تحديات التسوية السياسية على ضوء صراع الإيرادات بين الحكومة والمحافظات المحررة

تقارير - Wednesday 29 November 2023 الساعة 08:58 am
عدن، نيوزيمن، عمار علي أحمد:

يعكس القرار الأخير لسلطة حضرموت بقطع توريد إيرادات المحافظة لحساب الحكومة المركزية، أحدث فصول النزاع الإداري والسياسي الذي تعيشه المناطق المحررة كنتاج لواقع ما بعد الحرب التي فجرتها جماعة الحوثي- ذراع إيران في اليمن 2015م.

حربٌ تفجرت جراء محاولات الجماعة فرض نفسها بديلاً عن الدولة التي أسقطتها باقتحام العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م، ومحاولتها عقب ذلك التمدد والسيطرة عسكرياً على مأرب وتعز والجنوب لتواجه بمقاومة عنيفة تمكنت من دحرها من هذه المناطق بمساندة من التحالف العربي.

وكما كان للحرب نتائج عسكرية واقتصادية وإنسانية في اليمن بشكل عام، كان لها نتائج أخرى غير ملموسة غيرت من واقع المناطق المحررة، وخاصة في شكل السلطة بعد أن قضت الحرب على فكرة "المركزية"، وعززت من شعور "الاستقلالية" لدى سلطات المحافظات.

وهو ما خلق خلافاً يرقى إلى حالة الصراع بين حدود وصلاحيات الحكومة أو الرئاسة وبين السلطات المحلية بالمحافظات المحررة، انعكس في حالات وحوادث متكررة ومستمرة منذ 8 سنوات، وحول قضايا متعددة أبرزها التعيينات وأشدها الموارد جراء الخلط بين ما هو مركزي وما هو محلي.

فخلال السنوات الماضية كررت الحكومة الشرعية شكواها من تعدي السلطات المحلية على الإيرادات المركزية ورفض بعضها توريدها إلى حساب الحكومة بالبنك المركزي بشكل كامل كما هو حاصل في مأرب التي ترفض سلطاتها منذ 2015م توريد عائدات الغاز المنزلي والنفط المكرر محلياً والتي تصل لمليارات الريالات سنوياً.

هذا الرفض ما زال مستمراً حتى اليوم على رغم من أن محافظها سلطان العرادة بات عضواً في مجلس القيادة الرئاسي أعلى هيئة تنفيذية، وتبرر الأوساط المقربة من سلطة مأرب ذلك بأن إيرادات المحافظة تُسخر للمعركة التي تخوضها من 8 سنوات ضد جماعة الحوثي والتي تعد أعنف وأشرس الجبهات العسكرية، وأن الحكومة تخلت تماماً عن دورها في دعم المعركة ودفع رواتب الجيش هناك.

ذات التبرير ترفعه اليوم سلطات حضرموت لقرارها بتحويل إيرادات المحافظة وميناء منفذ الوديعة البري لحساب المحافظة، حيث قالت بأنه جاء "للإيفاء بالتزامات الخدمات تجاه المواطنين"، متهمة الحكومة بالتخلي عن التزاماتها تجاه المحافظة مع استمرار وقف تصدير النفط من المحافظة والذي كانت تتحصل السلطة المحلية منه على نسبة 20%.

وجاء القرار عقب اجتماع للمكتب التنفيذي للمحافظة برئاسة المحافظ مبخوت بن ماضي، في حين أشار الخبر الرسمي للاجتماع إلى أن المكتب استعرض أبرز التحديات والصعوبات وفي مقدمتها قطاع الكهرباء، الذي يحمّل السلطة المحلية مبلغ 96 مليار ريال مقابل الإيفاء بالتزامات محروقات المولدات، إلى جانب تحمّل المحافظة أعباء الخدمات التي تعد من الواجبات على الحكومة.

وهو ذات الأمر الذي سبق وأن اتخذه محافظ العاصمة عدن أحمد لملس منتصف شهر يونيو الماضي، عقب ترؤسه لاجتماع بمديري الجمارك والضرائب وعدد من المؤسسات الإيرادية في عدن، بمنع توريد إيرادات المحافظة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، احتجاجاً على اشتداد أزمة الكهرباء جراء تجاهل الحكومة تزويد محطات التوليد بالوقود.

وبعيداً عن المبررات التي تسوقها السلطات المحلية لهذه المحافظات، إلا أنها تعكس في حقيقتها النزعة "الاستقلالية" التي نمت بسبب الحرب والشعور بأن التضحيات التي قدمها أبناء هذه المحافظات في مواجهة مليشيات الحوثي أو تنظيم القاعدة، يبرر أي موقف رافض لتسليم أي إيراد يُحصّل على أرضها.

إلا أن المشهد يفرض تحدياً كبيراً في وجه التسوية السياسية التي يتم الإعداد لها من قبل الأمم المتحدة والإقليم والمجتمع الدولي لإنهاء الحرب في اليمن، سواء في مرحلتها الأولى أو في مراحلها النهائية.

فالمدخل لهذه التسوية أو ما تسمى بخارطة الطريق المطروحة حالياً تتضمن إجراءات اقتصادية ومالية تُمهد للدخول في مفاوضات الحل النهائي، وجاء أغلبها استجابة لشروط جماعة الحوثي، وعلى رأس هذه الإجراءات الحديث عن تقاسم إيرادات النفط والغاز لدفع مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة.

وهو ما يلاقي رفضاً داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث يرفضه بشدة المجلس الانتقالي الجنوبي والذي يمتلك ثلاثة أعضاء بالمجلس الرئاسي، وسبق للانتقالي وأن عبر بشكل علني عن رفضه لذلك، باعتبارها ثروات "جنوبية" فأغلب الإنتاج النفطي يأتي من محافظتين جنوبيتين هما شبوة وحضرموت، بالإضافة إلى معارضة من قبل عضو رابع بالمجلس الرئاسي وهو سلطان العرادة محافظ مأرب (المحافظة النفطية الثالثة) بحسب ما كشفته تقارير صحفية مؤخراً.

هذا الرفض يستند إلى مزاج شعبي ورسمي في المحافظات النفطية والمحافظات المحررة بشكل عام، لم يعد يفرق بين ما هو "إيراد محلي" وآخر "مركزي"، بل يرى أن كل ما داخل حدود المحافظة ملك لأبنائها ولا يجب التفريط فيه، ما يُصعب من إمكانية أن تقبل المحافظات النفطية كسلطة ومجتمع بتقاسم ما ينتج من أرضها مع جماعة قاتلتها بالأمس.

كما أن الصراع الذي تخوضه الحكومة "الشرعية" بين الحين والآخر مع السلطات المحلية بالمحافظات المحررة، يعكس حجم الصعوبة إن لم يكن الاستحالة أن تقبل سلطات هذه المحافظات وأبناؤها أن تخضع ولو صورياً لسلطة أو حكومة مركزية تدير اليمن وتشارك فيها جماعة الحوثي، كما يحلم "طباخو" التسوية السياسية.