يُبرِّئون 2011 من عواقبها السيئة.. ولو جاءت عواقبها جيدة سيقولون: الفضل للثورة!

السياسية - Saturday 09 February 2019 الساعة 05:50 pm
نيوزيمن، كتب/ حكيم الجبلي:

بدلاً من عبث الملاسنات الموسمية حول فشل أو نجاح ثورة 2011، لدينا بلوى ومصيبة أعمق وأخطر وأشمل، هي ما يستوجب البحث والتفسير والقلق بشأنها: تحطيم مقومات وركائز الدولة الوطنية اليمنية التي كانت تشكل الإطار الجامع أو الفضاء والصرح الذي بدونه لا يعود منطقياً الحديث عن ثورة أو ثورة مضادة.

أما انتفاضة 2011، فهي لم تنجح ولم تفشل. كل من يتحدث عن نجاح أو فشل سيكون في مواجهة السؤال التالي: ما هو النجاح وما هو الفشل؟

ولا يُقال، في العادة، إن ثورةً ما قد فشلت، إلا إذا تمكن النظام الذي أرادت الثورة إسقاطه من إخماد الثورة والتغلب عليها والعودة إلى موقعه السابق أو إعادة إنتاج نفسه مع بعض التحديثات.

وهذا ما لا يمكن أن يقال أبداً بخصوص الحالة اليمنية. فالفشل بل الزوال المروِّع كان من نصيب الثورة والثورة المضادة على حدٍّ سواء.

حسناً، لنفترض أن أحوال اليمن الراهنة جيدة ومزدهرة وتبعث على السرور. هل كان الفضل سيُنسب إلى ثورة 2011؟ بالتأكيد، ولن يستطيع أحد المجادلة في ذلك، إلّا إذا كان بعيراً أغلف القلب.

وماذا لو كانت أحوال اليمن الراهنة كابوسية ومحزنة وكالحة السواد؟ سيكون من المنطقي تحميل ثورة 2011 المسؤولية. ولا أحد بمقدوره أن يجادل في ذلك، إلّا إذا كان ثوراً نافراً وبليداً.

لقد انتهى كل شيء إلى مستنقع عديم الشكل والوجهة. ولو جاز لي أن أتحدث بلسان شخص من ثوار 2011 لكانت أمنيتي: ليت الثورة فشلت، واستعاد النظام السيطرة على زمام الأمور في البلاد.. النظام بكل مساوئه ومثالبه التي حركتني للخروج عليه!

ولو جاز لي أن أتحدث بلسان شخص من أنصار النظام في 2011 لكانت أمنيتي: ليت الثورة نجحت وسيطرت على البلد وحافظت على كيانه ووجوده!

بالمفهوم الثوري، إذا ما أردنا النظر إلى الأحداث من هذا المنظور، فنحن في اليمن كنا، ولا نزال، بصدد شبكة واسعة ومعقدة من الثورات والثورات المضادة، وكل ثورة هي ثورة وثورة مضادة في نفس الوقت، حالة من الغليان الشامل ناتجة عن عنقود من الثورات الصغيرة المتداخلة والمنفصلة والمتعارضة، التوحيدية والتفكيكية، الماضوية والحداثية في آن.

فالجميع قد برز ثائراً ضد الجميع. وبهذا المعنى لن يكون هنالك من فرق في الاتصاف بصفة الثورية بين أنصار صالح وحزبه، وبين القوى الأخرى الصاعدة من بعده باسم الثورة والمتناحرة الآن على امتداد الأراضي اليمنية.

على أن "الثورة" ليست إشارة إيجابية دائماً وفي كل ظرف وكل زمان ومكان وأياً تكن المصائر والمضامين والقوى الدافعة. ليست حكماً قطعياً بالفضيلة الوطنية والتفوق الأخلاقي والحضاري لمجرد حدوثها. وقد أربكت ثورة الخميني الباحثين والمنظّرين الاجتماعيين باعتبارها مفارقة للنماذج الثورية التقليدية والمعيارية من حيث طبيعتها الأصولية وزعامتها الدينية.

