدارة شؤون السلطة والحكم لصالح المليشيا خارج إطار نصوص الدستور والقوانين النافذة وبشكل يجعل من المليشيا تتحول إلى دولة داخل دولة.

- زعيم المليشيا ودور المرشد

خلافاً لنظام الحكم الجمهوري الديمقراطي الذي تقوم عليه السلطة في الجمهورية اليمنية والذي يجعل رئيس الجمهورية هو الشخص الأول المسؤول عن السلطة التنفيذية والذي يتولى مهمة الإشراف على إدارة الدولة وسلطاتها ويتم انتخابه بالانتخاب المباشر من قبل الشعب ولفترتين رئاسيتين كما هو محدد في الدستور.

وبغض النظر عن الاختراق الذي شهده الواقع السياسي في اليمن نتيجة أزمة العام 2011م والتي أخلت بهذا المفهوم، إلا أن منصب الرئيس ظل هو المنصب الأهم في مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي جاءت المليشيات الحوثية لتنسفها برمته من خلال ابتداعها لمشروع نظام حكم مختلف يمثل نقلا كاملا لتجربة نظام الحكم الايراني القائم على وجود مؤسسات دولة مثل الرئيس والبرلمان، ومع ذلك فإن المرشد الأعلى أو ما يسمى بقائد الثورة هو الشخص الذي تؤول إليه كل السلطات والمسؤوليات وصاحب القرار الأول، مع الفارق أن دور المرشد في النظام الإيراني هو دور مقونن ومنصوص عليه في الدستور الإيراني.

وطبقاً لأكذوبة الاصطفاء والحق الإلهي الذي يقوم عليه فكر المشروع المليشاوي الحوثي فإن زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي يعد هو المرشد الأعلى وقائد ما يسمونه الثورة والمسيرة القرآنية، وبالتالي فهو الرجل الأول الذي يملك كافة الصلاحيات في الحكم والإدارة، والتوجيه والإرشاد، والفتوى وإصدار الأحكام الفقهية وغيرها.

ويتولى عبدالملك الحوثي -الذي لا يملك أي مؤهلات علمية سوى قدرته على الخطابة الدينية شأنه شأن كل قادة حركات الإسلام السياسي- قيادة المليشيا خلفا لأخيه مؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي الذي لقي مصرعه في سبتمبر 2004م على أيدي قوات الجيش التي نجحت في اخماد التمرد المسلح الذي قاده على سلطات الدولة من مقر إقامته في مديرية مران بمحافظة صعدة، وهو الأمر الذي مكنه من مواصلة التمرد على الدولة وخوض خمس حروب ضد الجيش والسلطات الدستورية المنتخبة قبل أن يجد نفسه ينجح في تنفيذ مشروع حركته التمردية وتوسيع نفوذه مستغلا أزمة العام 2011م التي شدتها البلاد والنتائج التي ترتبت عليها سياسيا.

ومع أن مليشيا الحوثي تدعي أنها تدير السلطة وفقا لنصوص دستور الجمهورية اليمنية وقوانينها النافذة والتي لا يوجد فيها أي نص يعطي لزعيم المليشيا عبدالملك الحوثي أية صلاحيات من أي نوع، إلا أن الأخير بات يقوم بمهام وصلاحيات أكبر حتى من تلك التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية، فإلى جانب أدائه لدور المرشد الديني والقائد السياسي للمليشيا فإنه يمارس صلاحيات الموافقة على أي تعيينات أو إقالات في إطار مؤسسات الدولة، وكذا صلاحيات تحديد سياسات ومواقف وتوجهات الحركة ومن خلفها سلطة الأمر الواقع التي تدير المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.

ومع أن المجلس السياسي الأعلى الحالي والذي تسيطر عليه المليشيا هو المخول بإصدار القرارات والتعيينات في مؤسسات الدولة وكل ما يتعلق بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة في الدستور، إلا أن هذا المجلس لا يستطيع أن يتخذ أي قرارات مهما كانت إلا بعد الرجوع إلى زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي الذي يقبلها أو يرفضها.

