تحليل: نهج أميركا في اليمن لا يحقّق نجاحاً ويصب في صالح الحوثي وإيران

تقارير - Saturday 03 February 2024 الساعة 04:12 pm
عدن، نيوزيمن:

أكد تحليل نشره مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران تقوم باستخدام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في فلسطين بشكل انتهازي لتحقيق أهدافها داخلياً وخارجياً على حدٍّ سواء.

وبحسب التحليل فإن الحوثيين أردوا عكس مسار تراجع التأييد الشعبي لهم من خلال التعويل على موقف اليمنيين الداعم للفلسطينيين والمناهض للتدخل الدولي في الحرب على قطاع غزة. خصوصا وأن السخط الشعبي تجاه الحكم الحوثي تصاعد بشكل كبير وبرز من خلال إضرابات معلّمي المدارس الحكومية في أغسطس 2023 احتجاجًا على عدم دفع رواتبهم المتأخرة، فضلًا عن الاحتفالات الشعبية العفوية بذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962. حيث سعى الحوثيون إلى تحويل انتباه الناس نحو مشاغل أخرى.

وأضاف: "أما خارجيًا، فقد أراد الحوثيون الاضطلاع بدورٍ أكبر ضمن محور المقاومة الموالي لإيران، وتعزيز مكانتهم الإقليمية، واستعراض قوتهم العسكرية".

التحليل أعده الباحث إبراهيم جلال، وهو مستشار بارز وباحث غير مقيم في برنامج شبه الجزيرة العربية في معهد الشرق الأوسط، تركّز اهتماماته البحثية على عمليات السلام والحوار بقيادة أطراف ثالثة في اليمن، والانتشار الواسع للقوى المسلّحة غير الحكومية، وأمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وغيرها من المواضيع.

وأشار الباحث في تحليله: إن التحدّي الذي يطرحه الحوثيون على الملاحة البحرية اليوم هو حصيلة سوء إدارة المجتمع الدولي للصراع اليمني في العام 2018 وسياسات الاسترضاء والاحتواء التي مُنيت بالفشل. موضحا أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فرضتا في نهاية 2018 اتفاقية ستوكهولم على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ما منعها من استعادة الحديدة؛ خصوصا وإن الاتفاقية جاءت بعد اعتراف زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، أن قواته مُنيت بالهزيمة على أيدي القوات الحكومية في معركتها للسيطرة على الحديدة، ما عنى أن الحوثيين تمكّنوا من انتزاع الانتصار السياسي من براثن الهزيمة العسكرية.

وأوضح التحليل: "إن توقيع اتفاقية ستوكهولم، زاد الحوثيين جرأةً، فانتقلوا من وضعية الدفاع إلى الهجوم، فأحكموا قبضتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، وقمعوا المعارضة، وبسطوا سيطرتهم على المزيد من المناطق، وسرعان ما أصبحوا يشكّلون تهديدًا فعليًا على مأرب الغنية بالموارد ومعقل الحكومة اليمنية، وعلى المناطق الساحلية التي تسيطر عليها الحكومة خارج الحديدة".

وحول التطورات الحاصلة في البحر الأحمر، استبعد تحليل مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن تؤدي الضربات الجوية والبحرية التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية وتحالفها العسكري إلى إضعاف قدرات الحوثيين بشكل كبير؛ حيث أن الإجراءات التي اتّخذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعد محدودة ورمزية، وثمة تساؤلات حول ما إذا تمّ تحديد أهداف عسكرية عالية القيمة.

