عبث وتشويه وتهريب.. ثلاثية تدمر الآثار اليمنية وتحوّلها إلى سلع في سوق الذهب
السياسية - منذ ساعتان و 54 دقيقة
في بلد يُعدّ من أغنى بلدان المنطقة بالآثار والحضارات القديمة، تتعرض الهوية التاريخية لليمن اليوم لواحدة من أخطر عمليات الاستنزاف الممنهج، عبر ثلاثية مدمرة من عبث وتشوية وتهريب.
فبينما يعيش اليمنيون مأساة إنسانية واقتصادية طاحنة، تتعرض آثار بلادهم للسطو والبيع العلني، في ظل غياب مؤسسات الدولة وتواطؤ بعض النافذين مع شبكات تهريب منظمة تعمل على تفكيك الإرث الحضاري وتحويله إلى مجرد مجوهرات أو قطع تباع في الأسواق المحلية والدولية.
وكشف الباحث المتخصص في آثار اليمن، عبدالله محسن، عبر صفحته على فيسبوك، عن واقعة جديدة تعكس حجم الكارثة. إذ نشر صورة لقلادة أثرية من الذهب والجزع، قال إنها أعيد تجميعها حديثاً مع إضافات جديدة وعُرضت في سوق الذهب المحلي، ما أدى إلى فقدانها قيمتها التاريخية والأثرية، وحولها إلى مجرد زينة بلا هوية.
وأوضح الباحث أن هذه القلادة المكونة من 19 قطعة ذهبية مختلفة الأحجام والتصاميم والصياغة، غالبيتها أثرية، جرى التلاعب بها وإعادة تركيبها في هيئة عقد جديد بطريقة وصفها بأنها "تصرف غبي"، لا يختلف عن "غباء بعض الجهات الرسمية المسؤولة عن ملف الآثار"، التي تجاهلت مثل هذه الكوارث بدل مواجهتها.
وأشار محسن إلى أن أحد أصدقائه من أبناء الجوف أرسل له صورة القلادة قبل عامين، ما يعني – بحسب تقديره – أن العقد قد يكون هُرّب خارج اليمن، لكنه رجّح أنه ما يزال موجوداً في سوق الذهب بإحدى المحافظات: مأرب، الجوف، شبوة أو صنعاء.
وأضاف الباحث أن الملف الجديد الذي يتابعه يكشف عن اتجاه خطير يتمثل في استخدام المكونات الأثرية – من الذهب والأحجار الكريمة والحلي القديمة – لصناعة أطقم مجوهرات حديثة، الأمر الذي لا يُفقدها قيمتها الأثرية وحسب، بل يفتح الباب واسعاً أمام انتشار القطع المزوّرة والمقلدة سواء في الداخل أو في أسواق دولية كفرنسا.
ويرى خبراء في مجال التراث أن ما يجري لا يمثل مجرد حوادث فردية، بل هو جزء من منظومة نهب ممنهج للذاكرة اليمنية، تتغذى من الفوضى الأمنية والفساد وضعف مؤسسات الدولة، وسط صمت رسمي يثير التساؤلات حول جدية التعامل مع ملف حماية الآثار.
ويؤكد هؤلاء أن استمرار هذا العبث سيؤدي إلى ضياع الكثير من الكنوز اليمنية التي تعود لآلاف السنين، وتحويلها إلى مجرد مقتنيات خاصة أو مجوهرات تزين أعناق الأثرياء، بدلاً من أن تكون شاهدة على حضارات سبأ وحمير ومعين وقتبان.