بيان القاعدة في حضرموت.. تماهٍ واضح مع أجندة الحوثي لنشر الفوضى وضرب الاقتصاد
السياسية - منذ 7 ساعات و 38 دقيقة
في خطوة تكشف عن استمرار محاولات التنظيمات المتطرفة استغلال الأزمات الداخلية لمصالحها الخاصة، أصدر فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمحافظة حضرموت بيانًا دعا فيه إلى استمرار إيقاف صادرات النفط الخام من المحافظة، محذرًا مما وصفها بـ"خطة أمريكية" تدعم تحسّن سعر صرف الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
هذا البيان جاء في ظل تصاعد التحركات الشعبية المطالبة بتحسين الخدمات العامة وتخفيف الأعباء الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون، لاسيما في ظل تدهور قيمة العملة المحلية الذي أثقل كاهل الأسر وأثر سلبًا على مستويات المعيشة.
ومع ذلك، لم يكن بيان التنظيم مجرد تعبير عن موقف سياسي أو اقتصادي، بل تجلى فيه استغلال واضح للغضب الشعبي وتصعيده بشكل ينسجم مع أجندات متطرفة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في محافظة حضرموت، التي تحتل مكانة استراتيجية بالغة الأهمية باعتبارها من أهم المناطق النفطية في اليمن. إذ حاول التنظيم ربط المطالب الشعبية المشروعة بمؤامرات خارجية، مجسّدًا بذلك نهجًا متكررًا لاستغلال الأزمات الداخلية لزرع الفوضى وزيادة حالة الانقسام والاقتتال الداخلي.
هذا التكتيك لا يقتصر على تنظيم القاعدة فقط، بل يتماهى مع خطاب ميليشيات الحوثي التي تحاول بدورها استغلال الأوضاع الاقتصادية والسياسية في مناطق الجنوب والشرقية لتعميق الانقسامات وتشتيت الجهود الوطنية الرامية إلى استقرار البلاد. في هذا السياق، تتحول مطالب المواطن في حضرموت إلى ساحة تصادم بين قوى متعددة تسعى إلى السيطرة، حيث تبقى المحافظة في قلب صراع أوسع يفرض نفسه على الخارطة اليمنية، وسط مخاطر تتعلق بأمن الطاقة والاستقرار السياسي والاقتصادي.
استغلال انتفاضة الشعب
وحاول تنظيم القاعدة بوضوح في بيانه توظيف المطالب الشعبية المشروعة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في محافظة حضرموت، خاصة في ظل تدهور العملة الوطنية وتردي الخدمات الأساسية. حيث عمد التنظيم إلى ربط الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التي تعبر عن استياء المواطنين من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بتحركات سياسية تحمل طابعاً مؤامراتياً، متهمًا جهات خارجية – خاصة الإدارة الأمريكية – بالتخطيط لإحداث هذا التحسن في سعر صرف الريال اليمني بهدف "إضعاف" مناطق سيطرة الجماعات المتطرفة.
يهدف هذا الربط المضلل إلى تفكيك وتفتيت الجهود الوطنية المبذولة لاستقرار الأوضاع في حضرموت، وتحويل الحراك الشعبي الذي ينبع من معاناة حقيقية للمواطنين إلى أداة في يد الجماعات المتطرفة لتأجيج الصراعات الداخلية. من خلال استغلال حالة الغضب الشعبي، يسعى التنظيم إلى خلق بؤر نزاع جديدة تشغل القوى الأمنية والحكومية، وتعزز من حالة الانقسام والفوضى التي تعمّق مأساة المحافظة وتعرقل أي جهود حقيقية للإصلاح والتنمية.
هذا التوظيف السياسي للأحداث يعكس استراتيجية واضحة لدى التنظيمات المتطرفة، تتمثل في استغلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لخدمة أجنداتها الهدامة، عبر زرع الفوضى وزعزعة الأمن، ما يجعل من تحركات المواطنين السلمية ميدانًا لتصفية حسابات إقليمية ومحلية، ويحول دون تحقيق الاستقرار الذي ينشده الشعب في حضرموت واليمن عموماً.
تعطيل صادرات النفط
تمثل محافظة حضرموت العمق الاقتصادي الحيوي لليمن، حيث يعتمد الاقتصاد الوطني بشكل كبير على صادرات النفط الخام التي تُعدّ مصدرًا رئيسيًا لتمويل المشاريع التنموية والخدمات الأساسية. تعطيل صادرات النفط بشكل متكرر ومستمر يُضعف قدرة الحكومة على توفير الموارد اللازمة لتلبية احتياجات السكان، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وزيادة معدلات الفقر والبطالة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي هذا التعطيل إلى تراجع الإيرادات المحلية، ما ينعكس سلبًا على الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة، ويُفاقم من هشاشة الأمن الغذائي في المحافظة.
وبحسب بيانات وتصريحات رسمية صادرة عن وزارة النفط اليمنية تسهم حضرموت وحدها بنحو 3 ملايين برميل تُصدّر كل شهرين. إلى جانب عمليات تطوير في قطاع 9، عبر حفر خمس آبار جديدة، في خطوة يتوقع أن تعزز مكانة المحافظة كمركز استراتيجي لإنتاج وتصدير النفط الخام في اليمن.