ولعل قرار العفو العام الذي أصدره زعيم المليشيا بحق الصحفي يحيى عبدالرقيب الجبيحي الذي حكمت عليه المليشيا بالإعدام، وكذا قرارات العفو عن مئات السجناء وهي صلاحيات من اختصاصات رئيس الجمهورية دستوريا تعد نموذجا لمدى ما يمارسه زعيم المليشيا من صلاحيات لا علاقة لها بنصوص الدستور ولا بمفهوم الدولة ومؤسساتها وآليات عملها.

وعلى ذات المنوال فإن ملف المفاوضات الخارجية الذي يفترض أن تديره سلطة الأمر الواقع ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ اللذين تسيطر عليهما المليشيا، إلا أن زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي هو الذي يسيطر على رسم وتحديد توجهات موقف المليشيا من قضية المفاوضات بشكل تام سواء أكان ذلك من خلال توليه مهمة التفاوض مع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن جريفيث، أم من خلال منع فريق التفاوض التابع للمليشيا من إبرام أي اتفاقات أو تفاهمات دون العودة إليه وأخذ موافقته في كل صغيرة وكبيرة، وهو الأمر الذي اتضح بشكل كبير خلال مشاورات الكويت التي رعتها الأمم المتحدة، وحتى قبل سيطرة المليشيا على السلطة فإن صلاحيات اتخاذ القرارات الخاصة بالاتفاقات مع الحكومة والرئاسة اليمنية كانت تعود لزعيم المليشيا الذي أوفدت إليه الرئاسة اليمنية عدة وفود ولجان انتهت كل اتفاقاتها وتوافقاتها معه إلى الفشل.

وعموماً يجمع المراقبون والباحثون السياسيون أن ما يمارسه زعيم المليشيا الحوثية عبدالملك الحوثي من دور سياسي وفقهي وثقافي ومذهبي وصلاحيات تنفيذية بالنسبة لسلطة المليشيا يعد دليلا واضحا وصريحا على حقيقة أن مشروع المليشيا الحوثي الذي يتم تنفيذه في اليمن هو استنساخ واضح لتجربة وأسلوب ومشروع الحكم في إيران بشكل فج حتى إنه يتفوق على تجربة مليشيا حزب الله في لبنان، ومليشيا الحشد الشعبي في العراق والتي توالي وتنفذ أجندات مشروع النفوذ الإيراني في المنطقة.

- اللجان الثورية

تعد ما تسمى اللجنة الثورية العليا لمليشيا الحوثي واللجان الثورية المتفرعة عنها هي التشكيل الذي يتولى على عاتقه مسؤولية لعب دور مزدوج بالنسبة للمليشيا الأول هو الدور السياسي، والثاني هو الدور العسكري.

وقبيل اقتحام مليشيا الحوثي للعاصمة صنعاء كان مسمى اللجان الثورية يتولى مهام التحشيد وحماية التظاهرات ضد الحكومة، قبل أن يتولى على عاتقه مهمة المشاركة المسلحة في المعركة التي أدت إلى احتلال العاصمة صنعاء واقتحام مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014م، والبدء بممارسة مهام الإشراف على مؤسسات ومرافق الدولة خارج إطار الدستور والقوانين النافذة.

وبدأت ما تسمى باللجنة الثورية العليا لمليشيا الحوثي بممارسة دور سياسي فعلي من خلال تزعمها لاستكمال مشروع الانقلاب عبر الإعلان اللادستوري للحركة الحوثية الذي أطلقته في 6 فبراير 2015م وتم بموجبه إحلال اللجنة الثورية العليا محل رئاسة الدولة واللجان الثورية الفرعية المنبثقة عنها حق الاستيلاء على مؤسسات الدولة وإدارتها خارج إطار الدستور، وبدأت ثورية المليشيا العليا بإصدار قرارات تعيينات لكوادرها في مختلف المؤسسات والقطاعات وبالذات المؤسسات ذات العلاقة بمؤسستي الجيش والأمن والاستخبارات والنفط والمالية والجهات الايرادية.

