إيران بعد 40 عاماً من ثورة الخميني: عزلة وغليان داخلي

السياسية - Wednesday 13 February 2019 الساعة 03:17 pm
عدن، نيوزيمن، تقرير خاص:

تحديات مصيرية عدة ومركبة يواجهها نظام ولاية الفقيه في إيران تعد الأخطر وتنذر بقرب انهياره مع إكمال الثورة الخمينية عقدها الرابع، وسط تضاءل الآمال بإمكانية تجاوزها أو التغلب عليها.

طهران التي احتفلت بالذكرى الأربعين للثورة، أمس الاثنين، باتت تعيش في ظل مأزق متعدد الأوجه، سواءً على صعيد السياسة الداخلية التي يهيمن عليها صراع على السلطة، عنوانه خلافة المرشد علي خامنئي، أو على صعيد الوضع الاقتصادي المتداعي تحت وطأة تكاليف المغامرات الإقليمية للنظام والعزلة الدولية التي عززتها العقوبات الأميركية.

وأظهرت معطيات العام الماضي إصرار مرشدها علي خامنئي على تمكين النهج الأيديولوجي للنظام عبر أجهزة الثورة، مقابل تراجع دور أجهزة الدولة.

بينما تحاول السلطات الإيرانية امتصاص غضب الإيرانيين عقب عام ساخن، شهد احتجاجات وإضرابات غير مسبوقة بين فئات المجتمع، نتيجة تفاقم الوضع المعيشي واقتراب العملة من حافة الانهيار خلال 4 أشهر، مع استمرار اضطراب العلاقة مع القوميات المختلفة على خلفية تجاهل النظام وعوده المتتالية بتحسين أوضاعها.

مؤشرات الانهيار:
تشير إحصائية لمركز بحوث البرلمان إلى أن ما بين 45 و60 في المائة من الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، فيما أشار عضو في اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني إلى أن هذه النسبة تقترب من حدود 80 في المائة.

لا يختلف الأمر كثيراً على صعيد المؤشرات الأخرى، فهي بالإجمال تشير إلى «كارثة» حلت على الاقتصاد الإيراني على مدى العقود الأربعة الماضية، فمن نحو 70 ريالاً لكل دولار أميركي، وصلت قيمة الريال اليوم إلى 120 ألف ريال مقابل كل دولار، أما التضخم فقد بلغ 60 في المائة خلال سبتمبر (أيلول) 2018، والمستقبل أسود، وفق كثير من الخبراء الإيرانيين.

وهذه المؤشرات كلها، وفقاً للأرقام الرسمية، بينما تؤكد الأرقام الصادرة عن مراكز علمية عالمية أن معدلاتها الحقيقية تفوق الرسمية بكثير.

إيران والعداء للعرب

يجمع الخبراء والباحثون أن الثقافة والهوية الفارسية تستند في عدائها وكراهيتها للعرب علی دوافع انتقامية منهم لدورهم في القضاء علی حضارتهم الفارسية قبل 1400 عام.

وعلی هذا الأساس أعدت استراتيجيتها للانتقام من العرب ودون انقطاع تُنشر وتُروّج هذه الفكرة العنصرية من زمن حكومة الشاه، وتصاعدت وتيرة بث الفكر العنصري في إيران بعد ثورة 1979 وازداد عليها البُعد الطائفي.

وتعتبر “الثورة الإيرانية”، بداية مرحلة حرب طويلة ضد الأُمة العربية، إذ بعد انتصار الثورة طُرحت استراتيجية “عداء إيران مع إسرائيل” كغطاء يتستر على السياسات العدوانية الإيرانية الحقيقية الموجهة ضد العرب وأطماعهم للهيمنة علی دول الجزيرة والخليج.

وفي بحثه عن خطاب الكراهية الإيراني للعرب، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية الدكتور نبيل العتوم "إيران قد تحوّلت فامبير ”مصاصي دماء" بعد أن حقنت الدولة والثورة شعبها منذ نعومة أظفاره بمصل الكراهية والحقد، وقدسية الثأر من الآخر ”العربي، السامي، السني”، مضيفاً "اليوم، نشهد ما يشبه إعادة إنتاج لثقافة الكراهية بشكلها “المودرن” مع توظيف التاريخ والأدبيات السياسية التي رسختها الثورة الإسلامية بطابعها المقيت".

دوافع إيران

ويمضي العتوم قائلا "من المؤكد أن سياسة كراهية الآخر قد انتقلت –خلال السنوات القليلة الماضية من المناهج والكتب المدرسية الإيرانية– كلياً من إطارها النظري، لتتبناه الدولة والثورة والنخب الإيرانية، وهذا يتضح من خلال حجم المنشور والمتداول على وسائل الإعلام الإيرانية، والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أشكالها، بحيث لم تعد هذه الحالة خاضعة لأي معيار أدبي وأخلاقي وواقعي وعلمي بل وإنساني، بل هي حالة يمكن وصفها بحالة هستيريا تعكس قبح الثورة ”غير الإسلامية” في التعاطي مع كراهية الآخر ”العربي”، وتفتقد لأبسط أدبيات الأخلاق والحوار".

ويستطرد العتوم قائلاً، "من المؤكد أن إيران الثورة التي استنزفت أسباب وجودها بعد زيف شعارات الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، بدأت تبحث عن عدو جديد لتستنزف طاقات شعبها، وتعيد تعبئته بشكل شيطاني مقيت؛ فوجدت ضالتها بالعرب، وليعكس هذا التوجه الحقد الدفين على العرب المسلمين الذين فتحوا بلاد فارس، وليجسد السلوك الإيراني الطامح لبناء مجاله الحيوي على أطلال البلاد العربية وأنقاضها، فلم يجد بُداً من تعبئة شعبه وشحنهم قومياً ومذهبياً لتسهيل مهمة تجنيدهم للقتال خلال مداخل الأزمات العربية؛ لاسيما في العراق وسوريا".