علاوة على ذلك، فإن الفراغ الاقتصادي والسياسي الناجم عن توقف صادرات النفط يُعتبر بيئة خصبة لاستغلال التنظيمات المتطرفة كتنظيم القاعدة، التي تستخدم هذا الوضع لتوسيع نفوذها وتعزيز حضورها في المناطق التي تعاني من ضعف السلطة الحكومية. هذا التمدد يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات، ويهدد بشكل مباشر استقرار المحافظة والبلد ككل، في وقت تتطلب فيه المرحلة استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا حاسمًا لمواجهة التحديات الوطنية الكبرى.
تعاظم التحديات الأمنية والاقتصادية
في ظل البيان الذي أصدره تنظيم القاعدة، والذي يتزامن مع تصاعد الخطاب المتطرف والتحريضي في المنطقة، تتفاقم المخاوف من تنامي العمليات الإرهابية وتأجيج الصراعات القبلية والمحلية في حضرموت. هذا الخطاب لا يقتصر تأثيره على المستويات الأمنية فحسب، بل يمتد ليشمل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، حيث يساهم في نشر الخوف وزعزعة الثقة بين السكان والحكومة، مما يعرقل جهود التنمية والإعمار.
وبحسب المراقبون أن تأجيج الخطاب المتطرف واستغلال الأزمات الاقتصادية يعمل على تعميق الانقسامات بين مكونات المجتمع في حضرموت، وهو ما قد يؤدي إلى انفجارات عنف غير محسوبة العواقب، ويزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة. وبالنظر إلى أن حضرموت تقع على مفترق طرق حيوي بين مناطق متعددة، فإن تأثرها بهذه التطورات يهدد استقرار الجنوب واليمن بشكل عام، ما يستدعي تدخلًا سريعًا وحاسمًا من مختلف الجهات المعنية.
الحفاظ على استقرار حضرموت
ويرى الناشط السياسي محمد الشماسي، أن التحديات الأمنية والاقتصادية في حضرموت متزايدة، هو ما تبرز الحاجة الملحة إلى تضافر جهود الحكومة اليمنية والسلطات المحلية في المحافظة مع المجتمع الدولي، لأجل تعزيز الأمن والاستقرار وضمان استمرار صادرات النفط الحيوية. وأضاف إن تحقيق ذلك يتطلب استراتيجيات متكاملة تشمل تعزيز القدرات الأمنية، وتطوير أجهزة المخابرات المحلية، وتشديد الرقابة على المناطق الحساسة لمنع تمدد التنظيمات الإرهابية.
وأكد أنه يجب أن يرافق هذا الجانب الأمني جهود اقتصادية واجتماعية لدعم الاقتصاد المحلي وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، من خلال دعم مشاريع التنمية وتعزيز فرص العمل وتحسين الخدمات الأساسية. كما أن إشراك المجتمع المحلي في هذه الجهود يعد أمرًا حيويًا لتعزيز الوعي بمخاطر التطرف والتصدي له، إضافة إلى العمل على نشر قيم السلام والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع.
وأضاف أن الدعم الدولي، سواء عبر المساعدات التنموية أو البرامج الأمنية المشتركة، يمثل عاملًا مهمًا لتثبيت الأمن والاستقرار، لا سيما في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها اليمن ومحافظة حضرموت. وعليه، فإن تنسيق هذه الجهود بشكل فعّال يعزز من قدرة المحافظة على مواجهة التحديات الراهنة، وحماية المكتسبات الوطنية، وضمان مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمحافظة ولليمن بأكمله.
تقاطع خطابي بين القاعدة والحوثي
وقال الكاتب والمحلل السياسي هاني مسهور على البيان الصادر عن تنظيم القاعدة في حضرموت، مؤكدًا في منشور له على منصة "إكس" أن خطاب التنظيم يتماهى بشكل واضح مع أجندة جماعة الحوثي، خاصة في استهداف قطاع النفط وربطه بالقضية الفلسطينية والدعوة إلى ما سمّاه "إسناد غزة". وأشار مسهور إلى أن هذا التقاطع يثير تساؤلات حول احتمال وجود تنسيق غير مباشر أو تقاطع مصالح يخدم أهداف الحوثيين في مناطق خارج سيطرتهم المباشرة.
كما نوّه مسهور إلى أن توقيت البيان جاء متزامنًا مع ما يُعرف بـ"تحرّكات الهضبة" في وادي حضرموت، وهي تحركات قبلية وعسكرية تهدف إلى فرض واقع جديد مستفيدة من أي اضطراب سياسي أو اقتصادي. ورأى مراقبون أن تعطيل تصدير النفط قد يضعف الحكومة ويفتح الباب أمام تفاهمات غير معلنة مع قوى النفوذ في الشمال، وعلى رأسها الحوثي.
وختم مسهور تحليله بالتأكيد على أن المشهد في حضرموت ليس مجرد صراع مع تنظيم متشدد، بل هو جزء من مشروع أوسع لإعادة توزيع النفوذ وربط مستقبل المحافظة بمعادلات القوة بين صنعاء والهضبة، مما يجعل حضرموت ساحة اختبار حاسمة بين مشروع الدولة ومشاريع الفوضى.