عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

مات المقالح والقصائد لا تموت

Saturday 03 December 2022 الساعة 02:46 pm

ترجل عن سرج الحياة الجامحة ولم يسقط عند حوافر الخيول.

 ترك بصمته الخاصة ونقش بأزاميل الإخلاص عميقاً في جدار الوجدان..

خطَ شعره على صفحات أسفاره بمداد 

الصدق الإنساني وعشق الدراويش... فارسا للكلمة عاش ثابتا وجسورا مات..

فتح ثغرة في الجدار ومات في وجه الجدار وهو يحاول. 

"سنظل نحفر في الجدار إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار".

نثر المقالح أزاهير الوداع التي يتقطر منها الندى كلمات لا تنسى وتأبى الفراق..

"يا ليتني كنت يوما في مواكبهم

أو ليتني كنت جسرا حينما عبروا"

قال مودعا "لدي حلم" أن أعود إليكم فى موسم الأمطار سطور من زهور واخضرار في ثنايا النص مات وعلى فمه سؤال يبحث عن إجابة.

"يا شَعبَنا المَظلومَ

عَبرَ الدَّهر- 

هل لِلظُّلمِ آخِر؟"

 مات المقالح لكنه سيظل طويلا ذلك الصقر المحلق في سماوات الوطن قيمة وقامة وشامة وهامة، محفوراً في جدران الوجدان يسمع الشعب صوته وبوحه نغما تعزفه أوتار الرضاء في مقامات البيان..

"أنا منْ بلادِ (القاتِ) مأساتي تضجُّ بها الحقَبْ

أنا منْ هناكَ قصيدةٌ تبكي وحرفٌ مغْتَرِبْ

غادرتُ سجنَ الأمسِ ملتحفاً براكينَ الغضبْ

ما زلتُ أغسلُ في مياهِ البحرِ، أشربُ في القِرَبْ

قدمايَ حافيتانِ، عاري الرّأسِ، موصولُ السَّغَبْ

وسفينةُ الصَّحْراءِ طائرتي، وَقَصْري منْ خَشَبْ

إنْ دندنَ (الموّالُ) في الأغوارِ يقتلْني الطربْ

ويشدَّني نايُ الحقولِ أذوبُ إنْ ناحَ القَصَبْ

لكنّني في الحبِّ موصولُ العراقةِ، والنَّسَبْ

(مجنونُ ليلى) في دمي و(جميلُ) مجنونُ اللَّهَبْ".

رحل المقالح في هدوء الظلال وترك شمسا تحرق السجان وتطارد الطغيان وأسفارا عصية على النسيان، رحل وفي نفسه شيء من حزن وبعض حنين.

"يتملَّكُني حزنُ كلِّ اليمانينَ

يفضحُني دمعُهم..

جرحُهم كلماتي

وصوتي استغاثاتُهم.

كلَّما قلتُ: إنَّ هواهم سيقتلُني

ركضَتْ نخلةُ الجوعِ في ليلِ منفايَ

فانتفضَ العمرُ

وارتعشَتْ في الضلوعِ دفوفُ الحنينْ".

مات المقالح.

 والأجساد تفنى عائدة في ذوبانها مع الأديم لكن القصائد تبقى ولا تفنى، تزداد إشراقا ويصنع لها الزمن عمقا جديدا وعبقا خاصا فتغدو معتقة كنبيذ قديم. 

"جئتُ في الكفِ ترابٌ

وعلى العينِ نقوشٌ

من بقايا "سدِّ مأرب"،

كنتُ منفياً وراءَ العصرِ،

أجترُ انخذالاتي..

بلا سيفٍ أحارب".

مات المقالح ولم يهن عليه في خاتمة مشواره الباذخ أن يقهر في جنازة رسمية يتقدمها قاتل

فكان الوداع شعبيا والرثا جماعيا والصلوات عبر الأرواح من كل بقاع الدنيا وتم تلاوة آيات الوداع من مزامير المقالح..

"إلهي، أعوذ بك الآن من شرّ نفسي، ومن شرّ أهلي، ومن شرّ أصحابي الطيبين، ومن شر أعدائي الفقراء إلى الحبّ. من شر ما صنع الشعر، ومن شر ما كتب المادحون، ومن شر ما كتب الحاقدون. أعوذ بك اللهمّ، من أرق في عيون النجوم، ومن قلق في صدور الجبال، ومن خيبة في نفوس الرجال. إلهي، تزيّنت الأرضُ، أنتَ الذي بظلال الندى، بالبحيرات، بالعشب، بالأخضر المتوهّج؛ زيّنتها، وشعشع ضوؤك في الماء؛ فاستيقظت الروح، وارتعشت في الأثير المعارج. أنتَ شكّلتَ باللون هذا الفضاء المديد، وأطلعته.. كيف تنفلق الثمرات".

كان ذلك لحن الضمير الأخير.. 

مات المقالح والقصيدة لا تموت.

السلام والصلوات عليه حيا وميتا.