اغتيال أفتهان المشهري.. فسحة في قلب فساد الإخوان بتعز
السياسية - Friday 19 September 2025 الساعة 11:12 pm
في مدينةٍ أنهكتها سنوات الحرب والانقسامات، تتقاطع فيها المصالح السياسية مع شبكات الفساد المسلّحة، جاءت جريمة اغتيال أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة في تعز، كجرس إنذارٍ عنيف يدوّي في ضمير اليمنيين.
تعز، التي كانت تُلقّب بعاصمة الثقافة اليمنية، باتت اليوم ساحةً مفتوحة للفوضى الأمنية وحرب النفوذ، حيث تتصارع فيها الميليشيات والعصابات المسلحة تحت عباءة الشرعية، فيما يدفع المدنيون بخاصة الناجحون وأصحاب المبادرات الإصلاحية الثمن الأكبر. ومن بين هؤلاء برز اسم أفتهان، امرأةٌ كسرت القوالب التقليدية، فاختارت طريق الإصلاح ومواجهة الفساد في أهم مرفق خدمي بالمدينة، لتتحول إلى رمزٍ مدني يهدد بنجاحه مصالح هوامير المال والسياسة.
لم يكن اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين مجرّد حادثة جنائية عابرة، بل انعكاساً مباشراً لصراع أعمق يتشابك فيه الأمني بالعسكري، والمصالح الفردية مع غياب الدولة. فالرصاص الذي اخترق جسد أفتهان في وضح النهار، لم يقتل موظفة حكومية وحسب، بل استهدف فكرة الدولة المدنية نفسها، وأرسل رسالةً صارخة بأن أي محاولة لمكافحة الفساد أو إعادة بناء مؤسسات حقيقية ستُواجه بالتصفية الجسدية.
هذه الجريمة تأتي امتداداً لسلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية في تعز، من استهداف قيادات عسكرية بارزة مثل العميد عدنان الحمادي ومدير أمن التعزية المقدم عبد الله النقيب، وغيرهم الكثيرون من المسؤولين المحليين والنشطاء والقيادات العسكرية والضباط الذين سقطوا برصاص مسلحين معرفين ظلوا، في أغلب الحالات وداخل ملفات الأجهزة الأمنية بانهم مجهولين بحكم الحماية السياسية والحزبية التي يحضون بها.
اغتيال أفتهان كشف، بوضوح لا لبس فيه، فشل السلطة المحلية والأجهزة الأمنية في حماية مسؤولٍ يواجه تهديدات معلنة منذ أشهر، رغم المناشدات المتكررة التي وثّقتها رسائل رسمية. بل يعرّي أيضاً مسؤولية القوى المسيطرة على القرار الأمني والعسكري في المحافظة، والتي ترفض، منذ سنوات، أي تغيير في قياداتها، خشية انكشاف ملفات الفساد وتفكك شبكة المصالح التي تحميها.
حرب مع الفساد
حين تولّت أفتهان المشهري إدارة صندوق النظافة والتحسين في أكتوبر 2023، كان المشهد أقرب إلى حقل ألغام إداري ومالي. الصندوق، الذي يُعدّ شرياناً حيوياً لخدمات المدينة، كان قد تحوّل إلى وكر فساد وإقطاع مالي طويل الأمد؛ آلياته شبه مشلولة، مديونيته تتجاوز المليار ريال، وإيراداته الشهرية لا تكاد تصل إلى 90 أو 120 مليون ريال في أفضل الأحوال. في بيئة كهذه، كان قرار قبولها المنصب أقرب إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أنها أول امرأة تتولى هذا الموقع في تاريخ المحافظة.
