محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد

تابعنى على

النبي العربي

Monday 06 July 2020 الساعة 09:15 am

هو الفقير اليتيم (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى، فأمَّا اليتيم فلا تقهر، وأمَّا السائل فلا تنهر). 

استطاع أن يوحد القبائل المتنافرة والرئاسات القبلية المتنافسة، والفردية البدوية التي ترى ذاتها بحجم القبيلة فلا تشير إلى ذاتها إلاَّ بضمير الجمع "نحن" ولا تستجيب لشيخ القبيلة إلاَّ من باب التعاون والمضاهاة وداعي النفير لا من باب الانقياد والخضوع...

استطاع أن يدفع القبائل المتنافرة صوب قلب الامبراطوريات، وراثا لها ومتجاوزا جغرفيا وحضاريا وثقافيا في آن...

رجل كهذا عابر للنبوات أو مَجمَع النبوات، والكتاب الذي جاء به لهو حقا الكتاب بألف ولام الاستغراق، الكتاب الجامع.

 والمتجاوز لما سبقه من كتب، الجامع لـ"أحسن القصص" واستقرائها، والجامع للتصورات وفق مسارها التاريخي والجامع لتشريعات السماء بما هي مرآة الأرض ونافذتها العابرة للزمن...

عظيم كهذا صنع أمة واحدة ذات رسالة وكتاب، -يجعل التباكي على ما قبله ارتدادا حضاريا وهذرا عقليا.

اختتام النبوة كان إطلاقا للعقل والتجربة والاستقراء...

وحفظ الكتاب وصلاحيته لكل زمان ومكان هو إطلاق للدلالات خارج أطرها المحدودة والمحددة، بما يؤسس لمجتمع الإنسان ودولة الناس، ويحرر الأرض من كهانة الغيب واللامحسوس...

عظيم كهذا يجعل إحالة عبقريته إلى (س) أو (ص) ممن كان يجالسهم ويثاقفهم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103)) -----خطلا وعِيَّا في الفهم وعجزا وعمى بصر وبصيرة...

إنها الرسالة بلسان عربي مبين، مختلفة عن مشروع الفرس والروم ووارثة لها في آن...

وموقف طبقي جامع للمستضعفين الذين سارعوا لاعتناق الرسالة وتحمل أصناف العذاب والقتل البطيء...

رفض سادة قريش الرسالة لأنها تساوي بين الناس في حضرة الحق... وأرادوها رسالة تعزز نفوذهم وثرواتهم (لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أرادوها رسالة تعبر عن طبقيتهم لا رسالة تحرر الناس من عبودية الناس...

أنَّى لهم أن يخضعوا لرئاسة هذا الفقير اليتيم، الذي كنوه بـ"ابن أبي كبشة" نسبة لأبيه من الرضاعة زوج حليمة السعدية، فسار جهلة العصر على هذا المنوال الطبقي بترديد ببغاوي لهذه الكنية الطبقية، التي هي علامة مضيئة في هذه الرسالة لا سمة انتقاص كما يرددها الطبقيون!

 استلهام للأديان وقراءة ثانية لها بما هي خطاب الإسلام...(إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).

في مجتمع قبائلي بروابطه العصبوية، وداعي النصرة (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، محيط قبائلي لسان حاله ما قاله أحد شعراء الجاهليه:

لايسألون أخاهم حين يندبهم 

في النائبات على ما قال برهانا

وقول آخر:

إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم 

لأية حرب أم بأي مكان

جاءت الرسالة بخطاب: السيئة بالسيئة والحسنة بعشرة أمثالها، ويضاعفها الله لمن يشاء، وادفع بالَّتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.

 ولا تزر وازرة وزر أخرى.. ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا... الخ.

 في محيط كهذا كانت النصرة بأن تمنع أخاك عن الظلم، وكانت المؤاخاة بين الأغيار مدخلا لبناء مجتمع الرسالة والعدل...

في محيط قبائلي لسان حاله:

بغاة ظالمون وما ظلمنا

ولكنا سنبدأ ظالمينا

كان الخطاب المؤسس للأمة: إن الظلم ظلمات يوم القيامة...

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك