اقتصادان نقديان في بلد واحد.. مدير البنك الأهلي يحلل أسباب ارتفاع سعر العملة

إقتصاد - Friday 15 January 2021 الساعة 08:47 pm
نيوزيمن، كتب/ د. محمد حسين حلبوب:

للإجابة على هذا السؤال من الضروري الإشارة إلى الأمور التالية:

أولاً: بسبب إجراءات الحوثي (النقدية، والجمركية)، تشكل في اليمن اقتصادان نقديان منفصلان عن بعضهما. اقتصاد نقدي خاص بالمناطق التي يحكمها الحوثي، تتداول فيه رسمياً (العملة القديمة) ويجرم فيه التداول (بالعملة الجديدة)، وتصادر السلطات ما تجده منها. واقتصاد نقدي خاص بالمناطق التي تحكمها الشرعية. تستخدم فيه رسمياً (العملة الجديدة) و(العملة القديمة).

وكنتيجة لذلك أصبح (للعملة الجديدة) عرض وطلب خاص بها. وسوق محدود يتمثل بالمناطق التي تحكمها الشرعية فقط. بينما أصبح (للعملة القديمة) عرض وطلب خاص بها ولكن سوقها ظل أكثر اتساعاً. حيث يشمل على مناطق الحوثي، ومناطق الشرعية أيضاً.. ولكن بحكم تفضيل السكان واستقطاب العملة القديمة من قبل (البنك المركزي للحوثي) انحصر سوقها -عملياً- في مناطق سيطرة الحوثي. 

ثانياً: كنتيجة للحرب والوضع الاقتصادي المتدهور، ولأسباب أخرى انهارت الثقة بالجهاز المصرفي، فأصبح سعر صرف (الريال شيكات) أقل بكثير من سعر صرف (الريال كاش). وأصبح (للريال شيكات) أيضا عرض وطلب خاص به وبالتالي سعر صرف خاص به يقل بنسب متغيرة عن سعر صرف الريال الجديد وعن سعر صرف الريال القديم.

وهكذا أصبح في اليمن -عملياً- ثلاث عملات: (الريال الورقي القديم)، و(الريال الورقي الجديد)، و(الريال شيكات). ولكل منها سوق خاص به وسعر صرف مختلف عن الآخر.

وبهكذا (تشوه) لسوق العملة في اليمن، أصبح (العرض النقدي)، ثلاثة عروض. وذلك على النحو التالي:

1- (العرض النقدي) من (العملة الجديدة) ويساوي (النقد الورقي المتداول (البنكنوت) بالعملة الجديدة) فقط. ويتم إصداره من قبل البنك المركزي عدن. ووصلت قيمة ما تم إصداره منها -حسب آخر معلومات غير مؤكدة لدينا- الى (1.755 ترليون ريال جديد).

2- العرض النقدي من (العملة القديمة) ويساوي (النقد الورقي المتداول (البنكنوت) بالعملة القديمة فقط. وتم إصدار الجزء الأكبر منه والبالغ (810 مليارات ريال) من قبل البنك المركزي صنعاء قبل عام 2015م. ولاحقا تم إنزال ما كان مخزوناً من العملة القديمة، مبلغ وقدرة (625 مليار ريال قديم). أي أن إجمالي (العرض النقدي) من (العملة القديمة) يصل الى (1.435 ترليون ريال قديم).

3- العرض النقدي من (الريال شيكات) ويتكون من:

أ- (الودائع تحت الطلب، الودائع لآجل، ودائع الادخار)، التي كانت موجودة في البنك المركزي صنعاء وفي البنوك التجارية والإسلامية قبل الحرب وبلغت قيمتها (2.225 ترليون ريال يمني).

ب- ما يتم إصداره من قبل البنك المركزي صنعاء لتغطية العجز في ميزانية حكومته ما يتم احتسابه من أرباح أذون الخزانة ويضاف إلى قيمتها. وقد بلغ ما تم إصداره (3.1 ترليون ريال يمني).

ج- (مبلغ ضخم غير معروف لأي أحد) يتم (خلقه) لدى الصرافين، على شكل (تسهيلات ائتمانية) غير محدودة السقوف. وذلك بعد ان اصبح كثير من الصرافين يقوم بمهام البنوك، دون ان تطبق عليهم الالتزامات والقيود التي يفرضها البنك المركزي على البنوك في منح (التسهيلات المصرفية).

وهكذا بلغ إجمالي عرض النقد (للريال شيكات) (5.3 ترليون ريال شيكات س) -- (2.225 3.1) س --. وهذا مبلغ ضخم جدا ويمثل العامل الأساسي في تدهور العملة (باشكالها الثلاثة).

وفيما يخص (العملة الجديدة) فقد ظهرت عوامل استثنائية أدت إلى زيادة كبيرة في العرض منها وذلك على النحو التالي:

1- قيام (البنك المركزي للحوثي) بتطبيق (التجربة النقدية الكردية) في العراق بعد حرب عام 1990م، وتعامل مع (الطبعة القديمة) للريال اليمني، كما تعاملت (حكومة كردستان) مع (الطبعة السويسرية) من العملة العراقية. أي عدم الاعتراف بالعملة الجديدة. وبذلك تم (طرد) ما تم إصداره من (العملة الجديدة)، من (مناطق الحوثي) إلى مناطق الشرعية. فزاد العرض من (العملة الجديدة) بشكل كبير في مناطق الشرعية.........(1).