أفتهان، المعروفة بشخصيتها الصلبة وهدوئها الواثق، قررت أن تصنع الفرق. بدأت بحصر الموارد المهدورة وكشف مواطن الفساد، لتعلن بعد أشهر قليلة عن إحالة نحو 40 موظفاً إلى نيابة الأموال العامة بتهم صرف غير قانوني، كثير منها تم بتوجيهات من مسؤولين متنفذين خارج الصندوق. ولم تتوقف عند ذلك، بل أطلقت حملة لاستعادة ممتلكات الصندوق المنهوبة، واستعادت آليات كانت مختفية في مخازن خاصة أو بحوزة جهات عسكرية نافذة، ما شكل سابقة غير مألوفة في مدينة اعتادت على إفلات المتنفذين من المساءلة.
نجاحها لم يكن شكلياً. خلال عام واحد فقط، تضاعفت إيرادات الصندوق بشكل غير مسبوق، وانتقل مقره من فيلا قديمة متهالكة إلى مبنى حكومي أعيد تأهيله بجهودها وإدارتها الرشيدة. كما وضعت رؤية تنموية واضحة: مشروع لتدوير المخلفات والبلاستيك، خطط لتشجير شارع جمال الحيوي، وعمليات جريئة لفتح شوارع مغلقة منذ سنوات وتأهيل جولات رئيسية كانت شاهدة على الإهمال. كل هذه الإنجازات صنعت فارقاً ملموساً لمسّه المواطنون يومياً، وأعادت شيئاً من الثقة بقدرة الإدارة المحلية على تقديم نموذج حقيقي للنزاهة والكفاءة.
لكن هذه الإصلاحات التي أعادت الصندوق إلى سكّة العمل المؤسسي، كانت في الوقت نفسه خنجرًا في خاصرة منظومة الفساد الراسخة. فقد قطعت أفتهان، بقراراتها الجريئة، شرايين مصالح لوبيات مالية وسياسية اعتاشت طويلاً على موارد الصندوق، فبدأت حملة مضادة شرسة. تمثّلت الضغوط أولاً في تعطيل تحصيل موارد الصندوق من المنافذ الشرقية للمدينة، وحرمانه من مستحقاته المالية، ثم تصعيد موجات من التهديدات العلنية والمبطّنة لإرغامها على التراجع.
بلغت المفارقة ذروتها عندما جرى تكليف جندي متهم بجرائم قتل سابقة بحماية مكتبها، في مشهدٍ أثار سخرية وذهول الرأي العام. وصف أحد المقربين من أفتهان ذلك بالقول: "كأنما أوكلوا مهمة حماية الإصلاح إلى من يخطط لهدمه، وكأنهم أرسلوا القاتل ليحرس ضحيته". كان ذلك دليلاً صارخاً على أن حماية النزاهة في تعز لا تعني سوى تعريض أصحابها لخطر أكبر، في ظل سلطة محلية عاجزة – أو متواطئة – أمام نفوذ مافيات الفساد والمال والسلاح.
اتهامات صريحة ونفوذ متجذّر
في المدينة التي تحوّلت إلى مختبر دائم لامتحان الدولة اليمنية وقدرتها على فرض النظام، تتقاطع شهادات النشطاء والصحفيين لتضع حزب الإصلاح في قلب دائرة الاتهام. لا يتحدث هؤلاء عن مجرد قصور أمني أو أخطاء فردية، بل عن بنية نفوذ متجذّرة تمكّن الحزب من التحكم في مفاصل القوة والقرار داخل تعز، إلى درجة جعلت مفهوم "العدالة" نفسه رهينة توازنات السلاح والسياسة.
يرى مراقبون أن المشهد الحالي ليس سوى نتيجة تراكمات سنوات من التمكين الحزبي، حيث تحوّلت المؤسسات الأمنية إلى ما يشبه "الأذرع الموازية" لمراكز النفوذ، تدار بقرارات غير معلنة، وتُوجّه وفق مصالح فصيل بعينه. هذا النفوذ، الذي يجمع بين السلاح والمال والتغلغل الإداري، يفسّر – بحسب محللين – كيف يمكن لجرائم اغتيال بحجم جريمة أفتهان المشهري أن تمرّ بلا تحقيق جاد أو محاسبة شفافة، وكيف يصبح التلاعب بإجراءات الضبط القضائي مسألة روتينية.