أطماع إيران ومغامراتها الإقليمية

كشف نظام ولاية الفقيه منذ بداية ثورته التي أطاحت بنظام الشاه في العام 1979 عن أطماع توسعية في المنطقة العربية ترتكز علی نهج تصدير الثورة.

وأولت "الثورة" الإيرانية اهتماما خاصا بتغذية بذور الفرقة بين المذاهب الإسلامية، وتوسيع الاصطفاف الطائفي في الصراع السياسي الدائر في المنطقة، ما أسفر عن أجواء مرتبكة سادها التوتر والحذر وسوء الظن، واستبدال بعض العصابات المسلحة والحشود الشعبية ببعض الجيوش العربية، كما فعلت في لبنان والعراق وسورية واليمن.

وفي كتابه (الأطماع الإيرانية في الخليج، دار مدارك للنشر، ط 1 يناير 2017)، يقول الكاتب عبدالله العلمي "إيران هي دولة مارقة تعمد إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، ولها مطامع في كل دول الخليج مجتمعة ومنفردة".

ويؤكد أن إيران دولة تسعى منذ فترة طويلة للتمدد والتوسع عبر استراتيجية الأذرع العسكرية المعلنة الخفية للانقضاض على الأنظمة السياسية في المنطقة.

وقد تورطت إيران تدريجيا بتدخلات إقليمية وخاصة في شؤون لبنان وفلسطين والعراق وسوريا واليمن والبحرين والسعودية عبر دعم لوجيستي وعسكري لجماعات مسلحة وميليشيات مصنفة على قوائم الإرهاب العالمية.

ويرصد العليمي في كتابه تلك التدخلات بقوله "لقد احتل الصفويون جزرا إماراتية، وعبثوا بأمن البحرين، وأداروا خلايا إرهابية في الكويت، وأشعلوا نار الحقد في القطيف، ودعموا نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وحكموا بغداد، و"استأجروا" الأفراد من أفغانستان، وساندوا الانقلابيين الحوثيين في اليمن، واحتلوا بيروت الجنوبية وجنوب لبنان بشكل عام".

ويوضح الكاتب أنه في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تسعى لتأسيس علاقة سوية مع إيران تقوم على احترام السيادة وعدم التدخل والحرص على الاستقرار في المنطقة، على أن تتوقف إيران عن تصدير ثورتها وأن تسعى لكسب جيرانها، لكن إيران سعت وما زالت تسعى لاستعداء جيرانها وبث الفتنة والفرقة في المنطقة، بالتدخل في الشؤون الداخلية للجوار ومحاولات بث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطني الدول الخليجية، والإضرار بأمنها واستقرارها ومصالح مواطنيها، وإيواء الهاربين من العدالة، وفتح المعسكرات لتدريب المجموعات الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات لتنفيذ عمليات إرهابية داخل دول الخليج كما حدث أخيرا في مملكة البحرين، وعبر دعم التخريب والإرهاب والتحريض على العنف، بالتصريحات التي تصدر من كبار المسؤولين الإيرانيين.

رد الدول العربية علی التدخلات الإيرانية:

لطالما اشتكت الدول العربية من تجاهل إيران لمبادئ حسن الجوار وسيادة الدول المجاورة، انطلاقا من ذلك وجهت 11 دولة عربية في نوفمبر 2016 رسالة إلى الأمم المتحدة احتجاجا على استمرار سياسات إيران التوسعية في المنطقة.

قد ينقلب السحر على الساحر

الدور الإيراني الإقليمي لا يثير قلقا دوليا فحسب، إنما القلق يتزايد كل يوم بين الإيرانيين وأعربوا عن استيائهم خلال احتجاجات الحركة الخضراء في 2009. كما تنوعت شعارات الغضب في أكبر موجة احتجاجات شعبية في يناير 2018. بحسب الخبراء فإن هذا القلق يضع إيران على حافة اضطرابات عرقية في الداخل وقد تمتد إلى مناطق جوار إيران.

يدرك الإيرانيون أن غضب الرأي العام في دول الجوار يتعمق كل يوم وهو ما يعرض حدود إيران لتحديات.

وأظهر استطلاع رأي أجراه مركز الأبحاث الاستراتيجية التابع للرئاسة الإيرانية وشمل 4500 بعد أيام قليلة من تراجع احتجاجات يناير 2018، أن 13 في المائة يعتقدون أن استياء الإيرانيين من دورها الإقليمي وراء الاحتجاجات وفي نفس الاستطلاع قال 74.8 من المشاركين بأنهم مستاؤون من أوضاع البلاد.

في ضوء كل ذلك يتأكد للجميع اليوم أن ثورة العمائم تلفظ انفاسها الأخيرة في إيران بفعل غليان شعبي يتفاقم واحتجاجات شعبية تتسع جراء انهيار الاقتصاد والعملة وتفشي الفقر والبطالة وغياب العدالة والحرية، مقابل زيادة سيطرة الكهنوت الديني وانتهاكاته القمعية بحق أبناء الشعب وإغلاق الأفق السياسي للحل داخليا واشتداد العزلة الدولية خارجيا وجميعها مؤشرات تؤكد أن نهاية هذا النظام الاستبدادي أصبحت قريبة.. وغداً لناظره لقريب.