مناورة إسرائيلية في البحر الأحمر.. رسالة استراتيجية تزيد التوترات في المنطقة

الجبهات - منذ 3 ساعات و 3 دقائق
القاهرة، نيوزيمن:

أعلنت إسرائيل عن تنفيذ مناورة عسكرية واسعة النطاق في البحر الأحمر، في خطوة استراتيجية تتجاوز حدود التدريب العسكري التقليدي، وتأتي في وقت بالغ الحساسية يشهد تصاعد التوترات الإقليمية، خصوصًا الهجمات المستمرة التي تنفذها ميليشيا الحوثي الإيرانية ضد السفن التجارية، والتي باتت تهدد أحد أهم الممرات البحرية العالمية وأمن خطوط التجارة الدولية.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن المناورة شملت تدريبات بحرية وجوية مشتركة، واختبرت القوات الإسرائيلية فيها سيناريوهات متعددة تشمل التصدي لهجمات على سفن مدنية، حماية خطوط الملاحة، والتعامل مع تهديدات صاروخية وطائرات مسيّرة، بمشاركة وحدات من سلاح البحرية وسلاح الجو، إضافة إلى فرق إلكترونية واستخباراتية. ونقلت الصحيفة عن تقارير أن "خلال المناورة ستلاحظ زيادة في حركة قوات الأمن والسفن في البحر"، مؤكدة أنه "لا يوجد أي قلق من وقوع حادث أمني".

المحللون العسكريون يرون أن المناورة الإسرائيلية تحمل رسائل مزدوجة؛ أولها الردع المباشر للميليشيات الحوثية، التي تستخدمها إيران كورقة ضغط في البحر الأحمر، وثانيها تعزيز القدرة الإسرائيلية على حماية مصالحها البحرية والتجارية، بالتنسيق مع القوى الدولية مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة.

وتشير التحليلات إلى أن البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر تجاري، بل أصبح ساحة صراع جيوسياسي تتقاطع فيها مصالح عدة دول، من بينها إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، بالإضافة إلى روسيا والصين، التي تراقب عن كثب أي تطورات قد تؤثر على الملاحة والتجارة العالمية. المناورة الإسرائيلية، بحسب الخبراء، تأتي في سياق تأمين خطوط الملاحة البحرية الحساسة، خصوصًا بعد استهداف سفن مرتبطة بإسرائيل في خليج عدن ومضيق باب المندب، وهو تهديد مستمر للأمن البحري العالمي.

إلا أن القاهرة عبرت عن مخاوفها من التصعيد المحتمل، معتبرة أن "إعلان إسرائيل القيام بمناورة عسكرية في هذا التوقيت غرضه الاستفزاز وجر المنطقة لمزيد من التوتر، بما قد يؤثر على حركة الملاحة الدولية وسلاسل الإمداد والتجارة العالمية"، وفق مصدر مصري مسؤول.

وأكد اللواء محمد عبد الواحد، خبير الأمن القومي المصري، أن هذه المناورات قد تؤدي إلى استفزاز إيران وزيادة هجمات الحوثيين، خصوصًا أن توقيت المناورات حساس للغاية ويشكل تحديًا لإرادة الدول المطلة على البحر الأحمر. وأوضح أن إسرائيل تجاوزت الأعراف السابقة التي كانت تقتصر فيها المناورات في البحر الأحمر على الدول العربية المطلة عليه، وبدأت الآن تضم إسرائيل نفسها، ما يزيد من احتمالات التوتر ويهدد التجارة العالمية.

وأشار خبير أمن الممرات البحرية الدكتور رأفت محمود إلى أن المناورات ليست الأولى لإسرائيل في البحر الأحمر، لكنها تأتي الآن في ظل تغيرات جيوسياسية كبيرة، بما فيها التحولات في اليمن وتفاقم تهديدات الحوثيين، واستمرار الاشتباك معهم عبر الهجمات الصاروخية على السفن، الأمر الذي دفع إسرائيل لتعزيز وجودها البحري والدفاع الجوي في المنطقة.

الحكومة المصرية حذرت من آثار هذه المناورات على الاقتصاد والتجارة العالمية، مؤكدة أن الاضطرابات في البحر الأحمر والهجمات الحوثية على السفن المارة بمضيق باب المندب منذ نوفمبر 2023 أثرت على إيرادات قناة السويس، وتسببت في انخفاض الدخل وخسائر تقدر بنحو 7 مليارات دولار، كما زادت من تكاليف التجارة العالمية.

وفي مقابل ذلك، ترى إسرائيل أن المناورة تهدف أساسًا لتعزيز الأمن البحري وحماية مصالحها والمصالح الدولية، بما في ذلك السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر، في ظل تصاعد الهجمات الحوثية المستمرة، مؤكدة على أن هذه الخطوة تأتي ضمن منظومة الدفاع الاستراتيجي الإسرائيلي في المنطقة، والتي تشمل استراتيجيات الردع والسيطرة على ممرات الملاحة البحرية الحيوية.

يمكن النظر إلى المناورة الإسرائيلية على أنها جزء من تحرك أوسع لتثبيت الأمن البحري في البحر الأحمر، لكنها تحمل أيضًا أبعادًا سياسية وجيوسياسية عميقة، فهي رسالة لإيران والحوثيين بأن إسرائيل لن تتهاون في حماية مصالحها، وفي الوقت نفسه تشكل مؤشرًا على تصاعد التوترات الإقليمية، مع تأثير مباشر على الاقتصاد والتجارة العالمية، مما يجعل البحر الأحمر أحد أكثر النقاط حساسية واستراتيجية على خريطة الأمن البحري الدولي.