الإرباك الحاصل في الوسط التعزي، التهافت على فتح الطرقات دون أي تدابير احترازية تضمن ديمومة فك الحصار وخفض الاحتراب، الهجوم - الشرس والمكثف والمنهجي الذي تنخرط فيها قنوات تلفزة، أوساط تجارية، ومؤسسات وشخصيات إعلامية وناشطون وأسماء وهمية - على أي دعوة لضبط ومأسسة فتح الطرقات وفك الحصار.. كل هذا يدعو إلى إعادة التفكير في وضع الجبهة في تعز وعلاقتها بحاضنتها الشعبية.
لا بد من تقييم لهذه الاهتزازات. وما هو دور السلطة المحلية وكيف تركت الحكومة الشرعية تعز في هذا الفراغ المؤسسي؟
ينبغي التذكير بما يلي:
فتح طرقات تعز ورفع الحصار واحد من أهم نقاط اتفاق استوكهولم. أي أنها خطوة تأخرت كثيرا ولها إطار قانوني طالما اندرجت في اتفاق أشرف عليه الأمين العام للأمم المتحدة.
الذهاب إلى إجراءات خارج الاتفاقات يعني التملص من اتفاقات ملزمة لها صيغة قانونية وتبعات حول شرعية وأخلاق الطرف الملتزم.
فلماذا يصر الحوثي على تجنب الالتزام باتفاقات ويلجأ إلى وساطات محلية أخرى- مشكورة على جهدها الذي لا يمكن انكاره-؟
الإجابة الأولية، لأنه سيتمكن من التملص من الالتزام في أية لحظة.
الشيء الثاني هو الدافع الذي بموجبه سيتم فتح الطريق. قال الحوثي انه مكافأة لمدينة تعز على موقفها المشرف تجاه غزة.
وهنا ملاحظتان:
الأولى، تهرب الفاعل من كل جرائمه لمدة عشر سنوات تجاه المدينة وهذا يعني هدر الحقوق وإهدار العدالة.
الثانية، هي التعالي الذي يبديه المجرم تجاه ضحاياه فهو يحدد شروط العقاب وامكانيات الثواب وفق دالته القيمية.
جعل من نفسه المسطرة الأخلاقية التي تقيم الالتزام تجاه قضية فلسطين. يتعامل مع ملايين الناس على انها قاصرة اخلاقيا وقيمياً.
لا يمكن النقاش في ضرورة فتح الطرق وإنهاء عذاب ومأساة الناس. وهذه قضية ليست صالحة للمزايدة.
كما عدم تحرير المدينة لم يكن بيدي ولا بيد الناس في المدينة بعد ان حفظوا شرفهم من التدنيس وضحوا بأموالهم وأرواحهم. انها مسألة اكبر من هذه المزايدات السطحية لمناضلي الصدفة.
لكن المسؤولية الفردية والجماعية تقتضي احتراز ما يجب احترازه لضمان هذه الانفراجة وديمومتها ووضعها في اطارها الطبيعي القائم ليس على مكرمة من الجلاد انما على حق طبيعي للناس دون إسقاط حقوقهم في العدالة من القاتل والقناص والمدمر والمفجر.
لا تهيبني الأصوات العالية التي تريد إسكات أي صوت يفكر أو يتساءل أو يطالب بإجراءات سليمة لا تسحق حقوق الناس ولا تهدر مؤسسات الدولة وحقها في صيانة الأمن وهي أصوات يبدو أنها ليست تعاطفا بريئا مع وضع الناس لأنها نهضت اليوم فجأة بينما دفنت رأسها لسنوات في رمال الخزي تجاه ما يحدث وهي ترى الأطفال يقصفون وهم يتحلقون أمام شاحنة ماء.
بعض الأصوات معذورة فقد نال منها الجلاد واستطاع ترويضها والتحكم بحاجاتها إلى درجة أنها مستعدة من أجل الخلاص من هذا الجحيم أن تشكر الجلاد وتثني عليها وتمحو ما تقدم وما تأخر من جرائمه.
من صفحة الكاتب على إكس