ومع أن مليشيا الحوثي فشلت في تنفيذ بنود إعلانها اللادستوري إلا أن ما تسمى باللجنة الثورية العليا ظلت تمارس صلاحيات الحكم خلال الفترة الممتدة من 6 فبراير 2015م وحتى توقيع اتفاق الشراكة في 28 يوليو 2016م بين المؤتمر الشعبي العام والحركة الحوثية والذي تم بموجبه إلغاء الإعلان اللادستوري للحوثي وإعادة مجلس النواب للعمل، وتشكيل مجلس سياسي أعلى وحكومة إنقاذ تتولى مهام إدارة الحكم في البلد وهو الاتفاق الذي كان يجب أن يتم بموجبه حل ما تسمى باللجنة الثورية العليا واللجان المتفرعة عنها وإنهاء تدخلها في عمل مؤسسات الدولة، والسماح بعودة هذه المؤسسات لإدارة شؤونها وخدماتها وفقا لنصوص الدستور والقوانين خاصة بعد أن منح مجلس النواب الثقة للمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ.

وعلى غرار نكثها بكل الاتفاقات التي وقعتها سارعت مليشيا الحوثي للالتفاف على نصوص اتفاق الشراكة من خلال إعلان رئيس ما تسمى باللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي في يوم تسليمه السلطة إلى المجلس السياسي عن تحول اللجنة إلى لجنة مراقبة شعبية على أداء مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي مثل تأكيدا على إصرار مليشيا الحوثي على تنفيذ مشروعها في تدمير مؤسسات الدولة وإحلال المؤسسات والكيانات البديلة محلها.

ومثلما شهدت الفترة التي تولت فيها ما تسمى باللجنة الثورية العليا للسلطة عملية ممنهجة لتدمير مختلف مؤسسات الدولة، وملشنتها وإقصاء القيادات والكوادر الوطنية وذات الكفاءات والخبرة في إداراتها واستبدالها بعناصر تابعة لمليشيا الحوثي وبشكل قائم على مفهوم سلالي عنصري، فإن الفترة التي تلت تشكيل المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ شهدت استمرار ما تسمى باللجنة الثورية واللجان المتفرعة عنها تدخلاتها بشكل فج في السيطرة على مؤسسات الدولة وعلى عملها، وهو الأمر الذي مثل القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لاتفاق الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام وحركة الحوثي وأدى إلى ظهور الخلافات بين الطرفين منذ اليوم الأول لبدء عمل المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ، قبل أن تتطور تلك الخلافات بفعل ممارسات اللجان الثورية لمليشيا الحوثي ومضايقاتها بحق وزراء المؤتمر ونوابه وقياداته وكوادره إلى حالة من الأزمة السياسية التي تمظهرت بشكل كبير في نهاية العام 2017م، حيث أقدمت مليشيا الحوثي على تحويل تلك الخلافات إلى مواجهات مسلحة استهدفت قيادة المؤتمر الشعبي العام ممثلة بالزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر، وهو ما أدى بالاخير إلى إعلان انتفاضته على مليشيا الحوثي بعد أن هاجمت منزله ومنازل أقاربه في العاصمة صنعاء قبل أن تقوم باغتياله ومعه الأمين العام للمؤتمر عارف الزوكا وعدد من قيادات المؤتمر وحراسه في 4 ديسمبر 2017م.

ورغم تفرد مليشيا الحوثي المطلق بالسلطة بعد اغتيالها للزعيم صالح ورفيقه الأمين عارف الزوكا، إلا أن ما تسمى باللجنة الثورية العليا واللجان المتفرعة عنها تواصل تدخلاتها في صلاحيات وعمل مؤسسات الدولة بذات الأسلوب الذي كان عليه منذ سيطرتها على السلطة في 2014م وهو الأمر الذي أدى إلى حالة شلل تام في قدرة مؤسسات الدولة على أداء خدماتها تجاه الناس، كما أدى إلى استشراء عملية الفساد والنهب بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد.

ويمثل تدخل محمد علي الحوثي، رئيس ما تسمى باللجنة الثورية العليا، السياسي في كل شؤون الدولة وجها آخر لحقيقة مشروع المليشيا الحوثي القائم على مفهوم تدمير مؤسسات الدولة واستبدالها بمؤسسات تابعة للمليشيا تتولى مهمة إدارتها بما يخدم أهدافها وتوجهاتها ومشروعها المذهبي والعنصري.

- اللجان الشعبية

تعد اللجان الشعبية بمثابة الجناح المسلح لمليشيا الحوثي والتي تتولى عمليات القتال والمواجهات العسكرية وبرز دورها مع أزمة العام 2011م، حيث بدأت هذه اللجان بخوض المواجهات العسكرية للمليشيا من صعدة مرورا بعمران وصولا إلى صنعاء وغيرها من المحافظات.

وقبيل احتلال المليشيا للعاصمة صنعاء تولت ما تسمى باللجان الشعبية مهمة قتال وتهجير السلفيين من منطقة دماج بصعدة، ثم خاضت معارك ضد الخصوم السياسيين والقبليين للمليشيا الحوثية في عمران، والجوف، قبل أن تستغل صمت الدولة والحكومة على مواجهتها لتنتقل بمعاركها المسلحة إلى مواجهة الجيش والأمن، وخاضت معارك انتهت بسيطرتها على المعسكرات وعلى مؤسسات الدولة في محافظة عمران ونهب أسلحتها وعتادها وكل مقدراتها.

ولم يكن مسمى اللجان الشعبية الحوثية معروفا لدى الناس حتى إقدام المليشيا على اقتحام صنعاء والسيطرة على مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014م، حيث ظهر مسمى هذه اللجان إلى العلن باعتبارها جناحا مسلحا نفذ عملية سيطرة ونهب لمعسكرات الدولة ومؤسساتها بشكل علني.

وفي إطار مشروع المليشيا لتدمير مؤسسات الدولة فقد عمدت إلى منح اللجان الشعبية حق نهب عتاد الجيش والأمن وإحلالها محلها بشكل تدريجي، وحق توسيع تمددها العسكري المليشاوي الذي امتد ليشمل معظم محافظات البلاد، وبشكل ظهر جليا مع تولي ما تسمى باللجنة الثورية العليا دفة السلطة، ثم سلطة المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ.

ومع انطلاق حرب التحالف الذي تقوده السعودية والداعمة لقوات الحكومة الشرعية والمقاومة الوطنية ضد مليشيات الحوثي تحولت ما تسمى باللجان الشعبية إلى محور الارتكاز في عملية القتال الذي تخوضه المليشيا في أكثر من محافظة وفي أكثر من جبهة، وبات مسمى اللجان الشعبية رديفا ومعادلا لمسمى الجيش في الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي للمليشيا الحوثية.

ورغم أن مليشيا الحوثي حاولت استمالة منتسبي القوات المسلحة والأمن إلى جانبها في معارك القتال ضد قوات الشرعية والمقاومة الشعبية، إلا أن سياسة سيطرة قيادات اللجان الشعبية على كل ما يتعلق بإمكانيات ومقدرات وعمليات القتال وأمواله، وخططه وتحكمهم بإدارة دفة المعارك عبر قيادات صغيرة السن وبلا خبرة وبلا مؤهلات ودون أي كفاءة سوى تبعيتها وموالاتها للمليشيا الحوثية أو انتمائها السلالي العنصري أدى إلى عزوف وترك قيادات ومنتسبي الجيش للمعارك وعودتهم إلى منازلهم، وأثر أيضا على عزوف البقية عن القتال إلى جانب المليشيا خصوصا بعد أن عمدت الأخيرة إلى قطع مرتباتهم وإزاحتهم من مناصبهم واستبدالهم بعناصر تابعة للمليشيا.

