انتحارات مشبوهة وتصفيات منظمة.. مسرحيات موت منفذي الاغتيالات في تعز

السياسية - منذ ساعة و 36 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

في مدينة ‎تعز، تبدو حلقات القتل والتصفية التي تطال المتهمين الرئيسيين في قضايا اغتيال قيادات مدنية وعسكرية، على أنها لوحة مأساوية تُعيد إنتاج مناخ الإفلات من العقاب — لكنّها في الوقت ذاته تكشف عما يشبه اختلال موازين الأمن والعدالة في المحافظة. 

فبين الروايات الأمنيّة الرسمية التي تروّج لسيناريوهات "الانتحار" أو "مقاومة الأمن" وبين ما يرويه مراقبون ونشطاء محليّون من تواطؤ أمني وتغطية ممنهجة لأطراف نافذة، يسود شعور عام بأن التحقيقات لا تنفتح على حقيقة الأطراف الحقيقية التي تقف خلف هذه الدماء.

المشهد الأمني في تعز يعاني منذ سنوات من ضعف واضح في استقلالية الأجهزة القضائيّة والأمنيّة، فضلاً عن حضور وهيمنة واضحة من حزب الإصلاح الإخواني في إدارتها. ويلاحظ مراقبون أنّ تكرار حوادث التصفية داخل السجون أو أثناء الاحتجاز — أي تحت رعاية ذات الجهات المطلوب منها التحقيق والملاحقة — يعكس أزمة ثقة عميقة تجاه نظام العدالة في المحافظة. ففي ظلّ تغول بعض القوى السياسية واحتواء الأجهزة الأمنية من قبلها، يتحول التحقيق إلى مجرد واجهة، بينما يُحاك "التسوية" خلف الستار لطمس الأدلة وتهريب المتورّطين.

تصفيات مفضوحة

حادثة تصفية غامضة تعرض لها الجندي مجاهد الشعبي، مرافق القيادي الإصلاحي حمود سعيد المخلافي وأحد المتهمين الرئيسيين في اغتيال المقدم عبدالله النقيب مدير أمن مديرية التعزية، أثناء احتجازه في داخل سجن الجهاز الأمني السياسي في تعز، عثر على جثته داخل السجن الذي كان محتجزًا فيه منذ فترة، فيما برّرت الأجهزة الأمنية الحادثة بأنها "انتحار". وقدمت رواية بأن المتهم قام بلفّ نفسه بقميصه داخل زنزانته، ما أدّى إلى وفاته على الفور، ونقلت جثته بصورة سريعة  إلى ثلّاجة مستشفى الثورة ومنع أسرته من استلامها أو معاينتها.

النيابة الجزائية في تعز رفضت نشر مزيد من التفاصيل حول الحادثة، معلّقة بأنها "في انتظار نتائج التحقيقات الرسمية". في المقابل، تُشير مصادر محلية إلى وجود محاولات من قبل جهات نافذة قريبة من حزب الإصلاح للتأثير على مجرى التحقيق، وبأن التخلص من الشعبي جاء في توقيتٍ يهدد بكشف "صندوقه الأسود" الذي قد يُفضي إلى تعرية قيادات عليا في حزب الإصلاح الإخواني المسيطر على تعز. ويُذكر أن مقتل المقدم النقيب وقع في 21 أغسطس الماضي إثر انفجار عبوة ناسفة زرعت داخل سيّارته وسط المدينة، وهو الحادث الذي ما يزال يشغل الرأي العام ويثير قلقاً عميقاً حول أمن المسؤولين والأجهزة في المحافظة.

وتفاعل ناشطون ومواطنون على مواقع التواصل مع وفاة الشعبي، معربين عن خوفهم من أن تؤدي الحادثة إلى تعطيل التحقيقات أو إلى الإضرار بمسار العدالة في القضية. وأكدوا على ضرورة تحقيق مستقل وشفاف يكشف الحقيقة كاملة ويقدّم المسؤولين عن اغتيال النقيب إلى العدالة، بما يعيد الثقة في المؤسسات الأمنية والقضائية في المحافظة.

ويرجّح ناشطون أن الحادثة جاءت في إطار عملية تصفية تهدف إلى طمس أدلة تورط قيادات أمنية موالية لحزب الإصلاح في سلسلة من جرائم القتل التي شهدتها مدينة تعز خلال السنوات الماضية. موضحين أن الحادثة تأتي استمرارًا لحالة التواطؤ والتمييع في قضايا القتل داخل المدينة.

تمييع مستمر 

ما جرى لمجاهد الشعيبي يطابق ذات السيناريو الذي تعرض له المتهم الرئيس في قضية اغتيال مديرة صندوق النظافة بـتعز ‎أفتنان المشهري، حيث تعرض المتهم صادق المخلافي للقتل على يد "الحملة الأمنية" رغم ما كان يُحكى عن محاصرته في إحدى المناطق السكنية وإصابته وإمكانية القبض عليه إلا أن المخلافي تعرض للتصفية من مسابقة قريبة قبل الوصول إليه. الرواية الأمنية خرجت حينها بالقول أن المتهم قتل بسبب اشتباكات أثناء مقاومته"، في حين خرجت قيادات محسوبة على حزب الإصلاح ومتورطة في جريمة اغتيال مديرة صندوق النظافة ببيانات متعددة مفادها أن المتهم قتل برصاص قناصة تابع لميليشيا الحوثي  في محاولة واضحة لتحويل التصفية إلى "نزال مسلح" أو "خارج سياق القضاء".

ويذكر أن صادق كان قد أدلى بتسجيلات مصوّرة تفصيلية اعتراف فيها بهوية قيادات أبرز من بينهم شقيق المخلافي وقيادات عسكرية متورّطة في اغتيال المشهري. وفق المصادر، فقد صدرت توجيهات من داخل "الإصلاح" لتنفيذ تصفية المتهم فوراً قبل القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، خشية أن يكشف ما وراء الخلايا الإرهابية التي تدير ملف الاغتيالات في المدينة.

مطالبة بتحقيق عاجل ومستقل

إن تكرار حوادث التصفية داخل محيط مُحتَجزين أو تحت قبّة السجون التابعة لأجهزة أمنية محسوبة على حزب الإصلاح، وخصوصاً حادثة انتحار مجاهد الشعبي داخل سجن الأمن السياسي في تعز، تثير تساؤلات جوهرية حول مدى وجود تحقيقات حقيقية ومستقلة. فالنشطاء يرون أن ما تمّ ترويجه كـ"انتحار" ليس سوى "ستار" لتصفية جسديّة تستهدف من لديه معلومات أو من يمثّل نقطة انطلاق نحو كشف مستور المؤامرة التي تقف خلف الاغتيالات. 

الناشط يوسف الطيار قال أن قتل مجاهد في تعز التي تتشابك فيها السياسة بالأمن، يُعد اغتيال للعدالة في الزوايا المظلمة، تم توقيفه على ذمّة قضايا، ولم يُسمح لأسرته بزيارته، ومن ثم تم العثور عليه مشنوقاً داخل زنزانة انفراديّة وتمّ الترويج بأنه انتحر." مضيفًا: روايات وشاهدات كثيرة من أفراد أسرته وأقاربه وأصدقائه وكل من عرفه يشككون في هذه الرواية وأن ماحدث هو تصفية، ويطالبون بفتح تحقيق عاجل".

بينما علّق محمد القيسي قائلاً: "هل أصبح "الانتحار" ستارًا للتغطية عن الجريم، فالجماعة لم يكن أمامها إلا خيار واحد: التصفية تحت مبرّر الانتحار الرخيص!"

كما قال سند ناجي العبسي: "هناك مؤشرات شبه مؤكّدة تفيد بأن ما تعرّض له مجاهد الشعيبي كان عملية تصفية جسديّة تمّ التخطيط لها بمنتهى الإحكام، ولم تكن عمليّة انتحار البتّة. مضيفًا: في ظلّ سيطرة سلطات أمنية تحوّلت وظيفتها من حماية المواطنين إلى حماية المجرمين والتستر عليهم."

وطالبت سارة القدسي: "مجاهد توفي في ظروف غامضة، وجرى الإعلان أنه انتحر في حبسه الانفرادي!،  إن طريقة تعامل الأجهزة الأمنية والجهات المختصّة توحي بأنّ الأمر ليس انتحاراً بل تصفية. نطالب بتشريح الجثّة عبر طبيب مستقل لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة وكشف الحقيقة أمام الرأي العام."

في ضوء ذلك، بدا من الضروري إطلاق تحقيق مهني وشفاف، يضم جهة قضائية من خارج المحافظة إن لزم الأمر، تُفصّ الحقائق الكاملة وتفتح ملف الاغتيالات المعقّدة في تعز، وكشف من يقف وراء إدارة الفوضى وتنفيذ الاغتيالات تحت غطاء الأجهزة الأمنية، وتقديمهم إلى العدالة بما يعيد للأمن والقانون في المحافظة هيبتهما.