من حصار إلى شراكة.. اتفاق مياه بين إخوان تعز والحوثيين

السياسية - منذ 5 ساعات و 34 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

في مشهد يعكس مفارقة صارخة بين الخطاب السياسي والممارسات على الأرض، تواصل سلطة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) في مدينة تعز وسط اليمن، تحركات مثيرة للجدل باتجاه ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، تتجاوز كل الأطر الرسمية، وتُبرم اتفاقات "سرية – عملية" بعيدًا عن الحكومة الشرعية، التي يُفترض أن هذه السلطة تمثل أحد أذرعها المحلية.

فعلى الرغم من سنوات من الخطاب المعادي المتبادل، تتوالى المؤشرات على وجود تنسيق خفي وتحالف غير معلن بين الطرفين، بدأ يتجلى في سلسلة من الاتفاقات والترتيبات التي لم تعد خافية على المتابعين. من تبادل الأسرى خارج مظلة اللجنة الوطنية الرسمية، إلى تجميد الجبهات، وصولًا إلى تفاهمات حول فتح الطرقات والمعابر الحيوية التي ظلت مغلقة لسنوات تحت ذرائع مختلفة.

اتفاق مياه جديد

في تطور لافت يعكس طبيعة التحالفات غير المعلنة بين سلطة حزب الإصلاح في تعز وجماعة الحوثي، تم الكشف عن اتفاق مبرم بين مؤسسة المياه والصرف الصحي في تعز، الخاضعة لسيطرة الإخوان، وقيادات حوثية في منطقة الحوبان الواقعة شرقي المدينة، وذلك بهدف توفير المياه للمناطق المحررة من آبار المياه الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين.

وبحسب ما تم تداوله  إن الاتفاق جاء بذريعة التخفيف من أزمة العطش الخانقة التي تضرب سكان المدينة، والتي تفاقمت في الأشهر الأخيرة بشكل غير مسبوق. إلا أن مصادر في السلطة المحلية أشارت إلى أن هذا التحرك ليس إنسانيًا خالصًا، بل سياسي الطابع، ويهدف إلى تقاسم السيطرة على الموارد المائية وتثبيت نوع من الإدارة المشتركة مع الحوثيين، في واحدة من أكثر الملفات حساسية في المحافظة.

ووفقًا للمصادر، فإن مؤسسة المياه التابعة لسلطة الإخوان قامت بتنسيق مباشر مع الحوثيين في الحوبان، وتم الاتفاق على إعادة تشغيل حقول وآبار المياه، وصيانة شبكة الإمداد المتضررة بفعل الحرب، بموجب دعم من منظمات أممية. وجرى تسويق هذه الخطوة خلال اجتماعات سابقة عقدت مع محافظ المحافظة، نبيل شمسان، باعتبارها "ضرورة ملحة" في ظل تمركز مصادر المياه الرئيسية في مناطق خارج سيطرة الحكومة.

من جهتها، أكدت مصادر في السلطات المحلية أن الاتفاق تضمن إعادة تأهيل مشاريع المياه الواقعة في مناطق الحوثيين، مقابل السماح بتزويد مدينة تعز بالمياه من تلك الآبار، التي كانت تغذي المدينة قبل اندلاع الحرب. غير أن هذه الخطوة – بحسب مراقبين – تكشف عن اتجاه سلطات الإخوان لتكريس واقع الانقسام والتعامل مع الحوثيين كسلطة أمر واقع وشريك ميداني، بما يتجاوز الدور الخدمي ويصل إلى مستوى من التنسيق الإداري.

عرقلة مشروع الشيخ زايد

وفي وقتٍ تتذرع فيه قيادات سلطة الإخوان في تعز بالحاجة الإنسانية لتبرير اتفاقها الأخير مع الحوثيين بشأن إمدادات المياه، تكشف المعطيات الميدانية أن ذات الأطراف التي تتجه صوب الحوثيين هي من كانت السبب المباشر في تعطيل مشروع "مياه الشيخ زايد"، وهو مشروع استراتيجي كان من شأنه إنهاء أزمة المياه المتفاقمة في المدينة.

مصادر محلية في مؤسسة المياه كشفت لـ"نيوزيمن" أن قيادات إخوانية بارزة داخل السلطة المحلية ومؤسسة المياه لعبت دورًا محوريًا في إفشال تنفيذ المشروع، رغم توفر التمويل والتصاميم الفنية والبنية التحتية اللازمة، مشيرة إلى أن تلك العراقيل بدأت فور وضع حجر الأساس للمشروع في مارس 2023 من قبل عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد المقاومة الوطنية العميد طارق صالح، وبتمويل سخي من دولة الإمارات العربية المتحدة بلغت قيمته 10 ملايين دولار.

وبحسب المصادر، فإن مشروع الشيخ زايد كان يشمل حفر 10 آبار ارتوازية في منطقة طالوق، وإنشاء شبكة توزيع متكاملة تمتد لمسافة 12 كيلومترًا، وخزانات بسعات مختلفة تصل إلى 5000 متر مكعب، إضافة إلى منظومة طاقة شمسية بقدرة 850 كيلوواط وثلاثة مولدات كهربائية، إلى جانب بنية تحكم وتشغيل حديثة، ما كان سيجعل منه أكبر مشروع مائي في تاريخ محافظة تعز خلال العقود الأخيرة.

ومع أن الأعمال الفعلية بدأت في سبتمبر 2023، إلا أن المشروع واجه عقبات مفتعلة حالت دون استكماله، وتمثل معظمها في اعتراضات إدارية وتضييق على فرق التنفيذ، وتأخير في صرف التراخيص، وافتعال إشكاليات في المواقع المستهدفة بالحفر، وهي عراقيل قالت المصادر إن قيادات إخوانية تقف خلفها بصورة مباشرة، رغم علمهم بأن المشروع سيخفف معاناة عشرات الآلاف من السكان، ويوفر حلًا جذريًا لأزمة المياه.

وأكدت المصادر أن هذه الازدواجية في المواقف من قبل سلطة الإخوان – بين عرقلة مشروع إنساني متكامل، والتحرك نحو الحوثيين لتقاسم مصادر المياه – تكشف عن نوايا سياسية مبيّتة، وتسعى من خلالها تلك القيادات لتأمين نفوذها عبر اتفاقات مشبوهة بدلًا من إنجاز مشاريع خدمية تدار بشفافية تحت إشراف الدولة.

تقارب خفي

ويحذر ناشطون وخبراء من أن التقارب الخفي بين الإخوان والحوثيين لا يخدم مصالح السكان، بل يعيد إنتاج أشكال من التبعية المتبادلة التي قد تُستخدم لاحقًا كورقة ابتزاز سياسي، وسط اتهامات متزايدة لسلطة تعز بتعمد افتعال الأزمات – كأزمة المياه – لاستخدامها كذريعة للتفاوض المباشر مع الحوثيين، خارج إطار الحكومة الشرعية والمؤسسات الرسمية.

وأكد عدد من الناشطين أن أي اتفاق مائي لا يمكن أن يُفهم على أنه بادرة إنسانية، طالما أن الميليشيات نفسها هي من استخدمت المياه والغذاء والدواء كسلاح حرب ضد المدنيين طوال السنوات الماضية، مؤكدين أن الأولوية يجب أن تكون في إيجاد الحلول البديلة والمتوفرة بشكل كبير، وإنهاء الحصار وفتح الطرقات وتحرير موارد المدينة من قبضة هذه الميليشيات الإرهابية، لا في التفاوض معها لتقاسم إدارة الخدمات.

وقال الناشط السياسي صلاح السامعي،  أن ما يجري في تعز ليس مجرد صدفة أو اجتهاد محلي، بل نهج ممنهج من التقارب البراغماتي بين الإخوان والحوثيين، يهدف كل طرف من خلاله إلى تحييد الآخر في مناطق نفوذه، وضمان تقاسم السيطرة بعيدًا عن ضجيج الحرب وأعباء المواجهة الحقيقية. 

وأضاف: "ففي وقت يتحدث فيه الطرفان عن "عداء وجودي"، تُظهر المعطيات على الأرض عكس ذلك: جبهات خامدة، واتفاقات تنسيق، وتبادل مصالح مشترك، تُبرم وتُنفذ تحت الطاولة، فيما يبقى المواطن التعزي هو الخاسر الأكبر، محاصرًا بالجوع والحرب والخذلان".

تلميع مكشوف

وفي خضم الأزمة المائية الخانقة، لم يتردد بعض النشطاء المحسوبين على الإخوان في استغلال معاناة السكان لتقديم الحوثيين بصورة المنقذ الإنساني، في تجاهل صارخ لحقيقة كون الميليشيات الحوثية ذاتها هي من فرضت الحصار على مدينة تعز منذ سنوات، وأغلقت حقول المياه الرئيسية، وحرمت سكان المدينة المحررة من إمداداتها ضمن سياسة عقاب جماعي مستمرة حتى اليوم.

وقال الناشط ضياء الحق عبدالقوي منصر في منشور على صفحته في فيسبوك إن "الحوثيين في الحوبان يحملون همّ ومعاناة كل أبناء تعز، ويسعون ليل نهار لإيجاد حلول تخفف من معاناة المواطنين داخل المدينة الواقعة تحت سيطرة الحكومة، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها سكان الحوبان أنفسهم". وأضاف أن الاتفاق على ضخ المياه من مناطق سيطرة الحوثيين إلى المدينة يأتي كـ"خطوة إنسانية لإنقاذ الناس وسد حاجاتهم من المياه"، منتقدًا ما وصفه بـ"الوقاحة التي تُقابل بها جهود الحوبان من قبل سلطات المدينة"، على حد قوله.

ورغم إقراره بأن أغلب مناطق الحوبان لا تحصل على مياه الدولة، وأن السكان هناك يعتمدون على شراء وايتات المياه بأسعار مرتفعة، إلا أنه أصر على أن الوضع في الحوبان "أفضل" مقارنة بالمدينة، في محاولة لتبرير الاتفاق وتسويق الحوثيين كطرف متفانٍ في خدمة المواطنين.

هذا الخطاب، بحسب ناشطين، لا يتعدى كونه تزييفًا للواقع ومحاولة مكشوفة لتبييض صورة جماعة مسلحة ارتكبت جرائم إنسانية بحق المدنيين، وساهمت في تجويعهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم، مشيرين إلى أن الحوثيين لم يمنحوا المياه، بل احتكروها واستخدموها كورقة ابتزاز سياسي وإنساني لسنوات، قبل أن يحاولوا اليوم قلب المعادلة بإظهار أنفسهم كفاعلين للخير.

ويرى مراقبون أن محاولة تقديم الحوثيين بصورة "المنقذ" في أزمة المياه الحالية ما هو إلا استغلال بشع لمعاناة المواطنين، يراد به تلميع جماعة ألحقت بتعز واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في تاريخها الحديث، وسط صمت رسمي مريب من قبل الحكومة الشرعية تجاه ما يجري من تحركات واتفاقات بعيدًا عن مؤسسات الدولة.