قلنا في المقال السابق، إن الفقهاء المسلمين عقدوا مؤتمراً في ماليزيا، لمناقشة إشكالية الاختلاف في التقويم الإسلامي، مثلاً في التقويم الميلادي- الشمسي، يوم الأحد 20 يونيو2021 هو نفسه في الدنيا كلها، لكن حسب التقويم الهجري- القمري يوم الأحد هو يوم 10 ذي القعدة1442 في السعودية، وهو يوم 9 ذي القعدة في بلد عربي أو إسلامي، هذه هي الإشكالية.
كان المؤتمرون في ماليزيا البحث عن مخرج من مأزق الأهلّة، خاصة مع اختلاف مطالع الهلال، فقد يبدأ الباكستانيون صيام رمضان يوم الأحد، ويصوم العمانيون يوم الاثنين، وربما سبق إلى ذلك المغاربة فصاموا يوم السبت.. وحدث قبل سنوات أن عيّد المغاربة بعد يوم من عيد الأضحى عندنا في الشرق، على الرغم من أن الوقوف بعرفات هو ملتقى كل الدول العربية والإسلامية عند هذا التاريخ، أو يفترض به أن يكون هكذا.. وثمة فارق في التوقيت الزمني بين الدول الموجودة على شمال وجنوب وغرب وشرق ووسط الكرة الأرضية، وفي كل دول العالم يوجد مسلمون، فهل تصبح رؤية الهلال بالعين المجردة شرطا؟ إن مهمة المجتهد أن ينظر في دقائق المشكلات ويبحث عن مخرج يرفع الحرج عن المسلم.
قال فقهاء من دول آسيا إن الذين يعيشون في بلاد العرب -ومعظم مساحتها صحراء، والغيوم نادرة- يرون الهلال بسهولة، إما بالعين المجردة، أو بمنظار، لكن هنا في آسيا السحب والغيوم في السماء معظم أيام السنة، فيصعب علينا الحصول على ضوء الشمس، فما بالكم برؤية هلال رمضان، أو هلال شوال مثلاً.
بدأ القوم يناقشون هذه المسألة، وكادوا يقررون حلاً علمياً، لكنَّ رجلَ دينٍ سلفياً نصوصياً مرموقاً من حَمَلة الفقه البدوي- الصحراوي، قطع عليهم الطريق، حيث ذكر حديثا (نص) مؤداه: نحن أمة أمية، صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم... وبذلك حسم المسألة، ورجع الفقهاء إلى ديارهم خائبين.. لقد تغلب نص منسوب للنبي محمد على علوم الفلك والفيزياء الفلكية، ومراصد النجوم والكواكب التي ترينا حافة الكون، لأن في المسألة (نص).
ومشكلة المرويات والأحاديث المنسوبة للرسول، ما تزال هي هي منذ العصر الوسيط إلى هذه الساعة.. قبل أكثر من ألف ومائتي عام عبر بعض مفكري فرقة المعتزلة عن شكوكهم في صلة الرسول محمد بالأحاديث التي نسبها إليه المحدثون، وأنكروا كل المرويات المتعلقة بعذاب القبر، ورؤية الله، والشفاعة، فوصموا بالكفر، وصنفوا ضمن منكري السنة.. الإمام أبو حنيفة، الذي ينسب إليه المذهب الحنفي، سلم بستة عشر حديثاً فقط، بينما البخاري بن بردزبه كان يقول إنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح، وألف ألف (مليون) حديث غير صحيح، وقد كفرت الشافعية والحنبلية والمالكية الإمام أبا حنيفة لأنه رفض السنة ولم يعتمد منها سوى 16 حديثاً، وما يزال الموقف كما هو إلى اليوم، فقد كفر السلفيون مجموعة من المثقفين الإسلاميين المصريين الذين كشفوا التعارض بين آيات قرآنية وأحاديث منسوبة للرسول، وجرت محاكمة لعدد منهم، واضطر شيخهم الأزهري الدكتور أحمد صبحي منصور وعدد من رفاقه إلى ترك مصر إلى بلاد غربية حفظاً لحياتهم، وهذا صبحي أسس في أميركا مركزاً لخدمة القرآن.. وعندما نشر الشيخ محمد الغزالي كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)، وعرض أحاديث وردت في كتاب الجامع الصحيح للبخاري تتعارض مع القرآن، هاجمه حملة الفقه البدوي وغمزوا في صحة تدينه.. وقبل أسابيع دعا شيخ الأزهر الفقهاء إلى وضع مجموعة من القضايا مواضيع اجتهاد، مثل موقف الإسلام من حقوق الإنسان، ومثل مساواة الذكور والإناث في الميراث، فلم يتفاعل معه أحد.. هذه فتاة تزوجت وعمرها 20 سنة، وبسبب زوج مشاكس نزق أصبحت مطلقة ثلاثاً وعمرها 24 سنة، يريد الزوج العودة إليها وهي تريد ذلك، فقيل لا، لا بد أن ينكحها زوج غيره ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، فإن طلقها يحق لزوجها السابق أن يتزوجها بعقد نكاح جديد.. لم يتقدم إليها زوج، لا بعد الطلاق بعام ولا بعد عشرة أعوام، ولا، وهي الآن في سن الخامسة والأربعين، تريد زوجها الأول وهو يريدها، قالوا الشرع واضح: هي محرمة على زوجها الأول لأنه قد طلقها ثلاثاً، فلا تجوز له إلا إذا تزوجت بآخر، وهذا الآخر طلقها.. حسناً، لم يأت هذا الآخر، فهل من العدل في شيء أن تعيش عزباء وتموت عزباء؟
إننا نشكو من استبداد الحاكم الفلاني، بينما نحن شديدو الخضوع لشخصيات عامة.. مثل موسى الذي مات قبل ألوف السنين، لكنه ما يزال يمارس استبداده فينا وهو في قبره كما قال غوستاف لوبون.. وإذا فكر شيخ أزهري بقضية الإصلاح الديني، نهضت التيارات الأخرى لتقاوم ذلك، حتى إنك ترى داعية الاستنارة يسبق السلفي في هذا المضمار!