وجود اللجان الشعبية وطريقة إدارتها والمهام التي تتولاها شكلت إحدى نقاط الخلاف بين المؤتمر الشعبي العام وحركة الحوثي منذ اليوم الأول لتوقيع اتفاق الشراكة بين الطرفين، بسبب إصرار المليشيا على أن تدار هذه اللجان خارج إطار الدستور والقوانين النافذة، وهو الأمر الذي كان يرى فيه المؤتمر مشروعا لاستبدال الجيش والأمن بمليشيا خاصة بالحركة الحوثية خاصة مع قيام المليشيا بمنح نائب وزير الداخلية في حكومة المليشيا الحوثية والمنتمي للحركة منصب قائد اللجان الشعبية وتخصيص ما نسبته (40%) من ميزانية الوزارة لصالحها، حيث تتم عملية الصرف عبر نائب الوزير ودون معرفة أو علم أو إشراف أو تدخل وزير الداخلية، وهو الأمر الذي يعد مخالفا للدستور والقوانين.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية رسمية بعدد منتسبي اللجان الشعبية الحوثية الذين قامت المليشيا بإحلالهم محل منتسبي القوات المسلحة والأمن، إلا أن المصادر الرسمية تؤكد أن الرقم بعشرات الآلاف الذين تم توظيفهم رسميا عبر استغلال السيطرة على وزارات المالية والخدمة المدنية والشؤون القانونية والتي تتولى عملية شرعنة وإضافة عناصر المليشيات في إطار قاعدة بيانات موظفي الدولة العسكريين والمدنيين، وهي الإجراءات التي تقابل برفض قاطع من قبل حكومة الشرعية التي تؤكد أنها لا تعترف بأي قوائم أو بيانات لموظفي الدولة في القطاعين العسكري والمدني سوى بقوائم موظفي 2014م فقط.

ويمثل أسلوب عمل وفكر وقيادة ما تسمى باللجان الشعبية ليس تأكيداً على مشروع المليشيا في تدمير مؤسسات الدولة فحسب، بل ويقدم برهانا عمليا على المشروع المذهبي العنصري والسلالي لمليشيا الحوثي الذي يتجلى في تسمية منتسبي اللجان بالمجاهدين في سبيل الله، وبأدبيات المحاضرات والتوعية الفكرية والدينية التي يتلقونها والقائمة على مفهوم الولاية، وشعار صرخة الموت، واعتبار الخصوم والمختلفين مع المليشيا والرافضين لمشروعها كفارا ومنافقين يجب مجاهدتهم وقتالهم وقتلهم كما تضمنه البيان الشهير لما يسمى باللجان الشعبية ضد الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام منتصف العام 2017م والذي كفره وهدده بالقتل والتصفية.

ومع أن معظم المقاتلين في إطار ما تسمى باللجان الشعبية هم من أبناء القبائل والناس البسطاء والشباب المغرر بهم من قبل مليشيا الحوثي، إلا أن كل قيادات تشكيلات هذه اللجان لا تزال محصورة في المنتمين إلى الأسر الهاشمية فقط، وهو الأمر الذي يعكس حقيقة المشروع العنصري السلالي للمليشيا الذي يتمظهر بشكل فج من خلال منح الامتيازات والرتب والمناصب العسكرية الكبيرة في إطار المؤسسة العسكرية والأمنية الرسمية لهم فقط، وفي الوقت نفسه ظلوا يحتفظون بحظوتهم ونفوذهم القيادي في إطار هيكل اللجان الشعبية خلافاً للمقاتلين البسطاء من غير المنتمين للهاشميين.