تعددت محاولات التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب اليمنية وقدم المبعوثون الامميون مشاريع لم تخرج في جوهرها عن الركون إلى رغبة قيادات الحرب اليمنيين في التوجه نحو مسار سلام مستدام، وفي ذلك شيء كبير من السذاجة والجهل في جذور المشكلة وبقي التركيز في معالجة آثارها.
وفي شهر مارس الماضي أعلن وزير الخارجية السعودي عن مبادرة للسلام وبطبيعة الحال رحب بها الرئيس عبدربه منصور هادي وكان طبيعيا أيضا أن لا تتعامل معها جماعة أنصار الحوثية بإيجابية لأنها ترى أن الرياض طرف في الحرب وليست في وضع يسمح لها بأن تكون وسيطا او مرجعية.
المبادرة السعودية جمعت بين مطالب الحوثيين في إعادة فتح مطار العاصمة صنعاء المغلق منذ شهر أغسطس 2016 امام الرحلات التجارية التي كانت تذهب الى وجهتين خارجيتين هما القاهرة وعَمان بعد توقف قصير في مطار بيشة بالمملكة العربية السعودية للتفتيش.
ونصت المبادرة أيضا على فتح ميناء الحديدة امام استيراد المشتقات النفطية.
ولكن في المقابل طالبت المبادرة من الحوثيين إيقاف هجومهم المستمر منذ أكثر من عام على مدينة مأرب وهو ما رفضته السلطات في صنعاء وكررت ان ملف الحرب منفصل عما أسمته الملفات الإنسانية (أي فتح المطار والميناء).
في الواقع فإن قرار اغلاق مطار صنعاء كان متسرعا ولم تتم دراسته بصورة متأنية ومتعمقة لأنه تسبب في الأذى النفسي والجسدي للمواطنين العاديين ثم وبمرور الوقت أصبح ورقة مساومة تستخدم في النشاط الدعائي داخليا وخارجيا ضد الحكومة والتحالف.
وفي نفس السياق فشلت ادارة ميناء عدن في تعويض النقص عن نشاط ميناء الحديدة الذي كان استخدامه أكثر أهمية تجاريا لقربه من الكتلة السكانية الأكبر التي تقع في نطاقه الجغرافي مع التذكير بان المسافة بين ميناء عدن صنعاء صارت تتجاوز ال 18 ساعة للشاحنات بعد اغلاق مسار عدن- الضالع – صنعاء ومسار عدن – تعز – صنعاء.
نفس النموذج في الفشل يمكن التعرف عليه في إدارة البنك المركزي الذي برهن عن عجز وفشل كبيرين عدا صرف مرتبات لكبار موظفيه هي الأعلى بين اقرانهم في العالم، وجرى نقله من صنعاء الى عدن لأهداف سياسية ومالية لم يتحقق منها شيء عدا عدم القدرة على التحكم في سعر العملة.
لقد أدى استمرار الحرب طويلا الى نشوء أوضاع ميدانية مختلفة كلية عن بداياتها.. كما انها خلقت طبقة مستفيدين صاروا أصحاب نفوذ وقرار في تحديد مسارات المرحلة القادمة.
وفي نفس الوقت ضعف دور الحكومة المعترف بها دوليا ولم يعد مؤثرا في قراري صنع السلام او الاستمرار في الحرب، وهذه هي المعضلة التي تضع الرياض في موقف غاية في الصعوبة لأنها لا ترغب في الظهور كما لو كانت تتحكم في القرار اليمني الرسمي رغم الوهن الشديد الذي تعاني منه الحكومة اليمنية وتكاليف ذلك سياسيا وماليا على الحكومة السعودية.
اليوم قد يكون من السهل سياسيا اتخاد قرار وقف الحرب من طرف التحالف كما فعل عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 1967 وترك الأمر لليمنيين، ولكن الوضع في تلك الفترة كان مختلفا جدا إذ كانت معظم القيادات السياسية والعسكرية متواجدة في الميدان كما أن المواطنين كانوا مؤمنين بالقضية التي يدافعون عنها مع قياداتهم.
وهذا هو الفارق الجوهري الذي سمح للجمهورية بتثبيت انتصاراتها وبالتالي استقرارها كنظام سياسي في اذهان الناس وضمائرهم.
لم يعد خافيا ان المملكة العربية السعودية تريد فورا طي صفحات هذا الملف المزعج، ولكن المعوق الحقيقي هو انه لا يمكنها عقد أي اتفاق نيابة عن الحكومة اليمنية التي في نفس الوقت، ليس لديها من القوة العسكرية او السياسية ما يسمح لها بأن تكون ندا في أي ترتيبات قادمة لان السلام لا يتحقق الا في حالين: اما النصر الواضح او السند الشعبي.. والحكومة غير قادرة على الإمساك بأي منهما.
لقد تسبب الضعف والفساد المستشري وانعدام الكفاءة في كل مؤسسات الحكومة المعترف بها دوليا إلى تعطيل دورها داخليا وخارجيا ورغم كل ما بذلته الرياض جهدا ومالا في الدعم المباشر او عبر المساعدات الإنسانية ومشاريع التعمير الا ان كل ذلك لم يسهم في تحسين الأداء الحكومي ولم تتمكن من الحصول على ثقة الناس.
ثم جاء النزاع على السلطة في المحافظات الجنوبية مع المجلس الانتقالي ليزيد من ارتباك الحكومة رغم الاتفاق الموقع بينهما في 5 نوفمبر 2019 لكنه لم يتحول الى واقع عملي يشعر معه الناس بالتفاؤل.
والواقع أن طرفي اتفاق الرياض اثبتا عجزا منفردين ومجتمعين على إدارة المشهد في عدن بالذات وهو ما يزيد من ارتباك الساحة كاملة في وقت يزداد فيه ضغط الحوثيين على مدينة مأرب التي تمثل جوهرة العرش في شمال اليمن ومصدر النفط والغاز والطاقة الكهربائية، وسيتسبب سقوطها في انتكاسة تنهي أي امل في مباحثات سلام متوازنة وسيجعل الحكومة المعترف بها دوليا في مهب رياح عاتية لن تتمكن من مواجهتها.
لربما كان المخرج هو إنقاذ مأرب من المزيد من الدمار والقصف والدماء عبر التوصل الى اتفاق مماثل لاتفاق ستوكهولم الشهير مع التذكير بأن كل اتفاق وقعت عليه الحكومة انتهى بانتزاع اوراقها المتبقية، فاتفاق السلم والشراكة اخرجها من البلاد، ثم عجزت عن تتفيذ اتفاق ستوكهولم وأخيرا اتفاق الرياض الذي جعلها شريكة مع المجلس الانتقالي لكنها بحسب العادة المتأصلة لم تتمكن من تطبيق أي من بنوده التي تهم البلاد.
إن الصراخ المتكرر من الرئيس وحكومته لمطالبة الإقليم والعالم الضغط على الحوثيين وتنفيذ الاتفاقات الموقعة معه مثير للسخرية لأنها تحسب العالم والاقليم جمعيات خيرية منشغلة بكيفية تنفيذ رغباتها.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك