الحوثي.. من الخميني إلى الإمام.. ما سر اختيار 11 فبراير و21 سبتمبر؟

السياسية - Friday 28 June 2019 الساعة 11:21 pm
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

لتواريخ الأحداث وشعاراتها أهمية كبيرة لدى الجماعات التي تعتمد على الدعاية وصناعة الرأي العام بشكل مفرط. فمن أين أتى تاريخ 11 فبراير الذي اعتبره شباب الساحات تاريخاً لانتفاضة 2011 رغم أنهم خرجوا إلى الساحات منتصف يناير، وخاضت توكل كرمان جدليات واسعة مع الشباب المستقل لفرض تاريخ بذاته؟

ومن أين جاء تاريخ 21 سبتمبر الذي انقلب فيه الحوثيون على الدولة اليمنية واعتبروه لاحقاً (ثورة).. فرغم دخولهم صنعاء قبله فعلياً، إلا أنهم خططوا للتوقيع على ما سمي بـ"وثيقة السلم والشراكة" التي أخرجت البلد من السلم إلى الحرب، وأخرجته من الشراكة إلى الاستحواذ في تاريخ محدد هو 21 سبتمبر 2014، وعكف المبعوث الأممي جمال بنعمر في صعدة حتى تمكنوا من السيطرة على العاصمة وأبرز مؤسساتها المدنية والعسكرية ليوافقوا على التوقيع في ذلك التاريخ تحديداً؟

ومن أين جاء شعار الحوثيين بالموت واللعن لغيرهم المعروف بـ"الصرخة" في 2002؟

عاد الخميني، قائد ما عُرفت بالثورة الإسلامية الإيرانية، من باريس إلى طهران أول أيام فبراير 1979، لكن إسقاط نظام الشاه تأخر حتى 11 فبراير من نفس العام، فتم اعتماد ذلك التاريخ يوماً للثورة في إيران.

في الحرب السادسة بين الحوثيين والجيش اليمني، وبوساطة قطرية أدت إلى خلافات شديدة يومها بين الرياض وصنعاء، تم إعلان وقف إطلاق النار وانتهاء الجولة السادسة من الحرب بتاريخ 11 فبراير 2010، وخلال عام واحد كان الحوثيون يشتركون مع الإخوان المسلمين وبعض الشباب المستقلين والقوميين واليساريين في الانتفاضة ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وكما كان الإخوان المسلمون أبرز من حالف ثورة الخميني في إيران، كانوا أبرز من توافق مع الحوثيين في ساحات 2011.

لم يكن للشباب المستقل والمنتمين للأحزاب الصغيرة آلة دعائية كبيرة تسمح برفع أصواتهم وإظهارها للرأي العام، فتم استخدامهم جسراً لتحقيق أهداف الإخوان الحوثيين، وبعدما خرج هؤلاء إلى الساحات مع سقوط نظام زين العابدين في تونس، ومع سقوط نظام مبارك في مصر خلال يناير 2011، جاء من قفز على التاريخين وحدد تاريخ 11 فبراير 2011 باعتباره ذكرى سنوية للانتفاضة ضد صالح، ولم يكن من حيلة بيد هؤلاء، فهللوا لذلك التاريخ الذي لا يعلمون دلالته ولا رمزيته ولا جذوره، ليعتمدوا ذكرى الثورة الإيرانية، التي هي نفسها ذكرى وقف الحرب على المتمردين الحوثيين، ذكرى سنوية لما سموه بدورهم (ثورة).

هل توكل كرمان هي من فرضت ذلك التاريخ، وهل تدخلت قطر، باعتبار توكل إحدى صنائعها في اليمن، وهي وحدها من امتلكت خيوط اللعبة بدعمها المباشر للحوثيين والإخوان معاً يومها، وهي من توسط بين صنعاء والحوثيين لوقف الحرب السادسة أيضاً بنفس التاريخ، أم أن إيران هي من أوعز للدوحة بذلك، أم أنها جهود حوثية مستقلة لإثبات الولاء لطهران، والتدليل على قدرة الجماعة على تضليل الآخرين وفرض رغباتها عليهم؟!!