وبغض النظر عن حجم الخسائر المهولة، التي تحملها القطاع الخاص في (مناطق الحوثي)، وعن الركود الاقتصادي الشديد الذي يعيشه اقتصاد مناطق الحوثي، إلا أن (البنك المركزي للحوثي)، كسب (معركة اقتصادية) مهمة. من خلال سحب البساط من تحت أقدام (البنك المركزي عدن)، ووضعه في موقف حرج للغاية. (برد بضاعته إليه).

2- جمع (بنك الحوثي المركزي)، كمية كبيرة من (العملة الجديدة)، بأشكال مختلفة كان من أهمها:

- مصادرة، الأموال من القطاع الخاص.

- استبدال (مئة ألف) لكل مواطن من (العملة الجديدة)، بعملة الكترونية.

 - ما جمعه (البنك المركزي الحوثي) من إيرادات حكومية، قبل إعلان عدم اعترافه (بالعملة الجديدة).

ومن المؤكد أن (البنك المركزي للحوثي) لم يحرق أو يتلف ما جمعه. بل استخدم ذلك في شراء العملات الأجنبية، والسلع التي يحتاجها، (للمجهود الحربي)، من مناطق الشرعية. وهذا الأمر أدى إلى زيادة العرض من (العملة الجديدة)، في مناطق الشرعية............ (2) 

3- اعتمد البنك المركزي عدن على (التدخل المباشر في السوق) من خلال (الوديعة السعودية). كأداة، وحيدة -تقريباً- للحفاظ على سعر صرف (العملة الجديدة)، واهمل بقية أدوات السياسة النقدية. 

ومن وجهة نظري، فإن تجربة التدخل المباشر في السوق من خلال (الوديعة السعودية)، كانت تجربة فاشلة بكل المقاييس. وكان (الحوثي)، هو المستفيد الأكبر منها، ليس لأنها حلت له مشكلة استيراد السلع الأساسية، والمشتقات النفطية، لسكانه الأكثر عددا. لا بل إنها زادت من ايراداته الجمركية، ومنحته فرصة استخدام ما جمعه من الإيرادات الحكومية، لشراء العملات الأجنبية المتدفقة إلى اليمن من تحويلات المغتربين ومن المنظمات الدولية. والأمر الذي مكنه من تغطية مشترياته العسكرية بالعملات الأجنبية، وتكوين، (احتياطي نقدي بالعملة الأجنبية) لبنكه المركزي.

4- استمر (بنك الحوثي المركزي)، في تغطية الجزء الأكبر من عجز ميزانية (حكومة الحوثي)، (بالتمويل التضخمي). من خلال إصداره (شيكات بدون رصيد). تحظى (بالقبول العام)، بسبب اعتراف البنك المركزي عدن بها. 

وقد حصلنا على وثيقة (سرية) يعترف فيها الحوثي بأن إجمالي قيمة ما أصدره من (عملة) يتم تداولها على شكل (شيكات بدون رصيد) قد بلغت (3) ترليونات ريال يمني. والمأساة أن جزءاً كبيراً منها، كان ولا يزال يتم تسييلها (تحويلها إلى كاش). وذلك (بعملات جديدة)، عبر البنك المركزي عدن، عبر (آلية المقاصة) وبذلك أصبح العرض من (العملات الجديدة) غير محدود........(3).

وفي الجانب الآخر (جانب الطلب على العملة الجديدة)، فقد تأثر بالعوامل التالية:

1- انخفاض الطلب على العملة الجديدة من قبل سكان مناطق الحوثي. لكون ميزان المدفوعات بين مناطق الحوثي ومناطق الشرعية لصالح مناطق الحوثي. 

وذلك نظراً للسياسة المالية التوسعية لحكومة الشرعية. والسياسة المالية الانكماشية لحكومة الحوثي، ولأسباب سياسية وإدارية أخرى.

أي أن المقبوضات من صادرات مناطق الحوثي إلى مناطق الشرعية تحويلات مغتربية من مناطق الشرعية أكبر من مدفوعاته إلى مناطق الشرعية....... (4) 

2- انخفض الطلب على (العملة الجديدة) نتيجة انخفاض العرض من العملات الأجنبية، لأسباب كثيرة من اهمها:

أ- انخفاض صادرات المشتقات النفطية....(5)

ب- انخفاض الصادرات الخدمية.. (6)

ج - توقف الصرف من الوديعة السعودية....(7)

د- توقف المقبوضات من العملات الصعبة التي كانت تدفعها الإمارات لتغطية النفقات العسكرية...(8)

ه- توقف المقبوضات من العملات الأجنبية التي كانت تدفعها السعودية لتغطية النفقات العسكرية... (9)

وهكذا نصل إلى خلاصة مفادها أن (العرض من العملة الجديدة)، زاد بصورة كبيرة، نتيجة للعوامل (1، 2، 3، 4،) وان (الطلب على العملة الجديدة) انخفاض نتيجة للعوامل (5، 6، 7، 8، 9).

الخلاصة: أن معالجة تدهور سعر صرف العملة الجديدة يتطلب معالجة كل من العوامل التسعة أعلاه. وعلى وجه الخصوص العامل الأساسي المتمثل في (زيادة العرض من العملة الجديدة)، التي يسببها تحويل (الريال شيكات) إلى (كاش) بالعملة الجديدة، والناتج عن ضعف إدارة البنك المركزي عدن وتواطؤ وفساد بعض موظفيه.