وينفذ التحالف البحري والجوي بقيادة الولايات المتحدة منذ  12 يناير الماضي، ضربات ضدّ مواقع الحوثيين في اليمن، ردًّا على الهجمات التي تستهدف سفن الشحن في البحر الأحمر. ورأت الولايات المتحدة أن الردّ القوي على هجمات الحوثيين كان ضروريًا بسبب التداعيات الاقتصادية الناجمة عنها، بعدما تعطّلت ما نسبته 30 في المئة من حركة الحاويات البحرية العالمية وما لا يقل عن 12 في المئة من إجمالي حجم التجارة البحرية العالمية، التي تصل قيمتها إلى نحو تريليون دولار. ودفعت هجمات الحوثيين شركات الشحن العالمية إلى تجنّب البحر الأحمر على نحو متزايد، وتحويل مسار سفنها باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا.

وذكر التحليل: "المسؤولون الأميركيون يتحدثون من أن الغارات التي شنّها التحالف ضدّ الحوثيين أدّت إلى خفض قدراتهم الهجومية بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة". حتى لو كان ذلك صحيحًا، من المستبعَد أن تُحدث هذه العملية فرقًا استراتيجيًا في سلوك الحوثيين وقدراتهم، نظرًا إلى أهدافهم السياسية من جهة وإخفائهم الأسلحة المتوسطة والثقيلة في المعسكرات والأنفاق الجبلية من جهة أخرى. مشيرا إلى أن استمرار الهجمات الحوثية ضد الملاحة البحرية تنمّ عن تحدٍّ، يؤكد أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد استهانوا بالحوثيين. 

وأشار التحليل إلى أن الحوثيين يتمتّعون بخبرة عقدَين من الزمن من الانخراط في حرب العصابات، ويديرون معسكرات وقواعد لا مركزية؛ وهم تكبّدوا خسائر محدودة، وقد يتكبّدون المزيد، لكن الثمن في نظرهم يستحق العناء. مضيفاً إن الحوثيين يرغبون في تعزيز موطئ قدمهم في البحر الأحمر، لكنهم يريدون أيضًا إخراج الولايات المتحدة من المنطقة. وهذه رغبةٌ يتشاركونها مع إيران، التي تسعى إلى تعزيز تواجدها في البحر الأحمر، وقد زوّدت الحوثيين بالدعم الاستخباراتي من خلال سفنها في خليج عدن. علاوةً على ذلك، بات باستطاعة الحوثيين الآن تحويل إيديولوجيتهم المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل إلى واقع ملموس.

وأكد تحليل الباحث إبراهيم جلال أن النهج الذي تتّبعه الولايات المتحدة حالياً لا يحقّق النجاح، بل قد يصبّ في صالح الحوثيين وبالتالي إيران. موضحة أن هناك بديلا أفضل يتمثّل في وضع استراتيجية أمنية متعدّدة الأبعاد وطويلة المدى، تربط الأمن البحري بعملية السلام اليمنية. وتتطلّب هذا المقاربة، من جهة، مضاعفة الدعم للحكومة اليمنية كي تتمكّن قواتها من طرد الحوثيين من الحديدة ودفعهم إلى الجبال. وتقتضي، من جهة أخرى، أن تعمَد السعودية، وخاصة عُمان، بعد اكتسابهما بشكل متزايد ثقة الحوثيين، إلى تقديم عروض مُغرية لهم لإنهاء عزلتهم وضمّهم إلى الحضن العربي والدولي.

وأوضح التحليل: "بغضّ النظر عن مصلحة الدول الإقليمية في خفض وتيرة التصعيد، انتقل الحوثيون من شنّ هجمات إلى تعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر، وأصبحوا يشكّلون تهديدًا لسلاسل التوريد العالمية، وهو ما يُنذر برفع معدلات التضخم؛ ومن أجل تخفيف الضغط على جبهة جنوب البحر الأحمر، نُشرت السفن الحربية والغواصات التابعة للتحالف، قد يعمَد الحوثيون إلى توسيع رقعة عملياتهم إلى بحر العرب. وعلى الرغم من أنهم أعلنوا عن نيّتهم وقف الهجمات البحرية إذا غيّرت إسرائيل سياساتها في غزة، قد يستخدمون في المستقبل ذريعةً أخرى لاستئنافها".