هذه التفاصيل على شباب ساحات 2011 وحدهم توضيحها، وتقديم شهادتهم حولها، وكثير منهم كانوا على اطلاع مباشر بما دار من مفاوضات حول تحديد تاريخ موحد للمناسبة، أو على الأقل عليهم الاعتراف بتعرضهم للتضليل والابتزاز والخطف من قبل جماعتي الإخوان والحوثيين.

رغم أهمية التفاصيل للتوثيق، إلا أن استمرار احتفال الحوثيين بالمناسبة في صنعاء بعد 2014 رغم تحالفهم مع صالح وحزب المؤتمر يومها، وخصومتهم الظاهرية مع الإخوان، مؤشر على أنهم أصحاب الحق الفكري في اختيار تاريخ المناسبة.

إذا اتضح أن 11 فبراير كتاريخ صنيعة حوثية، فماذا عن 21 سبتمبر 2014، وما دلالة هذا التاريخ؟

في 21 سبتمبر 1962 تمت مبايعة محمد البدر نجل الإمام أحمد ملكاً لشمال اليمن، ولم يدم حكمه إلا خمسة أيام بإعلان الثورة على نظام الأئمة وقيام الجمهورية يوم 26 سبتمبر 1962، ولأن الحوثيين كفكرة وطموح يريدون استعادة نظام الأئمة إلى اليمن، فقد وضعوا تاريخ مبايعة الإمام الأخير تاريخاً لبدء استعادة ما يعتبرونه حقاً لهم دون اليمنيين في حكم البلاد، يوم سيطرتهم على العاصمة صنعاء التي طرد منها البدر في 1962 إلى غير رجعة.

الأهم من ذلك أنه دلالة على عدم اعترافهم بثورة 26 سبتمبر 1962، وأكبر وأصدق مؤشر على ذلك أن عبدالملك الحوثي الذي يختلق المناسبات السخيفة لخطاباته المتكررة لم يقم ولو مرة واحدة بإلقاء خطاب بمناسبة ذكرى ثورة سبتمبر 1962 حتى الآن.

مع زعم عبدالملك الحوثي في خطابه بمناسبة ذكرى صرخة جماعته، أنها كانت رداً على زمن الهيمنة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر، فإن صرخة الحوثيين منذ 2002 وهو تاريخ تدشين الجانب العلني من الولاء لطهران، هي نفس الشعار الذي رفعه الخميني في ثورته ضد الشاه في فبراير 1979، والذي ملأ شوارع إيران، وجامعاتها ومساجدها.

من جهة أخرى، لا يمكن أن تمر دلالة مباشرة على ارتباط شعار الصرخة الحوثية بطهران، وبطموحها في اليمن، فقد قال حسين الحوثي مع رفع الصرخة في محاضراته لأتباعه، إن الجيش اليمني سيتفكك وسينهار، لأنه وقف مع صدام حسين ضد الخميني، لأن الله سينتقم منه لمحاربته ثورة الخميني الإسلامية، وكان ذلك يعني أن طهران قد وضعت الخطة لمسار الحوثيين بشكل واضح، وهو الأمر الذي تم تنفيذه بتوظيف وخلق كل الذرائع الممكنة، حتى أعلن هادي إعادة هيكلة ما سماه الإخوان المسلمون بــ"الجيش العائلي"، وكان الخبراء الأجانب جاهزين للمهمة التي نرى تبعاتها اليوم، ورأيناها منذ سنوات.

لقد تفوق الحوثيون في الدعاية واستخدامها المفرط لتحقيق أهدافهم على الإخوان المسلمين، رغم امتلاك الأخيرين لآلة إعلامية جبارة إلا أنهم وظفوها لأهداف جانبية تصب في مصلحة الحوثيين حتى اليوم.

يبدو أن إيران عملياً هي المدير الإقليمي للإخوان المسلمين، وعلاقتها بنظام مرسي، وحركة حماس وقطر، مؤشر واضح على ذلك، إضافة إلى مؤشرات أخرى.