عبدالستار سيف الشميري
المجلس السياسي.. الممكنات والتحفظات
لا يزال الوقت مبكراً للحكم على المجلس السياسي الذي أعلنته المقاومة الوطنية في المخا، ولا يزال هناك متسع من الوقت لمخاطبة التحفظات المثارة حوله.
وما نحتاجه هو إدارة نقاشات وقراءات لما صدر عنه بشكل نقدي يتجاوز أي تعاط عاطفي أو نفعي أو ذي طابع كيدي، لا سيما وهناك متغيرات عديدة طرأت على الخارطة السياسية اليمنية، وهذا يتطلب استصحاب أدوات تحليل إضافية ويستوعب أننا لسنا في دولة ناظمة للشأن السياسي والعسكري حتى اللحظة، وأن هناك قوى متصارعة في الميدان لها قوات عسكرية وتوجهات دينية أو طائفية أو مناطقية أو غير ذلك، ومن هذا المنطلق الذي لا يغفل الواقع، يمكن القول إن المجلس السياسي الذي أعلن عنه يمثل بالون اختبار حقيقي لإمكانية أن يتسع الفضاء السياسي لمكونات من واقع الميدان والدفع بدماء جديدة في الساحة السياسية الملبدة بالعديد من الغيوم التي لن تنجلي إلا من خلال قيادة حراك جديد، يهدف الى تأسيس كيانات أكثر تحررا من القيود وأكثر طموحا وحلما، والشباب تحديدا يستهويهم هذا الأمر، لأنهم كفروا بالكثير من الأحزاب التي شاخت قيادتها وتقزمت طموحاتها وقدراتها ايضا، كما أن الكثير من النخبة الصامتة تشجع مثل هكذا فعل لا تكون غاياته الأساسية خوض غمار التسويات التي تنتهي بتقاسم السلطة عن طريق المحاصصة، فتلك غايات تنطوي على تغليب المصالح الفردية وهي ثقافة سياسية متوارثة في التاريخ السياسي اليمني.
ومن المؤكد أن الحالة السياسية الحالية عدمية وذاهبة في نوم كهفي طويل، وليس هناك صقور سياسية أو أحزاب فاعلة لأسباب ليس مجال ذكرها هنا، وإذا كان هذا النوم المغناطيسي للفعل السياسي مؤكدا فإن الأكثر تأكيدا هو وجود حاجة لقوى سياسية جديدة تحت أي مسميات، أكانت مجالس سياسية أو تكتلات مدنية أو غير ذلك، هذه الحاجة تأتي من رغبة الشباب والأغلبية الصامتة بمن يتحدث عنها وعن أوضاعهم وعن رغبتهم بالتغيير وإشراكهم في مناقشة القضايا الوطنية، بصوت عال ومسموع.
إن ضرورة نشوء تيارات سياسية جديدة في هذه المرحلة تستدعيه الضرورة الموضوعية، وكما أنه ضرورة فإنه تحد لمن أعلنوا وسيتحملون تبعاته لأنها ليست سهلة ما لم ترفد بجهود تعني الجمع بين الأمل والعمل ليل نهار لخوض هذا التحدي الذي يفوق ربما التحدي في جبهات القتال في بعض جوانبه، لكن هذا التحدي ليس صعب المنال على هذا المجلس أو غيره، وقد كانت هناك محاولات في تعز لإنشاء تكتل مدني يعبر عنها، وهناك محاولات ماثلة في تهامة أيضا.
وخلاصة القول:
إن المجلس، كما أنه حالة إيجابية وتحد وضرورة موضوعية في لحظة الحرب حتى يتم توحيد الجيش والمقاومة بجيش وطني بعيدا عن العمل السياسي، وحتى يتم ذلك فإن معادلة المقاومة والعمل السياسي ستبقى مهمة صعبة لكنها ممكنة إذا استطاع المجلس عمل الآتي، من وجهة نظري المتواضعة:
أولا: سيكون المجلس السياسي واطروحاته أكثر جاذبية لقطاع كبير في الشارع اليمني إذا ما طرحت بثوب علماني مدني بعيدا عن التجاذبات المناطقية والدينية والطائفية والأسرية والمشاريع المختلفة.
ثانيا: أهمية مد جسور متينة مع النخبة
في كل محافظات الجمهورية وأخذ عدد نوعي منهم جميعا، والشريحة الوسطى تحديدا، صغار التجار والمهندسين وأطباء وإعلاميين وغير ذلك.
ثالثا: الانطلاق من العلاقة الجيدة التي للمجلس والمقاومة الوطنية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي نقطة قوة وإيجابية لمكون سياسي ينطلق من الشمال، ولذا يجب مد جسور مشابهة مع القضية التعزية والتهامية كمعين وساند ومنسق وراع، وليس كحامل محتمل.
رابعا: التنسيق الأنيق مع الأحزاب المدنية والتشاور والتكامل والتطمين، أن المكون ليس خصما من رصيد بعضها أو جميعها، بل توسعة لرقعة العمل السياسي، وكذلك محاولة أخذ دور الصقور في العمل السياسي في ظل تخوف هذه الأحزاب من القيام به ودفع الثمن لأجله.
خامسا: التشبيك مع القيادات المؤثرة التي تعبر عن الأغلبية الصامتة، وكذلك تركيز النشاط في الجامعات اليمنية، حيث مخزون الشباب الذي سيكون هو الطريق الآمن لأي كيان جديد مع عدم إغفال النقطة السابقة، وهي اختيار نخبة من كل محافظة، فالجمع بين شتات النخبة مع طاقات الشباب الجامعي وبعض النقابات هو من سيجعل أي كيان سياسي قادم له قدرة على الأرض، وعدم إغفال الجامعات التي تحت سيطرة الحوثي، مثل جامعة صنعاء وذمار والحديدة واب وغيرها من الجامعات والمعاهد، والشباب قادرون أن يصنعوا هامشا ثقافيا بقالب سياسي، وليس شرطا في المرحلة الحالية أن يكون باسم مجلس معين، المهم أن يتم تنظيم أنشطتهم بصورة ما، توقد الوعي وتشكل لهم ومنهم وعيا جمعيا جامعيا مؤثرا.
سادسا: التركيز والوضوح في الخطاب السياسي والإعلامي على نقطة مهمة، وهي أن بناء جيش وطني متماسك تستعين به البلاد عند اشتداد الأزمات هو أحد الخطوط العريضة لرؤية المجلس، وهو الهدف الذي فشلت الحكومة في إنجازه، وأن هذا المجلس السياسي يسعى لذلك،
ويبحث أيضا عن كل الضمانات لصمود الجوانب السياسية التي لا تضيع التضحيات في الميدان.
سابعا: الإعلام.. إن باب مشاركة الجميع في تشذيب مشروع المجلس لا يزال ممكنا بما أن المجلس لا يزال في طور التأسيس، وذلك يتطلب إدارة نقاشات في جدران غير مغلقة...
وأخيرا:
يبقى أي تحول سلمي مرغوب في البلاد نحو الاستقرار يبدأ مع تشكل الوعي السياسي والعمل وسط الجماهير، بأدوات العمل السياسي، لتحقيق الغايات المستقبلية المنشودة من جيش وطني، ومن سلام واستقرار.
وإلى أن يتحقق ذلك الحلم تبقى معادلة المقاومة والسياسة معادلة وازنة في هذه المرحلة من التاريخ اليمني.