المخا بعد التحرير.. مدينة القهوة التي غيَّرت وجهة الحرب في الساحل

السياسية - Saturday 26 January 2019 الساعة 12:12 am
عدن، نيوزيمن، سياف الغرباني:

ربما لم يكن يخطر ببال أي من سكان "جارة القارات" الواقعة على الضفة الشرقية للبحر الأحمر، أن القارب والشبكة وحياة البحر الباذخة بتفاصيلها، ستصبح مجرد ذكريات يحن إليها صيادو مدينة المخا.

لكن هذا ما حدث بالفعل، بعدما تدحرج وكيل مشروع التشيع، خلال عام 2014م من أعالي جبال صعدة، في أقصى الشمال، إلى مناطق الساحل التهامي، ليمارس صنوف الجريمة بحق أبناء الأرض، على امتداد الساحل الغربي لليمن، بأثر مناطقي وعنصري بغيض.

في تلك الأثناء، وضع فقيه الملازم، يده على المخا ومينائها الاستراتيجي، وحوّل المدينة إلى سجن بالغ السوء لسكانها، وهي التي ظلت، حتى وقت قريب، بؤرة تجارية نشطة على مستوى اليمن ودول القرن الإفريقي المحاذية.

ومنذ اللحظات التالية لسيطرتهم على مدينة المخا، عمل مسلحو الحوثي، على منع الصيادين من الإبحار تدريجياً، قبل أن يُحظر نشاط الاصطياد لاحقاً بقرار عسكري من قيادة جحافل المغول الجدد في المركز بصنعاء وصعدة.

وتعمد الحوثيون حرمان سكان مدينة المخا والقرى المحيطة، من مصدر رزقهم الدائم واتجهوا لاستهداف من يلج البحر لأي غرض، ليجد غالبية السكان أنفسهم دون مصدر دخل، فيما توقفت الحركة التجارية كلياً.

"نيوزيمن" يراجع ويستشرف من المخا.. في الذكرى الثانية للتحرير

واشتهرت مدينة المخا (94 كم غربي مدينة تعز) بأنها مصدر لأجود أصناف الأسماك في اليمن، وكان أغلب سكانها البالغ عددهم 62 ألفاً، حسب التقديرات الحكومية، يمتهنون العمل في صيد البحر.

وبالتوازي، أوقف مسلحو الحوثي، الخدمات الأساسية عن الأهالي في المدينة، بما فيها التيار الكهربائي، لتغرق المخا في ظلام دامس، إلى حين استعادت قوات المقاومة المدعومة من التحالف العربي السيطرة عليها كلياً في يناير 2017، بعد عملية عسكرية خاطفة لعبت القوات الإماراتية فيها رأس حربة.

وكانت قوات التحالف، بإسناد ميداني مباشر من القوات الإماراتية، سيطرت على المدينة في يناير 2017 بعد معارك شرسة استمرت أياماً، وانتهت باندحار الحوثيين خارج المخا ومينائها الاستراتيجي.

ويُعد ميناء المخا من أقدم الموانئ، وكان من أهم المراكز التجارية الواقعة على البحر الأحمر في القرن السابع عشر، ويعود له الفضل في التعريف بالبن اليمني الذي كان يصدّر عبره، وعرف وما زال يعرف باسمه "موكا".

وشكلت عملية تحرير مدينة المخا، وطرد الحوثيين خارجها، تحولاً عسكرياً جذرياً في معادلة معركة استعادة الدولة والجغرافيا من مخلب إيران، إذ وضعت حداً للخطر الذي كان يمثله وجود الحوثي، على ممر الملاحة الدولية البحرية في باب المندب، كما مكنت قوات التحالف من جعلها مركز ثقل عسكري لعمليات محور الساحل التهامي.

في المقابل، اتجهت قوات التحالف إلى إعادة الحياة في المدينة، تدريجياً، بدءاً من إعادة تشغيل محطة المخا الكهربائية لتزود منازل السكان بالتيار الكهربائي مجاناً، بعد ظلام لازمهم قرابة ثلاث سنوات، هي فترة سيطرة الحوثي.

ومع أن عملية تطبيع الحياة المدنية في المدينة، وإعادتها لفترة ما قبل "الوباء الحوثي"، سارت ببطء في المرحلة التي أعقبت عملية التحرير، بفعل فراغ السلطة والفوضى المركبة في هرم "الشرعية" التي تحولت إلى مشكلة حقيقية تمنع عودة مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، لكن المدنيين يعيشون حياتهم فيها بصورة طبيعية، كما استأنف الصيادون نشاطهم الاعتيادي.

وكان يفترض أن تُطبع الأوضاع في المخا عقب استعادة القوات المشتركة السيطرة عليها من يد الحوثيين، غير أن تآكل سلطة عبدربه منصور هادي الافتراضية، إلى جانب حسابات المعادلة العسكرية –في الفترة التي تلت السيطرة عليها- فرضت بقاء البعد العسكري للمدينة.

وتكمن أهمية السيطرة على المدينة ومينائها في تأمين ممر باب المندب الملاحي الاستراتيجي، إلى جانب قطع شريان بحري مهم كان يغذي الحوثيين بالأسلحة الإيرانية المهربة، عبر القرن الإفريقي إلى سواحل اليمن.

واستخدم الحوثيون ميناء المخا في عمليات استلام شحنات الأسلحة القادمة من السفن الإيرانية، وكذلك عمليات إرسال السلاح إلى ميناء الحديدة، إذ تحدثت منظمة أبحاث تسليح النزاعات، في وقت سابق، عن وجود خط بحري حيوي لتهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين في اليمن عبر إرسالها أولًا إلى الصومال.

في المقابل أعطى فعل تحرير المخا، قوات التحالف العربي القدرة على إطلاق عملية عسكرية من محورين: الأول، باتجاه مديريات الساحل الغربي في الحديدة. والآخر، باتجاه معسكر خالد الواقع شرقي المخا، الذي كان يُعد أكبر معسكر للحوثيين في تعز.

وقد مثلت المخا مركز انطلاق العمليات العسكرية ضد الحوثيين في مناطق جنوبي الحديدة، والشريط الساحلي الممتد من الخوخة جنوباً إلى الدريهمي، حيث المنفذ الجنوبي للمدينة، ذلك أن تحريرها جعل الطريق سالكاً أمام قوات التحالف، إلى مدينة الخوخة، ومنها إلى مدينة الحديدة نفسها.