"..التحقيقات التي أجرتها قوات التحالف بقيادة السعودية في جرائم الحرب المزعومة في اليمن تفتقر إلى المصداقية..."
هيومن رايتس ووتش
هكذا سيتم تفنيد ونسف أو- على الأقل- إضعاف الحجية القانونية والتأثير الحقوقي للمعلومات الصادرة عن جهات حكومية وغير حكومية محسوبة على التحالف حول انتهاكات حقوق الإنسان.
قبل شهرين طلبت جهة دولية من ناشطين ومنظمات محلية موافاتها بأي وثائق ومعلومات عن العنف ضد الأطفال. قدمت إحدى الجهات اليمنية حصيلة أكثر من ثلاث سنوات رصد وتوثيق الانتهاكات؛ لم تتعامل الجهة الدولية مع المعلومات والوثائق التي قدمت إليها "لأنها لا تلبي الحد الأدنى من معايير المهنية".
العمل المرفوض أنفق عليه التحالف أموالاً كثيرة دون معايير سوى ضمان التبعية؛ وبذلت فيه جهود كبيرة؛ وتضمن معلومات عن آلاف الضحايا والانتهاكات المنسوبة إلى جماعة "أنصار الله" الحوثيين مع الإشارة إلى الوقائع الشهيرة من قبل التحالف ووصفها ب"أخطاء الطيران؛ قصف جوي خاطئ من طيران التحالف...الخ.
قد تكون الانتهاكات المنسوبة لجماعة الحوثي صحيحة، لكن الانحياز بطريقة مفضوحة مع الداعم كان سبباً كافياً لعدم التعامل معها "..فالقضايا العادلة لا تحتاج إلى انحياز".
في بداية تدخل التحالف انتعشت عشرات المنظمات الجديدة والقديمة في صنعاء وبعض المحافظات الخاضعة للحوثيين. تنفذ عشرات الأنشطة شهرياً؛ كلها تسب التحالف وتصفه بأسوأ العبارات بينما لا تشير إلى الاتهامات ضد الحوثيين بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين في عدن وتعز ومحافظات أخرى. لم يعد لغالبية تلك المنظمات أي ذكر ولم يترتب على أنشطتها شيء فيما يخص الضحايا.
هناك فرق بين تحشيد القبائل والمقاتلين والمفسبكين وبين المنظمات والمؤسسات العاملة في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان يجب معرفته والتعامل معه بجدية ومصداقية.
ترتب على تطبيق المتحاربين لمعيار "التبعية" توقف أو تقليص نشاط عديد منظمات وطنية ذات خبرة ومصداقية وانجازاتها مشهودة، فكان الطريق سالكاً لبروز كيانات تبيع الوهم مقابل تمويل وقتي وإنجازات لا تتعدى جروبات الواتس والفايس وبعض المواقع الإخبارية الموالية للطرف المستفيد.
لذا يبدو التحالف العربي اليوم أكثر انكشافاً، فلا يمر شهر دون أن تنوشه المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية؛ وسيكون مستقبلاً الطرف الأضعف أمام ضرباتها الحالية واللاحقة رغم ترسانته الدبلوماسية والمالية الهائلة.
في المقابل نجد جماعة الحوثي التي لم يعد لديها ما تخسره نجدها الأقوى والأكثر تأثيراً في صانع القرار الدولي، ليس لأنها الأفضل في التعاطي مع المنظمات الحقوقية، ولكن لأن عدداً من المنظمات والناشطين المحسوبين عليها لديهم مساحة من الحرية إنجاز أعمال احترافية ولديهم من الخبرة والعلاقات الدولية الجيدة ما يمكنهم من إنجاز وتقديم تقارير ومعلومات ووثائق وتنفيذ أنشطة خارجية تراعي المنهجيات والمعايير المقبولة لدى الجهات والمؤسسات الدولية.
معيار "معي أو ضدي" كان ولازال المعيار الأساسي لقبول أو رفض أطراف الحرب للمنظمات الحقوقية اليمنية، غير مدركين أن ذلك الفرز هو "الفيروس" الذي سيفتك بمخرجات أي جهود أو أموال تنفق على منظمات لأنها ستكون منحازة. وأن التعامل مع نوافذ معلومات حقوق الإنسان بمعيار "التبعية" تكون نتائجه الفشل وخساراته باهظة، لأن من الاستحالة السيطرة المطلقة على نوافذ المعلومة، ومن الاستحالة إقناع أي عاقل بمصداقية تقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان سكت عن أحد طرفي الحرب وأبرز الآخر.