فخر العزب يكتب عن: الاستثنائي

السياسية - Wednesday 24 April 2019 الساعة 09:42 pm
تعز، نيوزيمن:

في مسيرة حياة المجتمعات والشعوب يبرز الاستثنائيون كعلامات مضيئة، تحتوي خلاصة تجربة، فيصبح الاستثنائي بمثابة أيقونة خاصة بنجاحات وإبداعات مميزة، تعلق بوجدان وذاكرة العامة والخاصة على حد سواء.

ولا نماري حين نقول إن استثنائي المرحلة في تعز كان الدكتور أمين أحمد محمود، ولعل في إعفائه من منصبه كمحافظ -ليصبح المحافظ السابق- ما يحررني من ظن المحاباة إلى يقين الإنصاف وأنا أكتب عن رجل دولة بات خارج تسيد المشهد -وظيفياً على الأقل- بما يتيح لي أن أقول رأيي فيه بتجرد من أي شبهة، فهو لم يعد محافظاً حتى وإن بقيت أفعاله مؤثرة في حاضر ومستقبل المحافظة.

والواقع أني أكتب الآن متحرراً من ظن المحاباة، لأني أكتب عن مواطن كان يوماً ما هو صاحب القرار الأول، وهو اليوم في صفوف الجماهير يعبر عن مواقفه وقناعاته كأي مواطن عادي في محافظة تكاد تكون المواقف والآراء فيها أكثر من عدد قاطنيها.

ولا أحيد عن الحقيقة في شيء حين أقول إن مفردة ”المحافظ” في الوجدان واللاوعي التعزي -وأحياناً الوعي- لا تزال مرتبطة بالدكتور أمين أحمد محمود، فلا تحضر هذه الكلمة لتلامس أسماع أبناء تعز إلا حضر معها، فهو المسؤول الذي عاش مع أبناء مدينته أتراحهم قبل أفراحهم، وأوجاعهم قبل إنجازاتهم، وآلامهم قبل آمالهم، وهذا ما أهَّله خلال عام واحد ليبني له عرشاً في قلب كل تعزي.

جاء الدكتور إلى رأس السلطة في محافظة تعز في مرحلة هي أكثر المراحل صعوبة، نتيجة التحديات الداخلية والخارجية لمحافظة تناضل من أجل استعادة الدولة عبر استعادة المؤسسات وتفعيلها، وتقاوم الانقلابيين الذين يشنون عليها حرباً تستهدف الأرض والإنسان منذ أعوام.
فتعز محافظة محاصرة وبلا مقومات دولة، فلا خدمات عامة ولا أمن ولا مؤسسات إلا إذا استثنينا وجود هامش دولة يريد أن يقوم بعد أن انقض وانهد بشكل كامل في سبتمبر 2014 بفعل انقلاب الحوثيين على الدولة.

لكن الدكتور كان يستند على مقومات النجاح رغم كل التحديات، فرجل المرحلة جاء مستنداً على خبرة إدارية وعلمية وعملية انتهل مداركها ومعارفها من مناهل شتى حول العالم الذي يتقن أربعاً من لغاته العالمية، كما أنه بالإضافة إلى ذلك مثقف موسوعي وقارئ نهم تمتد ساعات قراءته اليومية إلى عدة ساعات، فهو يقرأ في الإدارة والسياسة والثقافة والعلوم وفي مختلف المجالات.
كما أنه يستند إلى انتماء متجذر في هوية هذه الأرض وأبنائها وأماكنها وتاريخها، وهو متسلح بصلابة الموقف وشجاعة القرار، ومتحرر من ضيق الانتماءات سواءً الحزبية أو المناطقية، وهذا ما أعطاه إمكانية توسيع مجال تحركاته، فهو قريب من الجميع حين يتعلق الأمر بتعز الأرض والإنسان.

ولا أدل على صدق الانتماء لتعز من حالة المفارقة العجيبة التي سطرها الدكتور فعلاً وقولاً، ففي حين يتسابق المسؤولون في الشرعية على فنادق العواصم العربية تهرباً من تحمل المسؤولية وبحثاً عن المرقد الآمن واللقمة الهانئة، كان الدكتور -وهو رجل الأعمال المعروف- يترك كندا ونعيمها ليعود إلى قلب مدينته عائشاً مع أبنائها أحزانها ومآسيها في أحلك الظروف، فكان نعم الابن البار والمسؤول الصادق مع نفسه ومع شعبه.

خلال توليه منصبه جعل الإنسان في أولى أولوياته، ولأنه لا حرية لجائع فقد بدأ بتحرير الإنسان من تحرير رواتبه التي كانت متوقفه لسنوات وأشهر، وانطلق بعد ذلك إلى الجوانب الإدارية والخدمية الأخرى.

على أن أهم إنجازات الدكتور تمثلت بإعداد الرؤية الخاصة بتعز خلال المرحلة القادمة والتي تضمنت عدداً من المطالب التي قدمها إلى رئيس الجمهورية، وهي رؤية قائمة على المنهج العلمي في تشخيص الواقع ودراسة عوامل وإمكانيات النجاح والفشل، ومن ثم تقديم الحلول الممكنة بحيث لا تتجاوز الواقع ولا تقفز عليه.

فهو يرى أن أي حلول للانتقال بتعز إلى مرحلة التعافي ومن ثم النهوض لابد أن تبدأ بعملية إصلاحات حقيقية للمؤسستين، العسكرية والأمنية، اللتين تعانيان من مخاطر التكتلات المناطقية والجهوية، والتي لا يمكن إنجاز أي تقدم في أي مجال دون تثبيت الأمن والاستقرار وبناء الجيش الوطني على أسس سليمة تمكنه من القيام بمهامه في استكمال مهمة التحرير.

كان الدكتور بقدر المسؤولية في مواجهة أعداء تعز سواءً ممن يريدون إحراقها بما فيها وهم الانقلابيون، أو في مواجهة من يتعاملون مع تعز كورقة لتحقيق مصالح الجماعة حيثما كانت هذه المصالح وهم الانتهازيون من أبناء جلدتنا الذين تاجروا بكل قضايا تعز بهدف التخلص من الدكتور لتبقى تعز رهينة الرجل الضعيف ورهينة الفوضى، وحين عجزوا في كل محاولاتهم استعانوا بعدو تعز التاريخي الذي أصاب تعز في مقتل بطباخة قرار الإقالة الذي كتب على عجل في ليلة مظلمة فاحت فيها ريح الخيانة، لن أقول ملء القصر الجمهوري ولكن -واأسفاه- ملء غرف الفنادق في الرياض!!

أقيل الدكتور من منصبه لكنه ارتقى مرتقاً صعباً في قلوب البسطاء لن يسقط منه أبداً، أقيل الدكتور فلم يكسب أعداؤه شيئاً سوى لحظات تلذذ وهم ينظرون تعز وقد انطفأ فيها سراج الدار وضوء المدينة، وليتهم يدركون أن وهج الأمل ما زال يشع في قلب كل تعزي بأن القادم أجمل ما دامت الفكرة.. ما دامت الثورة.

* الصورة للدكتور مصافحاً الحاج مهيوب غالب في أطراف قريتي "ذي عنقب" خلال زيارته إلى مديرية مشرعة وحدنان