الصحفي والسياسي ماجد المذجحي يحمّل حزب الإصلاح مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن استمرار الفوضى قائلاً: "الإصلاح يمتلك النفوذ الفعلي في تعز، وقائد المحور العسكري ومستشاره سالم يملكان شبكة حماية سياسية وأمنية متشابكة، ما يجعل محاسبة القتلة أشبه بالمستحيل". تصريحات المذجحي ليست استثناءً، بل مخاوف شعبية تتنامى كلما طال أمد الانفلات الأمني.
فيما الصحفي عبدالرحمن أنيس ذهب أبعد من ذلك، مؤكدًا أن ما يجري في تعز "ليس خللًا أمنيًا عابرًا، بل صورة واضحة لإدارة حزب الإصلاح عندما يمسك بزمام القوة، ونموذج صارخ لما قد تؤول إليه أي منطقة يمنية إذا فُرضت قبضته عليها". ويرى أنيس أن تعز اليوم تعيش نموذج "الدولة داخل الدولة"، حيث تصدر القرارات الأمنية الحقيقية من وراء أبواب حزبية مغلقة، بينما تبقى السلطة المحلية مجرد واجهة شكلية عاجزة عن كبح جماح المليشيات والعناصر المسلحة.
هذا الاتهام الصريح يعززه – وفق ناشطين – سجل طويل من الوقائع: فشل التحقيق في عشرات حوادث اغتيال طالت ضباطاً وقادة رأي، انتشار نقاط تفتيش غير خاضعة للسلطة الرسمية، وتغوّل قيادات عسكرية محسوبة على الإصلاح في قطاعات حيوية كالشرطة العسكرية والأمن الخاص. وتصف مصادر محلية هذه الحالة بأنها "سلطة موازية" تحمي مصالحها بشبكة معقدة من التحالفات، ما يجعل أي مسعى لتطبيق القانون يصطدم بجدار صلب من الولاءات.
وصوتٌ غاضب من الشارع
جريمة اغتيال أفتهان المشهري أيقظت كلّ جراح المدينة المزمنة، فخرجت الإدانات على نحوٍ غير مسبوق، تجمع أطيافاً سياسية واجتماعية طالما تباينت في المواقف. بدا أن دماء المشهري وحّدت صوت الشارع، وأعادت طرح الأسئلة القديمة حول من يحكم تعز فعلياً، ومن يحمي القتلة ويمكّنهم من الإفلات.
أمين أحمد محمود، محافظ تعز الأسبق، نعى المشهري بكلمات حادة واتهامات مباشرة: "تعازينا الحارة يا تعز. سيستمر مسلسل الجرائم والإرهاب السافر طالما بقيت تعز رهينة بيد جماعة ترفض أي تغيير لقياداتها العسكرية والأمنية الفاشلة والمتورطة في الجريمة والفساد". رسالته لم تكن مجرد تعزية، بل بياناً سياسياً مكشوفاً يعكس إدراكاً عميقاً بأن الاغتيال نتيجة منظومة مترسخة، لا مجرد عمل فردي.
محافظ تعز الحالي، نبيل شمسان، أصدر بياناً صريحاً يشي بحجم الاختراق الأمني الذي تعانيه المدينة. فقد كشف أن "المنفذين جنود في أحد الألوية التابعة لوزارة الدفاع"، مؤكداً أن الاغتيال تم بعد تلقي الضحية تهديدات موثقة، ومحمّلاً القيادات الأمنية المقصّرة المسؤولية الكاملة عن الجريمة. اعتراف شمسان الصادم أضاء على هشاشة المؤسسات الرسمية، وأعاد إلى الأذهان سجلّاً طويلاً من جرائم اغتيال طُمست حقائقها بذات الطريقة.
ولم يقتصر الغضب على المسؤولين، بل تجاوزه إلى الشخصيات المجتمعية، حيث وصف الشيخ سعد علي الجرادي بأنها "جريمة وفضيحة وعار يرتكبها الإرهاب المنظم في وضح النهار"، مذكّراً بسلسلة اغتيالات سابقة ظلّت بلا حساب، وكأنها رسائل متكررة لتكريس واقع الإفلات من العقاب.
على الأرض، دوّى صدى هذه الإدانات في الشارع التعزي الذي خرج في مسيرات عفوية، مردداً هتافات تطالب بـ"محاسبة القتلة وتطهير المؤسسات الأمنية من الفاسدين". مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى منصات غضب، حيث تناقل الناشطون مقاطع فيديو للحظة الاغتيال وكلمات المشهري السابقة عن التهديدات التي تلقتها، مع وسمٍ موحّد يطالب بكشف "الرؤوس الكبيرة" خلف الجريمة.
هذا التلاحم الشعبي لا يعكس فقط الحزن على شخصية عامة نظيفة السمعة، بل يعبر عن سخطٍ متراكم ضد نفوذ جماعات مسلحة ومراكز قوى حزبية باتت فوق القانون. فاغتيال أفتهان المشهري – بالنسبة لكثير من أبناء تعز – ليس نهاية مأساوية لمسؤولة شجاعة فحسب، بل ناقوس خطر ينذر بانهيار ما تبقى من سلطة الدولة، ما لم تتم مواجهة "القتلة الحقيقيين" ومن يقف وراءهم مهما علت مواقعهم.
المجتمع المدني يصرخ: كفى!
لم يمرّ اغتيال أفتهان المشهري مرور الكرام في أوساط النشطاء والمنظمات المجتمعية، بل فجّر موجة غضب غير مسبوقة عكست شعوراً متراكمًا بالخذلان من أداء السلطات. فقد أصدرت عشرات منظمات المجتمع المدني في تعز بيانات متتالية وصفت الجريمة بأنها "المسمار الأخير في نعش محاولات مكافحة الفساد"، معتبرة أن المدينة كلّها تعرّضت للطعن لا مجرد مسؤولة عامة. وأكدت هذه المنظمات أن "دم الشهيدة لا يجب أن يكون فصلاً آخر من محاولات تركيع المدينة وإذلالها، بل نقطة تحوّل تفرض تغييراً جذرياً في بنية السلطة".
وطالبت هذه المنظمات بقرارات عاجلة تبدأ بـ إقالة القيادات العسكرية والأمنية التي ثبت فشلها في حماية المسؤولين والمواطنين، مروراً بتشكيل لجنة تحقيق مدنية مستقلة تتابع القضية حتى تتحقق العدالة بعيداً عن نفوذ القوى المتنفذة. بعض المنظمات اقترحت إشراك ممثلين عن نقابات العمال والاتحادات الطلابية في اللجنة لضمان الشفافية والرقابة الشعبية، فيما دعا آخرون إلى مراقبة قضائية دولية إذا ما استمرت حالة المماطلة.
الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة تعز كان الأكثر وضوحاً في تحميل المسؤولية، واصفاً الجريمة بأنها "نتاج هوامير الفساد والانفلات الأمني وأعداء الإصلاح المؤسسي"، مؤكداً أن استشهاد المشهري "خسارة لقوى الدولة المدنية الحديثة التي كانت تبني نموذجاً نزيهاً للحكم الرشيد". وفي بيان مطوّل، حذّر الحزب من أن بقاء القيادات الأمنية والعسكرية الحالية يعني تكرار المأساة، داعياً إلى إعادة هيكلة شاملة للأجهزة الأمنية وتفعيل دور القضاء.
أما في الشارع، فقد ترددت هتافات "كفى عبثاً!" و"لن نصمت بعد اليوم" في وقفات احتجاجية ومسيرات تضامنية، حيث شارك فيها عمال صندوق النظافة وطلاب الجامعات ونشطاء حقوق الإنسان. ورفع المتظاهرون صوراً للمشهري كتب تحتها: "دمك أمانة لن نساوم عليها"، مرددين شعارات تطالب بتدويل التحقيق إذا لم يتم الكشف عن الجناة.
ويرى مراقبون أن هذا الضغط الشعبي يعكس إدراكاً عميقاً بأن الجريمة لا تمس عائلة الضحية وحدها، بل تضرب في صميم ما تبقى من ثقة المجتمع في إمكانية قيام دولة مؤسسات. وبالنسبة لمنظمات المجتمع المدني، فإن قضية أفتهان المشهري أصبحت امتحاناً حقيقياً لسلطات تعز: إمّا أن تكسر حلقة الإفلات من العقاب، أو تواجه انفجاراً شعبياً يطيح بما تبقى من شرعية الحكم المحلي.
تغييب العدالة والإنصاف
لم يقتصر الغضب على الشارع والنشطاء، بل تجاوزته الأصوات الأكاديمية والاجتماعية التي اعتبرت اغتيال أفتهان المشهري صفعة للنسيج المجتمعي والقانوني في محافظة تعز. فقد أشار الباحث الاجتماعي والأكاديمي عبدالإله يحيى عبد الملك في منشور مطوّل على صفحته في فيسبوك إلى أن المحافظة تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة وعادلة للأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية، لضمان عدم تكرار الجرائم والفوضى، مؤكدًا أن الانفلات الذي أفضى إلى مقتل المشهري هو نتيجة تراكمية لسوء إدارة هذه الأجهزة واستمرار نفوذ جماعات معينة على المناصب الحيوية.
وأضاف عبد الملك أن المحافظة عانت على مدار سنوات طويلة من تغييب العدالة وعدم إنصاف المناطق التي قدمت التضحيات الوطنية الكبرى، مثل مديريات صبر والمناطق المحررة في مسراخ ومشرعة والموادم، حيث حُرمت هذه المناطق من المناصب الحيوية لصالح جماعات بعينها، ما خلق شعورًا عميقًا بالظلم والاستياء الاجتماعي.
وأكد الأكاديمي أن ما جرى يمثل سابقة خطيرة تهدد الاستقرار الاجتماعي والقانوني للمحافظة، مشيراً إلى أن استمرار الانفلات الأمني والفشل في حماية المسؤولين المدنيين والمواطنين يجعل من تعز ساحة مفتوحة للتوتر والفوضى، ويهدد المكتسبات المدنية والديمقراطية التي تحققت خلال السنوات الماضية.
ودعا عبد الملك إلى خطوات عاجلة وحاسمة تشمل: إحالة جميع المسؤولين المتورطين في تقصيرهم إلى القضاء، إعادة توزيع المناصب وفق معايير الكفاءة والنزاهة والمناطقية العادلة، وتفعيل مؤسسات الرقابة والمحاسبة لتقديم التقارير المباشرة للقضاء، مع التأكيد على ضرورة مشاركة المجتمع المدني في متابعة تنفيذ هذه الإجراءات لضمان الشفافية والمساءلة.
وأضاف أن اغتيال المشهري ليس مجرد حادثة أمنية، بل رسالة تحذيرية لكل من يسعى لإصلاح مؤسسات الدولة، مشددًا على أن حماية موظفي الدولة والمسؤولين المدنيين يجب أن تصبح أولوية استراتيجية، وإلا فإن الفوضى ستستمر، وستتكرر مثل هذه الجرائم التي تعصف بأمن المحافظة واستقرارها الاجتماعي.
