محمد عزان
التعصب المذهبي يفسد عقول الشباب والمثقفين
يسعى كلٌ منّا لتغيير أشياء كثيرة في حياته طلباً للحصول على أكبر قدر من السعادة.
ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، خصوصاً وأن الإنسان مجبول على طلب المزيد، وأنه يقيم الأشياء بالنظر إلى خصوصيته، ونادراً ما يحاول النفوذ إلى ما وراءها، {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن}.
وهنالك شيء واحد يجعل القليل كافياً ويُثمر السعادة وراحة البال.. هو «الرضا» بما نأخذ ونُعطي.
والرضا ليس أمراً نمنحه لمن نُحب، ولكنه برنامجٌ نحمّله في نظام حياتنا بتأملات فلسفية عميقة، ورياضة روحية منتظمة، ودراسة واسعة لحال الأشياء ومآلها!
ولا شيء يفسد فطرة الشباب ويدمر عقول المثقفين أسوأ من حدة الانتماء إلى جماعة، (مذهباً دينياً كانت أم اتجاها سياسياً)؛ لأنها حينما تتحول عُقدة صنميّة، تجعلهم ينظرون إلى كل شيء من خلالها، فيحبون ويكرهون ويمدحون ويشتمون لأجلها وبأمرها فقط، بصرف النّظر عما يوجب المحبة أو البغضاء من صَلَاح وفساد، فالقيمة في نظرهم ليس لها قيمة إلا بقدر أثرها على الجماعة!
وللأسف أن أولئك العاكفين في معبد الجماعات، لا يدركون أنه لا قيمة لهم (هم) إلا بقدر ما يطبّلون ويزمّرون للجماعة، وأنهم لو عبّروا عن شيء من قناعاتهم الخاصة، لوجدوا أنفسهم في قائمة المنبوذين، ولقالت فيهم الجماعة من السوء ما لم تقل في ألدّ أعدائها!!
فاحمد الله يا صديقي على نعمة التَّخَفُّف من هوس الاصطفافات، وأنك لا تزال تملك ذاتك.
كما أن القيم الإنسانية ترتكز في التعامل مع الغير في عدة مبادئ: العدل مع المخالف، والإحسان إلى عموم الناس، وعطاء الأقربين، والكف عن فاحش القول، ومُنكر الفعل، وطُغيان القادرين!
وهي ما لخصها القرآن بـ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى.
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ، وَالْمُنْكَرِ، وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
فهذا نص القرآن بأمر الله ونهيه، عَمِلَ به مَنْ عَمِل، وأعرض عنه من أعرض، وسواء في ذلك المسلمون وغيرهم، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}، فقال «اللذين أساؤوا واللذين أحسنوا» ولم يخص بذلك ديناً مُعيّناً أو جماعة مخصوصة.
ومن السهل على أيّ منّا أن يمدح نفسه ويستعرض محاسن ما يُحب، أو يذُمّ مخالفيه ويُطْنِب في ذكر مساوئهم، ولكن الصعوبة تكمن في ضبط المشاعر، بحيث لا تتعدى فتطال كل ما له صلة بالقبيح وفاعله؛ كـ«كإنسانيته ودينه ووطنه وأقاربه وتاريخه»، ويتحوّل الخلاف المَوْضعي إلى صراع حضاري يستنفر الجميع، ويُشعل نيراناً تحرق معبد الحياة بأسرها، وليس (فقط) معبد هذا الفريق أو ذاك!!
لقد نبّه الذكر الحكيم على هذا المُنزلق الخطير، فدعا إلى ترشيد الخصومة والابتعاد عن الانفعالات الحادّة، بقوله: {يَا أيها الذين آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ، وَلَا يجْرمَنّكم شَنَآنُ قوم على ألا تعدلوا.. اعْدِلُوا هُوَ أقرب للتقوى}.. فبين أن للعداوة مساحة لا ينبغي أن يتعداها المؤمن، حتى لا ينتهك حق العدو فيما هو له كإنسان، مهما كان الخلاف معه.
* جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك