عاشق صنعاء تيم ماكنتوش.. يكتب عن "ثلاثون قرناً من تاريخ العرب"

السياسية - Wednesday 15 May 2019 الساعة 03:36 pm
القاهرة، نيوزيمن:

في العام 1981م حل البريطاني (تيم ماكنتوش سميث) ضيفاً على صنعاء، ليختارها من بين كل مدن الدنيا مكاناً للعيش والانطلاق، وفيها بدأ يلتقط المفردات الشعبية الجميلة، حيث يقول إن أول كلمة لفتت نظره "الزبج" أي المزاح و"دفرة واحدة" أي دفعة واحدة، ثم توالت الكلمات التي شدته وكانت مدخلاً إلى الاستقرار في المدينة.

بدأت أحداث الربيع العربي ثم تلاه اجتياح العاصمة صنعاء، من قبل مليشيا الانقلاب الحوثي، والباحث لم يتزحزح، لقد أصبح واحداً من أبناء المدينة، ومن سكان المدينة القديمة المخلصين والأوفياء.

أجاد اللهجة الصنعانية بطلاقة وكأنه من مواليد باب السباح أو سوق الملح، لبس الثوب وتأزر بالجنبية، وأتقن العربية لغة الضاد أكثر من أهلها.

القمرية صنعة سبئية

أثبت من خلال دراسة علمية حملت عنوان "مباني صنعاء وموادها وثيقة من القرن الثامن عشر الميلادي"، أن استخدام الرخام الشفاف كمادة تسمح بنفوذ ضوء الشمس إلى داخل المباني، ترجع لعصر ملوك سبأ، مستدلاً بقصر غمدان، وليس كما أورد البعض أنها وليدة الاحتلال العثماني، أي أن استخدام القمريات عمره 4 آلاف عام، وهذا ما أشار إليه كتاب "شيخ الليل" الذي تحدث عن أسواق صنعاء ورؤساء المهن "العُقال"، لباحثين فرنسيين.

اتهمه الباحث اليمني مسعود عمشوش، بأنه قدم صورة سلبية عن مدن الجنوب عموماً، وعدن وحضرموت خصوصاً، بعد أن أصدر كتابه الشهير عن اليمن "اليمن: رحلات المتيم المهووس في بلاد القاموس" عام 1997م.

من أفضل كتاب الرحلات

ثلاثون عاماً في صنعاء وتزيد قليلاً، يعني أنك أمام باحث يدرك تماماً ما يريد، علاقة متينة بمدينة عتيقة؛ جعلت منه أحد أفضل 12 كاتباً عن السفر والرحلات خلال المائة عام، بحسب "نيوز ويك"، أو كما يحب أن يصف نفسه "باحث ما بعد الاستشراق"، وهو الباحث في اللغة العربية، المتعمق في شعر العرب ونثرهم والحافظ للكثير منه بصورة مدهشة.

3000 سنة من التاريخ

في كتابه الجديد《العرب ثلاثة آلاف سنة من الشعوب والقبائل والإمبراطوريات》والذي يقع في أكثر من 600 صفحة، الصادر عن مطبعة جامعة "ييل" الأمريكية، يطرق الباحث أبواباً صدئة، كإسهام العرب في الحضارة الإنسانية شرقا وغربا، كما قسم الكتاب إلى عناوين فرعية، تحمل الكثير من الرسائل والدلالات والتأويلات، كما أوردها الدكتور ماهر شفيق فريد "الانبثاق 900 ق.م_600م"، "الثورة 600_630"، "الغلبة 630_900"، "الاضمحلال 900_1350"، "الخسوف 1350_1800"، ثم يأتي بعد ذلك "إعادة الانبثاق 1800_الان".

وهكذا الكثير من العناوين التي تنم عن باحث دقيق، أجاد اختيار العناوين لمراحل التاريخ التي شهدت العديد من التحولات الرهيبة.