محاولات لاحتواء الغضب
في محاولة لتخفيف الغضب الشعبي بعد اغتيال أفتهان المشهري، أصدر مركز الإعلام الأمني في تعز بيانًا رسميًا أعلن فيه القبض على أحد المتهمين الرئيسيين، المدعو جسار أحمد قاسم، فيما أكد البيان أن الأجهزة الأمنية ستواصل ملاحقة بقية الجناة تحت إشراف مباشر من وكيل أول المحافظة الدكتور عبدالقوي المخلافي ومدير عام الشرطة العميد منصور الأكحلي.
رغم هذه الإجراءات، لم تهدأ ردود الفعل الشعبية والإعلامية، حيث اعتبر كثيرون أن القبض على أحد المشاركين في العملية لا يعالج القضية الأساسية، مشيرين إلى أن المنفذ ليس بالضرورة العقل المدبر للجريمة، وأن الحماية السياسية للمتورطين أو الفاعلين في الشبكات المرتبطة بالاغتيالات ما زالت قائمة، وهو ما يقلق المواطنين ويفقدهم الثقة في قدرة الأجهزة الأمنية على فرض القانون وحماية المدنيين.
وأشارت تقارير محلية إلى أن الشارع يعاني من إحباط متزايد بسبب تكرار الجرائم وعدم محاسبة القيادات الفعلية التي تستفيد من الفوضى والفساد، وهو ما يجعل كل محاولة رسمية لاحتواء الغضب الشعبي تبدو سطحية وغير كافية ما لم يتم اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة لمعالجة الانفلات الأمني وكشف شبكة النفوذ المتورطة في الجريمة.
وحث ناشطون ومراقبون أمنيون على ضرورة إجراء تحقيق شامل وشفاف، يشمل العقل المدبر والجهات التي وفرت الحماية للمنفذين، مؤكدين أن أي معالجة جزئية قد تؤدي إلى استمرار مسلسل الاغتيالات والفوضى في المحافظة، ويجعل تعز فريسة لانتهاكات مماثلة في المستقبل.
خسارة إنسانية ونداء للعدالة
أفتهان المشهري لم تكن مجرد مديرة حكومية، بل رمزاً للمرأة الوطنية القادرة على مواجهة الفساد وتحويل المرافق العامة المتعثرة إلى مؤسسات نموذجية تخدم المجتمع. خلال عامين فقط، أصبحت نقطة ضوء وسط الظلام الذي ألحقته الحرب والفوضى الإدارية بالمدينة. اغتيالها رسالة تهديد لكل من يحاول حماية المال العام أو بناء مؤسسات نظيفة وشفافة في بيئة متوترة ومسمومة بالمصالح والفساد.
اليوم، تعبر الشوارع والمكاتب عن غضب شعبي واسع، حيث تتعالى الأصوات المطالبة بـتحقيق دولي مستقل يكشف كل المتورطين، محاسبة المقصرين من القيادات الأمنية والإدارية، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية من جذورها. يرى ناشطون ومراقبون أن دماء المشهري لن تكون رقماً عابراً في سجل الاغتيالات التي شهدتها المحافظة، بل قد تصبح الشرارة التي تعيد البوصلة نحو دولة القانون والمؤسسات، أو تكشف أن تعز ما زالت محاصرة من قبل سلاح منفلت وشبكات فساد محمية سياسياً.
كما يؤكد المجتمع المدني والأكاديميون أن استمرار الإفلات من العقاب يعني استمرار دورة العنف والفوضى، وأن حماية حياة المدنيين، خصوصاً النساء القادرات على قيادة الإصلاح، ليست خياراً بل واجباً قانونياً وإنسانياً. ومن هذا المنطلق، تتوجه المطالبات العاجلة إلى الحكومة والسلطات المحلية بملاحقة جميع المسؤولين عن الإهمال، وإحالة القتلة وممن يقف خلفهم إلى القضاء، لتكون جريمة أفتهان المشهري نقطة فاصلة في مسار العدالة ومكافحة الفساد في تعز واليمن ككل.