عبدالستار سيف الشميري
عن مسارات ومسودات الحل وجلسة مجلس الأمن
في جلسة مجلس الأمن الإثنين الماضي، حول اليمن تم الحديث عن مسارات متعددة لإيجاد حل توافقي.
وأجمع الفرقاء الدوليون على تمديد الهدنة في اليمن التي ستنتهي في الثاني من أكتوبر ومنحها وسام الاستمرارية والبحث في إمكانيات مسار الحل السياسي وإرساء السلام المستدام من خلال ما إسمي بالمسارات المتعددة وهي عبارة فضفاضة تشير إلى بعض الخيارات والبدائل الممكنة لصياغة مسودة حل وربما أكثر من مسودة وأكثر من خيار للوصول إلى مسودة تكون هي الوثيقة النهائية لحل سياسي ومصالحة وطنية.
وغالبا هذه المسارات والمسودات شبه جاهزة منذ سنتين، لكنها خاضعة للتعديل والترقيع والإضافة والحذف وفق معطيات الإقليم والصراع الدولي ومحادثات "فيينا" في ملف إيران النووي وسوق الطاقة وغير ذلك.
وتأتي الوقائع على الأرض في اليمن أحد محددات هذه المسارات ولتكلك المسودات التي كثر الحديث والتسريب عنها، لكنها لم تجد طريقا سهلا إلى التنفيذ.
الجديد في جلسة مجلس الأمن وإحاطة المبعوث أنها واضحة تماما أنها ذاهبة إلى منح "الحوثي" بعض الهدايا التحفيزية الاقتصادية القادمة، منها زيادة عدد السفن المحملة بالنفط، وتوسيع عدد الرحلات من مطار صنعاء وإضافة وجهات سفر متعددة جديدة وغير ذلك مما لم يعلن عنه لكن يتم بحثه من وراء حجاب.
إحاطة المبعوث الأممي كانت جملا إنشائية مكرورة مع اعتراف بفشله في فتح معابر تعز مع وعود وتفاؤل في الوصول إلى مسار السلام.
باختصار.. كانت مزيجا من المراوغة الذكية وتثبيت الهدنة من أجل عدم الشوشرة على الطرق البحرية لسوق الطاقة في هذه اللحظة الحرجة.
ما هي مسارات ومبادرات الحل؟
تتمحور المسارات والمبادرات المقدمة لحل الأزمة ووقف حرب اليمن، في ثلاثة مسارات، وبتعبير أدق في ثلاثة اتجاهات أو محاولات:-
المسار الأول:
وهو الأقدم لكنه يوشك على الزوال ويرتكز على قواعد مؤسسة هامة، أبرزها قرار مجلس الأمن 2216. ومخرجات الحوار الوطني كمرجعية شبه جامعة، والمبادرة الخليجية واتفاق الرياض.
كل ما سبق كان مهادا أساسيا لهذا المسار وحتى الوقت القريب كانت تتمسك به معظم مكونات الشرعية وتتبناه "رسميًا" المملكة العربية السعودية، وهو ما أكد عليه بيان مؤتمر الرياض.
ويتضمن هذا المسار وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين وانسحاب الحوثيّين وقواتهم من المدن وتسليم السلاح أو الثقيل منه للسلطة الشرعية، التي يتم التوافق عليها، وبحث طرق تنفيذ قرارات الأمم المتحددة المتعلقة باليمن.
لكن هذا المسار بدأ في الضمور شيئا فشيئا، مع إخفاق العمل العسكري للشرعية في مأرب وتعز وذهب هذا المسار لصالح خيارات أخرى ولن يستعيد عافيته إلا بعمل عسكري نوعي في مأرب نحو صنعاء أو الحديدة.
وما لم يتم ذلك فإن هذا المسار في حالة موت سريري أو هو كذلك حاليا وسيتم دفنه بتقادم الأيام وتعاظم الوقائع الحوثية على الأرض بمباركة أممية ودعم إيراني نوعي له رؤية واضحة وعمل مستميت ودعم لا محدود.
المسار الثاني:
يتمثل في وقف عمليات التحالف العربي وفتح المعابر الجوية والبحرية والبرية في اليمن ووقف القتال من جانب جميع الأطراف وإعادة الحياة إلى طبيعتها في اليمن.
وتمخض لهذا المسار مجلس رئاسي توافقي سبقته حكومة المناصفة تمهيدا لعبور مرحلة ثالثة بمشاركة الحوثيين وهذا المسار صعب ويبدو طويلا ومستحيلا.
المسار الثالث:
وهو الممكن حاليا وهو مسار التجميد عبر طريق الهدن وهو مسار اللاحرب واللاسلم، لكنه الممكن السهل الذي يحتاجه الآن الجميع.