من السبئيين إلى آل سعود

عن كتاب "العرب: 3000 عام من تاريخ الشعوب والقبائل والإمبراطوريات" كتب (إيان بلاك) في صحيفة الغارديان البريطانية، ونقلها إلى العربية إبراهيم عبد الله العلو. يقول:
"تتراءى خارج نافذة منزل تيم ماكنتوش سميث في صنعاء العاصمة اليمنية، بقايا نطاق طويل من التاريخ العربي؛ مقاتلون أطفال يبكون شهداءهم في الحرب المستعرة في البلاد، وصليات الصواريخ، والاقتتال الطائفي، والشعارات التنويمية، ومسجد يعود تاريخه إلى القرن السابع، وارتقاء الإسلام في شبه الجزيرة العربية".

يواصل بلاك تقديمه لكتاب ماكنتوش فيضيف: "يبدو المشهد غنياً ومبهماً ومحفزاً على التفكير، على مدى ثلاثة آلاف عام، حضرت سلالات وغابت أخرى؛ من السبئيين والحميريين إلى الأمويين، من دمشق والعباسيين من بغداد، ثم جاءت أسرة آل سعود!

الكتاب استعرض تاريخ العالم العربي منذ أول نقش آشوري يرجع إلى عام 853 ق.م، مرورا بالامبراطورية الآشورية والرومانية والفارسية والأمريكية.

أهم المراجع التي اعتمدها

اتكأ الباحث بشكل لافت، بحسب ماهر فريد، إلى أهم أعمال الباحثين والمؤرخين، مثل عبد الرحمن بن خلدون وابن خلكان وابن بطوطة والمسعودي ويقوت الحموي وابن جبير والادريسي، وكتاب البير حوراني "تاريخ الشعوب العربية" وكتاب أدونيس "الثابت والمتحول". وتعتبر هذه من أهم الأبحاث والمؤلفات، التي حددها ماكنتوش كمرجع لإشباع أبحاثه.

تعلق لا نهاية له

ويعتبر تيم ماكنتوش (17 يوليو 1961)، مستعربا وكاتبا ورحالة بريطانيا مقيما باليمن فاز بعدة جوائز لكتابته، وقدم عدة أفلام وثائقية لشبكة بي بي، تلقى سميث تعليمه في كلية كليفتون، مدرسة داخلية المستقلة للبنين في ضاحية كليفتون في مدينة بريستول في جنوب غرب انجلترا، بين السنوات 1971-1978 وحصل على بعثة دراسية لجامعة أكسفورد.

يعيش سميث في منزل قديم بصنعاء القديمة ويحمل شغفاً وتعلقاً شديداً باليمن وتاريخها وتاريخ مدينة صنعاء، يصف القات ب"النبتة السحرية".

الجدير بالذكر أن للباحث مئات المقالات عن اليمن وصنعاء تحديداً، كما أنه زار كل محافظات الجمهورية دون استثناء، مَثّل اليمن في أكثر من محفل دولي، وأشاد ببعض مناطق اليمن التي زار بعضها سيراً على الأقدام، كمحافظة ريمة وجزيرة سقطرى، والمحويت ووادي سردد وتهامة.

تعرف إلى مدينة صنعاء وأبوابها السبعة، وأسواقها الملهمة، مثل سوق الزبيب، وسوق الحَب والخردوات والمِحدادة وسوق الخزف، وارتبط بها ارتباطاً وثيقاً.

اليوم لا ندري هل ما زال يسكن صنعاء أم غادرها من بعد 2015م، لكن المؤكد أن هذه المدينة صارت له الوحي الذي يصر على ملازمته بقية العمر، كما أن روح الباحث تأبى أن تغادر مكانا تعرض لابشع تحول في تاريخ العصر الحديث دون أن يكتب عنه، طيران من السماء، ومليشيا من الأرض أتت على الأخضر واليابس.