الزينبيات.. الوجه النسائي القمعي للحوثيين

السياسية - منذ 5 ساعات و 27 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:

أظهر تقرير حديث صادر عن مركز P.T.O.C Yemen للأبحاث والدراسات المتخصصة، حجم التهديد الذي يمثله التشكيل النسائي المعروف بـ"الزينبيات"، الذراع النسائي لجماعة الحوثي، على المجتمع اليمني، وخصوصًا النساء والفتيات اللواتي يعانين من تقييد حرياتهن وممارسة العنف المباشر ضدهن.

بينما يصف الحوثيون هذا التشكيل بأنه وسيلة "لتمكين المرأة" و"حماية المجتمع"، تكشف التحقيقات الميدانية والمستندات أن الزينبيات يعملن كجهاز أمني استخباراتي متكامل، متورط في القمع، الاعتقال التعسفي، التعذيب النفسي والجسدي، التجسس، الابتزاز، تهريب المخدرات، والاتجار بالأعضاء البشرية. 

ويشير التقرير إلى أن الجماعة تستخدم الفقر والاضطرابات الاجتماعية كأداة لإجبار بعض النساء على الانضمام، مستغلة حاجتهن المادية أو فقدان المعيل، لتوسيع نفوذها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتطبيق نظام رقابي صارم على النساء في الحياة العامة والخاصة.

النشأة والتأسيس

تأسست الزينبيات بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، مستلهمة من التنظيمات النسائية التابعة لحزب الله اللبناني، لتكون ذراعًا أمنيًا "ناعماً" على المستوى الظاهري، لكنه شديد القسوة في الميدان. يوضح التقرير أن الجماعة اعتمدت نموذجًا مزدوجًا يجمع بين التجنيد النسائي الاجتماعي والسيطرة الأمنية، مع تدريب العناصر على فنون القتال، جمع المعلومات الاستخباراتية، التحقيق مع المعتقلين، والتعبئة الفكرية والإيديولوجية.

وتلقت العديد من النساء تدريبات عسكرية داخل اليمن، في معسكرات سرية ومنشآت ثقافية ورياضية، فيما خضعت مجموعة صغيرة لتدريبات متقدمة في لبنان وإيران تحت إشراف الحرس الثوري وحزب الله، لتطوير مهارات التجسس والتحليل الأمني، بما يضمن قدرة التشكيل على السيطرة على المجتمع المدني والمناطق الحضرية بشكل فعال.

ويضم التشكيل نحو 4 آلاف امرأة، يعملن خارج نطاق الشرطة النسائية الرسمية، ومرتديات عباءات سوداء مع نقاب أو لثام لإخفاء هويتهن أثناء تنفيذ المهام. ينقسم التشكيل إلى أربعة أقسام رئيسية: القسم العسكري: مسؤول عن عمليات الاقتحام والمداهمة والمشاركة المباشرة في المواجهات، بما في ذلك اعتقال النساء والفتيات. وثانيًا القسم الإلكتروني: يركز على الحملات الدعائية، مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، والتجنيد الرقمي داخل المدارس والجامعات. وقسم الاعتقالات: يدير السجون السرية ويشارك في التحقيقات مع المعتقلات، وتنفيذ التعذيب النفسي والجسدي. وأخيرًا قسم التجسس الوقائي: يجمع معلومات دقيقة عن المجتمع وأسرته ومؤسساته، ويشارك في عمليات تهريب المخدرات، التجنيد، والابتزاز.

وتقود هذه الأقسام قيادات نسائية بارزة من العائلات الحوثية النافذة، أبرزهن فاطمة حسين بدر الدين الحوثي، نائبة جهاز الأمن والاستخبارات لقطاع المرأة والمنظمات، وابتسام المتوكل المشرفة على التعبئة الفكرية في الجامعات، وهدى العماد المسؤولة عن التجنيد داخل الوسط الأكاديمي، ما يضمن ولاء التشكيل للجماعة وامتثال عناصره للأوامر العليا بدقة.

أدوار القمع المباشر

لم تعد الزينبيات تكتفي بالدعم اللوجستي، بل تحولت إلى قوة قمع مسلحة تعمل على الأرض مباشرة. وتشمل مهامها مداهمات واعتقالات، حيث يتم استهداف النساء والفتيات في المنازل والمدارس والجامعات، واعتقال من تعتبرهن الجماعة معارضات أو غير ملتزمات بالقيم الحوثية. وإيضًا التعذيب والتحقيق عبر تنفيذ أشكال متعددة من التعذيب النفسي والجسدي لضمان السيطرة، بما في ذلك استخدام الصواعق الكهربائية والإهانة الجسدية. إضافة إلى إدارة الحملات الدعائية من خلال تنظيم حملات دعائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والجامعات والمدارس لتجنيد النساء والفتيات تحت غطاء ديني أو ثقافي. وكذا مراقبة الأحياء والأسر عبر زرع شبكات تجسس محلية لضبط أي نشاط معارض، بالإضافة إلى تجنيد نساء للمشاركة في التجسس.

وثقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات خلال 2017–2022 أكثر من 1444 انتهاكًا، منها: 571 حالة اعتقال وخطف، 290 مداهمة للمنازل، 118 حالة تعذيب، 48 حالة تحرش أو اغتصاب، وأكثر من 300 حالة ابتزاز ومراقبة. ومن أبرز الحوادث اقتحام مدارس، هدم منازل، وطرد النساء والأطفال، بالإضافة إلى انتشار مسلح لمنع رفع علم الجمهورية اليمنية، وهو ما يعكس تحكم التشكيل في الحياة العامة والخاصة للنساء.

الأنشطة الإجرامية والتجسس

يتجاوز دور الزينبيات مجرد القمع المباشر للنساء والمجتمع، لتصبح شبكة إجرامية متعددة الأبعاد تعمل على مستويات أمنية، مالية، واجتماعية معقدة، بما يعكس مدى التداخل بين الأنشطة الأمنية والإجرامية. وتشمل هذه الأنشطة التجسس وجمع المعلومات الحساسة، حيث تقوم الزينبيات بتجنيد نساء من أصول أفريقية وغالبًا من الفئات الضعيفة اقتصاديًا، لتعمل كجواسيس داخل منظمات محلية ودولية، بما في ذلك المنظمات الإنسانية والصحية والتعليمية. ويتم تدريب هؤلاء على مراقبة الأشخاص، تسجيل الاجتماعات، نقل المعلومات الدقيقة عن نشاطات المنظمات، وتحديد نقاط الضعف التي يمكن أن تستغلها الجماعة لاحقًا. ويهدف هذا التجسس إلى توسيع النفوذ الحوثي داخل المجتمع المدني وخلق شبكة مراقبة واسعة تغطي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

وكذا اختراق الأسر التجارية والقبلية الكبرى، حيث تستخدم الزينبيات دورهن الوهمي كخادمات، مربيات أطفال، أو موظفات في المنازل الثرية لجمع معلومات عن الأعمال التجارية، الثروات، التحالفات العائلية، والروابط القبلية. وتساهم هذه المعلومات في تمكين الجماعة من الابتزاز السياسي والمالي، وممارسة الضغط على الأسر القوية لفرض الولاء، أو السيطرة على مواردهم الاقتصادية.

ومن بين الأنشطة التهريب، فتلعب الزينبيات دورًا نشطًا في شبكات تهريب المخدرات والحشيش من مناطق سيطرة الحوثيين إلى المحافظات المحررة، وغالبًا عبر طرق سرية ومغطاة بواجهات مدنية. ويشير التقرير إلى أن هذا النشاط يعكس ارتباط الجماعة بالاقتصاد غير المشروع واستخدامه كوسيلة تمويل لأنشطتها العسكرية والاستخباراتية، ما يجعل الزينبيات جزءًا من منظومة متكاملة للجريمة المنظمة.

وبرز مؤخرًا نشاط خطير هو الاتجار بالأعضاء البشرية، فهناك معلومات تؤكد تورطت الزينبيات في عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية، بما يشمل تحديد الضحايا، تجنيد نساء كوسيطات، وتسهيل نقل الأعضاء إلى شبكات خارجية. ويشكل هذا النشاط جريمة إنسانية كبيرة، ويؤكد أن التشكيل لا يكتفي بالسيطرة على النساء بل يمتد ليشمل استغلالهن ولتعريض حياة المجتمع للخطر.

إضافة إلى الابتزاز السياسي والديني، فهذا التشكيل النسائي شكل شبكات للتأثير على الشخصيات المعارضة، عبر جمع المعلومات الحساسة، تهديدهم بالفضائح، أو الضغط على أسرهم، ما يضمن استمرار ولاء المجتمع المحلي والتأثير على الساحة السياسية والدينية لصالح الحوثيين. 

فهذا الجهاز الخطير تحول إلى آلة إجرامية استخباراتية متكاملة، تجمع بين القمع المباشر، التجسس، الابتزاز، التهريب، والجرائم الاقتصادية والإنسانية، لتصبح تهديدًا متعدد المستويات يطال النساء والمجتمع بشكل عام.

التدريب والتمكين تحت غطاء المجتمع المدني

وكشف تقرير مركز P.T.O.C Yemen عن استغلال الحوثيين لبرامج "تمكين المرأة" التي تنفذها منظمات دولية في صنعاء لتدريب عناصر الزينبيات، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا للغرض الأساسي لهذه البرامج، التي تهدف إلى دعم حقوق النساء وتمكينهن اجتماعياً واقتصادياً، وليس استخدامهن كأدوات للقمع والتجسس.

وأوضح التقرير أن الزينبيات خضعن لتدريبات ممنهجة ومتعددة المستويات، بدأت في الداخل اليمني ضمن أنشطة مدنية رسمية أو شبه رسمية، تضمنت: الأنشطة الثقافية والرياضية من خلال تنظيم برامج ثقافية ورياضية داخل المدارس والنوادي، على أنها أنشطة اجتماعية وتمكين، لكنها استخدمت كواجهة لإعداد النساء بدنيًا وعقليًا للمشاركة في العمليات الأمنية والاستخباراتية، وتعويدهن على الانضباط الصارم، والتعامل مع الضغط النفسي والميداني. وكذا التدريب الأمني والميداني داخل اليمن والذي يشمل تدريبات على أساليب القتال الفردي والجماعي، اقتحام المنازل، إدارة المداهمات، والتعامل مع المعتقلين. كما تلقين تدريبات على جمع المعلومات، المراقبة، والاختباء أثناء تنفيذ المهام الأمنية، مما مكنهن من أداء مهامهن بكفاءة عالية دون الكشف عن هويتهن.

إضافة إلى التدريب المتقدم في الخارج، حيث حصلت بعض عناصر الزينبيات على تدريب متقدم في لبنان وإيران، تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، بينها مهارات التحليل الاستخباراتي وجمع المعلومات الدقيقة، وأساليب التجنيد الفكري والتعبئة الأيديولوجية داخل الجامعات والمجتمع. وتدريبات متقدمة على القتال والتخفي والتنقل السري، بما يضمن تنفيذ المهام دون كشف أنشطة الجماعة.

ويؤكد التقرير أن هذا التوظيف المزدوج للبرامج المدنية والخارجية جعل الزينبيات جهازًا متكاملًا يجمع بين التدريب المدني المموّه والتدريب العسكري والاستخباراتي المتقدم، ما يعكس استراتيجية ممنهجة لاستغلال النساء كواجهة لأعمال قمعية وجريمة منظمة داخل المجتمع اليمني.

البعد المجتمعي والثقافي

ينظر المجتمع اليمني إلى استغلال النساء في أعمال القمع والاعتداءات ك انتهاك صارخ للقيم الاجتماعية والأعراف التقليدية، إذ تمثل هذه الممارسات تحديًا مباشرًا للهوية الثقافية اليمنية التي تولي الاحترام للمرأة وتحمي دورها في الأسرة والمجتمع. ويُعتبر الانخراط في مثل هذه الأدوار القمعية عارًا على المجتمع، لأنه يشوه صورة المجتمع ويخلق فجوة بين التقاليد المتوارثة والممارسات القسرية التي يفرضها الحوثيون.

في المقابل، يكشف الواقع الاجتماعي أن هذه الظاهرة ليست مجرد انحراف أيديولوجي، بل نتاج ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة، حيث يؤدي الفقر المدقع وفقدان المعيل إلى دفع بعض النساء للانضمام إلى الزينبيات رغماً عنهن. كثير من هؤلاء النساء ينتمين إلى أسر فقدت أبناءها في جبهات القتال الحوثية، أو أسر تعاني من تهميش اجتماعي أو هشاشة اقتصادية، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال والتجنيد القسري.

ويشير التقرير إلى أن هذا الواقع يضيف بعدًا إنسانيًا مأساويًا، إذ تتحول النساء إلى أدوات في صراع عسكري وسياسي أكبر، ويجبرهن على خوض تجربة عنف مزدوجة: عنف مباشر من الجماعة المسلحة، وعنف نفسي واجتماعي من المجتمع الذي يرفض أدوارهن القسرية. هذا الواقع يسلط الضوء على ازدواجية الألم بين الضحية المادية والمعنوية، ويبرز الحاجة الملحة لتدخلات حماية النساء، سواء على المستوى القانوني أو الاجتماعي، لتوفير بدائل اقتصادية وأمنية تمنعهن من الانخراط في مثل هذه الشبكات القسرية.

كما يعكس هذا البعد المجتمعي حاجة المجتمع الدولي والمحلي إلى فهم التحديات الثقافية والاقتصادية التي تواجه النساء في مناطق النزاع، لتصميم برامج حماية تمكّنهن من النجاة دون الانخراط في أنشطة تعزز القمع والجريمة.

توصيات المركز والدعوة الدولية

اختتم تقرير P.T.O.C Yemen بدعوة المجتمع الدولي والحكومة اليمنية إلى فتح تحقيق مستقل لتوثيق الانتهاكات وتصنيف الزينبيات كجماعة إرهابية. وفرض عقوبات على القيادات العليا لمنع استمرار القمع. إضافة إلى مراجعة برامج تمكين المرأة لتجنب استغلالها لأغراض أمنية. كما أوصى التقرير إنشاء آليات حماية للضحايا، وتوثيق الانتهاكات بشكل دوري، وتوعية المجتمع بخطر التشكيل، ورفض أي محاولات لتجنيد النساء فيه.

ويكشف تقرير مركز P.T.O.C Yemen أن الزينبيات ليست مجرد "تشكيل نسائي"، بل أداة استخباراتية متقدمة وأداة قمع تستخدم النساء كواجهة لتوسيع نفوذ الجماعة، وفرض السيطرة على المجتمع المدني، وهو ما يستدعي استجابة دولية عاجلة لمراقبة الانتهاكات وحماية النساء والمجتمع اليمني بشكل كامل.