فالأمم المتحدة ومبعوثها تراه نجاحا واختراقا وتمهيدا لعملية سلام قادمة، والحوثي يراه فرصة لانتزاع مكاسب دون مقابل وإعادة التعبئة وترتيب الصفوف، والشرعية تراه فرصة لأخذ والتقاط الأنفاس وترتيب دواليب الشرعية والمجلس الرئاسي الجديد الغائب الرؤية حتى الآن ويرى أنه بحاجة إلى فترة هدوء كي يبدأ خارطة طريقه.
ومن الواضح أن المسارات الثلاثة يفترق كل واحد منها عن الآخر منذ نقطة البداية.
وأن كل مقترحات السلام الشامل حتى الآن عبارة عن مبادرات ملغومة تقدمت بها الولايات المتحدة أو بريطانيا أو مسقط وفق ما تريد ويحقق لها أفقا وتبادل منافع مع إيران.
اليوم أكثر من الأمس بات واضحا أن طريق المصالحة الوطنية والسلام ليس بالسهل ولن يكون قريبا ذلك أن المليشيات الحوثية أقرب إلى العدمية السياسية والإيمان بالحرب لتحقيق الطموح الإيراني الطامح الجامح وكذلك تحقيق طموحها السلالي الخاص.
وأن الرهان على المجتمع الدولي خاسر فهو عادة ما يضع وقائع الأرض نصب اعتباره والحوثي لا يشكل للغرب خطورة مؤكدة على الأقل من وجهة نظرهم، أنه لا يهدد الغرب مباشرة، حتى مع تهديده الصريح في شعاره الموت لأمريكا.
خلاصة القول:
هناك ثلاثة مسارات للقضية اليمنية اثنان منها لم يكتب لهما النجاح.
لذلك تفتقت ذهنية المبعوث الأممي الجديد عن مسار جديد ثالث هو مسار الهدن الممدة، وهي حالة ترحيل للحرب وتثبيت الأمر الواقع وتأسيس لمناطق حكم ذاتي.
وتم تسويق هذا المسار بغطاء إنساني وجمل حقوقية وإنسانية بالغة التأثير، لا يحتاجها الشعب اليمني فهي جمل محنطة محفوظة باردة لا تقول شيئاً جديداً أو نافعا، من شاكلة “لا بد من معالجة الأزمة من منطلق المسؤولية الوطنية" وعن طريق الحوار، "والسلام هو الخيار الوحيد" لكن لم يعد في الوقت متسع لكل هذه الهرطقة ربما.
ولذلك يجب على الشرعية البحث عن خياراتها الخاصة في الوقت الذي تتعاطى فيه مع خيارات المبعوث الأممي وأمريكا ومجلس الأمن والدول الراعية.
ولعل أهم خيارات الشرعية تكمن في ثلاث نقاط أساسية ممكنة هي:
أولا:
ميناء المخا بديلا للحديدة وتأهيله كي يتم فطم الحوثي ودفع الرواتب من الإيرادات وذلك ليس مستحيلا إذا توفر الدعم والإرادة والقرار.
ثانيا: التلويح بالانسحاب من "ستوكهولم" لأنه سقط واقعا بعدم تطبيق بنوده.. والانسحاب فعلا وجعل الحديدة خيارا عسكريا، لأنه أسهل من خيار صنعاء وأهم وسوف يغير كل موازين القوى والتفاوض.
ثالثا:
التوجه لإعداد وحدات جيش نوعية أشبه بالعمالقة أو غير ذلك والاستعداد للحرب إذا كانت الشرعية تريد السلام.
هذه الثلاث النقاط هي خطوط عريضة لما يمكن عمله اليوم وليس غدا وهي مرحلة الممكنات حتى تفتح آفاقا أخرى في المستحيلات، وهي كثيرة.
لكن ذلك الأمر المستحيل لن يطول طالما وهناك خطوات عملية ممكنة تشق طريقها إلى النور.
ولعل الجرس اليوم معلق على رقبة المجلس الرئاسي كي يجترح ما يراه مناسبا في اللحظة الراهنة ويحاول استثمار الأوراق الشعبية والسياسية والعسكرية الممكنة كي يعيد إلى طاولة الحوار ومكاسبها التوازن على أقل تقدير قبل أن تفرض المسودة الدولية على اليمن وتجعل من الوقائع الحالية على الأرض منطلقا مؤسسا لعصر "الدويلات" التي أنتجتها الحرب تحت مسمى ما قد يكون خادعا وتحت غطاء الواقعية وتوازن القوى.