استراتيجيا التضاد على مسارين في اليمن: التحرير والتعطيل
السياسية - Friday 01 March 2019 الساعة 08:48 pm
في الوقت الذي تتعطل أهداف التحرير ومجهوداته، انطلاقاً من مراكز تغوّل واستئثار القوى التقليدية المتحكمة في مأرب وإلى تعز وما بينهما شمالاً ووسطاً، فإن التركيز الكيدي يصرف الأنظار عن كل ما يحدث (وما لا يحدث) هنا ويذهب إلى افتعال فقاعات أزمات، وتسليط الضوء عليها في جهة الجنوب والشرق، حيث تتراكم شواهد التحرير تنموياً وأمنياً وعلى مسارات متوازية.
موجز من الساحل الغربي
على امتداد الطريق الساحلي؛ من باب المندب وحتى الخوخة، مروراً بذباب في واحجة والجديد، فالمخا والرويس والزهاري ويَخْتُل، وإلى حيس والتحيتا، أهم المراكز الحضرية إلى الجهة الجنوبية من الساحل الغربي، وتوغلاً إلى الجاح والدريهمي على مشارف مدينة الحديدة، علاوة على مديريتي موزع والوازعية غربي تعز بمحاذاة الساحل، ما يحدث هنا ليس هيّناً، ولكنه ربما غير مرئي في الإعلام كما يجب.
تستلفتك أعمال ومشروعات خدمية وتنموية في قطاعات: الصحة والصيد البحري وتسويق الأسماك والتعليم والزراعة والري والمياه والإضاءة، جميعها وفرّت رافعة قوية لتدوير عجلة التنمية والحياة اليومية والنشاط الاقتصادي.
هذا ما تنفذه حزمة مشاريع واستهدافات برامج الذراع الإنسانية لدولة الإمارات العربية المتحدة- هيئة الهلال الأحمر الإماراتي.
إلى هذا كله، تستوقفك أعمال استصلاح وتمهيد التربة في هيئة حقول مستحدثة تتوافر على آبار مياه جوفية حُفرت للتوّ وجُهزت بأنظمة الطاقة الشمسية وشبكات الري الحديثة ضمن توجه إنمائي يستهدف إعادة تنشيط وإدماج السكان في الزراعة والإنتاج الزراعي، كواحدة من برامج التدخلات الإيجابية التي تمولها وتنفذها هيئة الهلال في المناطق المحررة من تهامة والساحل.
التحرير استراتيجية مسارات
التناول والتداول الإعلامي لا يتطرق إلى تفاصيل كثيرة ومهمة، في سياق يعطي الأولوية للمجهودات العسكرية، مهمشاً أو مقصياً المجهود الأكبر في المجال الإنساني وبرامج التمويل ذات الأثر الاقتصادي والتنموي.
وبينما تتكرس في فضاءات إعلامية، مقطوعة الصلة غالباً مع مجرى الأحداث على الأرض، نمطية من التوظيف السياسي الكيدي لأخبار ومجريات هامشية وجانبية تماماً، فإن يوميات ومسارات التدخلات الإماراتية المبرمجة تعيد توصيف التحرير كهدف أول للحرب باعتباره حاصل معارك إحداها فقط عسكرية والبقية إنسانية وإغاثية وتنموية وخدمية.
لا ريب في أن المجهود العسكري الجبار والتضحيات الكبيرة للقوات المسلحة الإماراتية، إضافة إلى جهود وبرامج تأهيل وتدريب وتسليح القوات اليمنية بتشكيلاتها التي تتقاسم مسئوليات ومهام العمل العسكري، كانت في المحصلة النهائية العامل الأبرز في تحقيق انتصارات واسعة ضد الانقلابيين الحوثيين وداعميهم، في واحدة من أكثر الجبهات أهمية وخطورة (الساحل الغربي/ باب المندب).
لكن هذا ليس كل شيء. في الحقيقة هناك معارك متوازية تسير في آن واحد. وهي تسبق وتواكب وتخلف المعركة العسكرية. لربما كان الرأي العام اليمني والعربي والخارجي، غير ملمّ بالكثير من المعطيات والتفاصيل على صلة ببرامج الدعم والتمويل الإنساني بالغة الأثر في حياة الملايين من اليمنيين.
برامج الهلال الأحمر الإماراتي وتدخلاته، واسعة الطيف، أعطت وكرست انطباعاً إيجابياً حيال آلية عمل مؤسسي تتسم بالكفاءة والفاعلية والاستجابة في الظروف والأوقات الحرجة.
التعطيل أيضاً استراتيجية
في المقابل لا تتورع أطراف وجهات خارجية وأدواتها المحلية واليمنية، عن افتعال وصناعة وجبات تأزيم ومناسبات تحريض وتحريك، إعلامي وسياسي، يعيد الجدل إلى مربع البدايات الأولى، وعلى صلة بصراع المحاور ولمصلحة محور (تركيا إيران قطر) وضمن مداره الحوثي والإخوان كقوى تمثيلية على الأرض وفي جبهات الأداء.
ومن المهرة وحتى عدن مروراً بحضرموت وشبوة وأبين وإلى لحج والضالع، تزامنت برامج التأهيل والتمويل المحلي أمنياً وتنموياً وإغاثياً وإنسانياً، لتنشأ بالمثل ظواهر طفح طفيلية مهووسة بالتأزيم والصخب، على هامش الحركة الإيجابية الناتجة عن تكرس وتطبيع الحياة ودوران عجلة الاستقرار النوعي ثم المتراكم.
وترتد الارتهانات والمراهنات، بنظر أدوات ووكلاء الغواية القطرية / الإخوانية، إلى استيقاد بؤر توتر وأزمات خلال المساحة الجغرافية الممتدة من أقصى الشرق وإلى الساحل الغربي في تهامة، والتي تنعم بأكبر قدر من الاستقرار والسلم والتراكم الإيجابي محلياً وأمنياً وتنموياً وحتى سياسياً.
الأنموذج الواحد يغيب بين كثرة عامرة بالفوضى والتخريب والصراع والتآكل الداخلي في مناطق ومراكز ومساحات سيطرة وتكرس النفوذ السياسي والعسكري لمصلحة الإخوان، من مأرب والجوف والبيضاء وجبهة صنعاء، وحتى تعز كأبرز مثال لمساوئ الارتكاز على النفوذ السلطوي وتحلل أهداف وغايات التحرير وتعايش الانقلابيين والشرعويين جنباً إلى جنب.