يعتقد صموئيل هنتنجتون بأن "المجتع العاجز فعلاً ليس المجتمع الذي تهدده الثورة، بل المجتمع غير المؤهل لها.
في الأوضاع العادية يتفانى الشخص "المحافظ" في سبيل الاستقرار واستمرارية النظام، فيما يهدد الثوري "الراديكالي" هذين المظهرين بالتغيير المفاجئ والعنيف".

ويتابع متسائلا: "لكن ما معنى مفهومي "المحافظة" و"الراديكالية" في مجتمع تسوده بلبلة كاملة، حيث يجب إيجاد النظام من خلال الفعل الإيجابي للإرادة السياسية؟
في مجتمع كهذا من هو الراديكالي؟ ومن هو المحافظ؟ أليس المحافظ الوحيد الفعلي هو الثوري؟". (لأنه يقاوم أي إمكانية للانتقال من الوضع القائم الذي يتسم بالبلبلة والفوضى إلى وضع آخر يسوده النظام والاستقرار).

لماذا لا نبحث عن منظورات وأدوات تفسير ومناهج تحليل جديدة أو، على الأقل، ملائمة بحيث نحصل على أجوبة تقترب من حقيقة كل التعقيدات والملابسات المحيطة بالمسألة اليمنية. 
بأي معنى تستخدم كلمة "ثورة"؟ 
لا بأس لو كان الاستخدام بغرض وصفي للحدث كحدث، نظراً لأن الانهيارات والاضطرابات الاجتماعية والحروب تنطوي على سمات ثورية لها سابقة في فترات من تاريخ العالم. بهذا المعنى الواسع الخميني قائد ثورة، والملا محمد عمر ثائر، والحوثي ثائر، والبغدادي ثائر، ومحمد بديع ثائر...الخ الخ.

لكن ما ليس مقبولاً هو أن يتم استخدام مصطلح "الثورة" كحكم أخلاقي قاطع وقيمة عليا ليست واضحة ومحسومة إلا بصورة نظرية في رأس من يستخدمه وفي رؤوس المتأثرين بما يقول.

البردوني في كتابه "الثقافة والثورة في اليمن" لم ينف صفة الثورية والجمهورية حتى عن القبائل التي قاتلت مع الملكيين:
"الشعب الذي قاتل مع ثورة (26 سبتمبر) وضدها كان ثورياً بطبيعته، فلم تكن القبائل الملكية ملكية كما وصفوها ولكن كانت تريد جمهورية عادلة".

وفي كتاب "اليمن الجمهوري" للبردوني أيضاً تعليق على استخدام الشماحي لكلمة "ثورة" في وصفه لحركة التمرد على الإمام يحيى التي قادها شيبان والأحمر عام 1919: "قد ينطبق عليها اسم ثورة بالمدلول اللغوي، لأن الثورة لغوياً كل حركة من سكون كثارت الأمواج وثارت الرياح. أما الثورة بالمفهوم السياسي فإنها تتبنى بديلاً مغايراً كلياً عن القائم المرفوض".

وفي موضع آخر من كتاب "الثقافة والثورة" يقول البردوني: "إن السجن أو الفرار أو التجميد قد يصلح مقياساً ثورياً على البعض، ولكنه لا ينطبق على كل الناس، إذ لا يكون المرء ثائراً بمقياس واحد، وإنما بجملة مقاييس عن جملة مواقف ثابتة متطورة في حدود فن الإمكان".

المعيار الثوري عليه أن ينضبط بالمعيار الوطني، وأن يتحدد بمدى تحقيقه للمصلحة الجمعية، ومقدار الجدوى والنفع الكامن في أي تحرك ثوري.

وهذا ما يؤكد عليه البردوني: "إن الولاء الوطني عن ثقافة واستمرارية في الموقف هو مقياس كل المقاييس".