المخا بعد عامين على تحريرها.. هكذا بدت لمن لم يزُرها من قبل

المخا تهامة - Friday 12 April 2019 الساعة 12:50 pm
المخا، نيوزيمن، فيصل الشارحي:

في صبيحة يوم الأربعاء بَدَا لي جو مدينة المخا على غير العادة، لقد كان غائماً تتخلله زخات من قطرات المطر، إنه جو مغرٍ للقيام بجولة صباحية تكسر رتابة المكوث في مكان إقامتي.. وقد كان لي ذلك.

أخذت الشاب "علي بغيلي"، سائق الدراجة النارية والطالب بالمستوى الثاني تمريض، وتجولنا في أماكن عدة، وشاء لنا أن مررنا بجانب مقصف الشجرة، كما يسميه الأهالي.

كان ذلك عند السابعة صباحاً، وهو موعد يبدو باكراً في مدينة المخا الواقعة على ساحل البحر الأحمر.. لكن ما وجدناه كان شيئاً مختلفاً: رجال بمختلف فئاتهم العمرية يتزاحمون على أخذ مقاعدهم الخشبية في ذلك المقصف لتناول وجبة الإفطار.

لقد كانوا خليطاً من نازحين قدموا من مديريات مدينتي الحديدة وتعز، وجنود وعمال وموظفين خرجوا من منازلهم باكراً وانطلقوا نحو مقاصدهم وأعمالهم الوظيفية.

كل شيء في ذلك المقصف كان مرتفعاً، بدءاً من أصوات العمال إلى الزبائن، في مشهد بدا لي وكأننا في وقت الظهيرة وليس في وقت عادة ما يكون الناس فيه ذي طباع وأمزجة مختلفة.

يقول أحد العمال، ويبدو في 19 من العمر "دون أن يذكر لي اسمه": "لم نشاهد كل هذا العدد من الزبائن في السنوات السابقة.. يبدو أن المخا تحولت إلى قبلة للزائرين والعاطلين ممن يبحثون عن فرص عمل جديدة".

نمو اقتصادي متسارع

منذ قدوم قوات التحالف العربي إلى هذه المدينة بداية 2017 وطردها لمليشيات الحوثي (الذراع الإيرانية في اليمن) منها، تشهد المخا نمواً عمرانياً ونشاطاً تجارياً متسارعاً، فبدءاً من البنايات التي يتم تشييدها إلى المطاعم الجديدة التي يتم افتتاحها، وصولاً إلى المحلات التجارية، جميعها تعبر عن نهضة هذه المدينة ونشاطها الاقتصادي.

فعلى جنبات الشارع العام وضعت أكشاك تجارية صغيرة جنباً إلى جنب.. إنها تبدو كما لو أنها بنيت على عجل وجميعها اعتمدت في تصميم هيكلها العام على أعمدة وألواح خشبية.. إنها أقل المواد امتصاصاً لدرجة الحرارة، كما أنها تجعل الهواء بداخلها أخف وطأة من كونتيرات الحديد، ولهذا السبب يفضلها أغلب الملاك الصغار.

في الواقع، لقد تحول الشارع الرئيس إلى ممر طويل شيدت على جانبيه ومداخله الفرعية بنايات سكنية جديدة ومحلات كدست بداخلها المئات من الملبوسات والأحذية والعطورات والأقمشة النسائية والرجالية ذات المنشأ الواحد "الصين".

يقول مروان الشرعبي، إنه بنى كشكاً تجارياً على عَجَل قبل أربعة أشهر؛ نظراً للحركة التجارية النشطة، مقارنة بالأعوام التي كانت تتواجد فيها مليشيات الحوثي قبل أن يتم طردها من المدينة.

يضيف، إن قدوم التحالف أسهم، بشكل إيجابي، في تغيير النشاط التجاري للمخا، ودفع بالأعمال الإنشائية بقوة نحو الازدهار.

يوضح هذا الشاب البالغ من العمر نحو ثلاثين عاماً، "إن شكل المدينة بدأ يتغير، وسكانها يشهدون ذلك بشكل يومي، وما نراه اليوم بات مختلفاً عما كان عليه الحال قبل ستة أشهر".

ويوافقه الرأي نسيم الوصابي، مالك أحد المحلات التجارية الصغيرة، فهو يعبر عن سعادته للوضع الذي آل إليه حال المدينة، فبعد أن كان الكساد يضرب بعمق وضع المخا الاقتصادي، باتت اليوم مدينة منتعشة.. إنها تتيح لملاك المحلات الحصول على الربح الوفير.

يضيف الوصابي، الذي عمل في السابق كعامل في أحد المحلات قبل أن يفتتح مشروعه الخاص: "إن أفضل الأيام يبيع فيها بنحو 120 ألف ريال وفي أسوأها يبيع بمقدار 25 ألف ريال.

ما يغري التجار الصغار للقدوم إلى هنا وتأسيس مشاريعهم الخاصة هو توفر الأمن، فضلاً عن غياب الجبايات العشوائية، كما أن النشاط التجاري المتصاعد المصحوب بالقوة الشرائية المتزايدة، يدفع بعض الشباب للمغامرة وفتح مشاريعهم الخاصة.

يقول مدير مكتب الأشغال توفيق أحمد مهيوب، إن المخا تعيش حالة انتعاش غير عادية، وقد باتت هذه المدينة مركز الحركة التجارية لمناطق الساحل الغربي من مقبنة شرقاً وحتى الدريهمي شمالاً، بما فيها الخوخة وحيس.

يضيف مهيوب: إن معظم المحلات التجارية التي كانت في الجراحي وحيس، قام ملاكها بإعادة افتتاحها هنا نظراً للاستقرار الأمني الذي تعيشه المديرية والزخم الذي اكتسبته بعد استعادتها.

ومع وجود بعض المخالفات فيما يتعلق بالبناء العشوائي، يحاول مكتب الأشغال الحد منه، في الوقت الذي يسعى فيه للتعاقد مع شركة هندسية تتولى تخطيط بقية المديرية بطريقة عصرية.

لا يمتلك مكتب الأشغال أرقاماً معينة عن عدد المحلات والمباني الجديدة التي تم إنشاؤها بحكم بدء المكتب عمله بشكل رسمي بداية العام 2019، لكن توقعات مديره تشير إلى أن نحو 100 محل جديد ومنازل وبنايات سكنية أنشئت خلال الثلاثة الأشهر الماضية من العام 2019.

أسعار العقار رافق النشاط التجاري

أحدث هذا الزخم ارتفاعاً، أيضاً، في أسعار العقارات، فبعد أن كانت أسعار الأراضي المخصصة للبناء زهيدة يسهل شراؤها.. تضاعفت أسعارها خمس مرات عما كانت عليه في السابق، ورغم ذلك يستمر الطلب عليها مدفوعاً برغبة رجال الأعمال الحصول على بيئة استثمارية آمنة يبدأون فيها تأسيس مشاريعهم الخاصة.

كما ارتفعت إيجارات الشقق السكنية، فالشقة التي كان سعرها 20 ألف ريال، بات مالكها يؤجرها بنحو 130 ألف ريال.

ما سنشهده خلال الأيام القادمة قد يكون مختلفاً لمدينة حظيت بكل هذا القدر من الاهتمام.