نحو تسعين في المائة من نقاشاتنا وأحاديثنا اليومية وحتى تفكيرنا الشخصي لا علاقة له بالمستقبل.
غالباً نخوض في مهاترات وتحليلات وجدل سياسي أو ديني مستقبلنا ليس جزءاً منه، وليست له علاقة بتحسين ظروف حياتنا وأمننا حاضراً، وهذه أحد أهم أسباب تخلفنا وبقائنا في قعر التخلف والفقر.
تفكيرنا ماضوي.. ونقاشاتنا إما ماضوية بامتياز أو لا قيمة لها، وهذا ينطبق على كثير من المحسوبين على القوى التقدمية والنخب السياسية والثقافية. فأغلب مجالس القات والمنشورات والدردشات الإلكترونية غارقة في الماضي بكل تفاصيله وسوئه. وحين يطرح أحدهم فكرة مستقبلية جادة في وسائط التواصل الاجتماعي تجد انخفاضاً كبيراً جداً في عدد الإعجابات والتعليقات. وإذا نفس الشخص نشر صورة أو عبارة فارغة ستكتشف حجم الخواء والتخلف الفكري من خلال منسوب التعليقات والإعجابات.
يصل بنا الغرق في الماضي حد التعصب المميت؛ ذات نقاش في جروب واتس آب، دار حول هل كل أحاديث "صحيح البخاري" صحيحة 100% أم أن فيه أحاديث لم يتمكن البخاري من التأكد من صحتها قبل وفاته، ومن حقنا إخضاعها للقرآن الكريم والعقل والمنطق.
المهم أن النقاش أشعل الجروب لدرجة أن كثيراً من الأعضاء أطلقوا نداءات استغاثة بأن هواتفهم علقت من كثرة الرسائل، وبلغ التعصب أن هدد أحدهم "بجز رقبة من طرح السؤال كونه مرتداً حلال الدم، وأنه سيتقرب به إلى الله، ولو كلفه الأمر عشرة ملايين ريال سعودي.
بعد يومين طرح صاحب سؤال البخاري سؤالاً عن المخاطر المترتبة على الانهيار الكبير في منظومة التعليم الأساسي، للأسف لم يلتفت أو يتفاعل أحد.
من النادر جداً أن تجد مقيل قات أو جلسة نسائية أو رجالية أو حوارات الكترونية تتحدث بجدية واهتمام وكثافة عن المستقبل. من قبيل النقاش حول: كيف يتحول الفرد إلى مؤسسة ناجحة؟ كيف يمكن مساعدة المتضررين من الحرب على التعافي الذاتي وتحسين معيشتهم؟ ماذا نريد لكي ننجح في مشروع طموح من الصفر؟ كيف تجاوزت شركة أو دولة كذا مصيراً مدمراً، وانتقلت إلى مصاف الناجحين اقتصادياً؟
أغلب كلامنا إما عن الجنس وتوابعه، أو الخوض في السياسة وتجنحاتها لتمضية الوقت واستعراض القدرة على فهم وتحليل الأحداث، أو نتحدث عن التاريخ الماضي حديث من يتمنى العودة إليه أو استجلابه إلينا متناسياً أنه شخصياً وحتى أسرته لم يعد لديهم القدرة والاستعداد للعيش في القرية.