فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عن فالنتين وفضيلة المحبة

Sunday 13 February 2022 الساعة 08:33 pm

ما هي مشكلة المسلمين مع الحب؟ لا يقولن أحدكم: لا توجد مشكلة.. بل هي مشكلة قائمة، كما كانت موجودة من قبل.. عرب من الجنسين حب بعضهم البعض الآخر، فما كان من آباء البنات إلا حرمان بناتهم من الزواج بشبان بادلنهم الحب.. كأن الأصل عندنا أن تزوج البنت بمن تكره، لا الذي تحبه!

كان عذر آباء البنات: ليلى، وبثينة، وعزة، وأمثالهن، أن قيس أنشد في ليلى، وجميل تغزل في بثينة، وكثير قال في عزة شعراً، وهذا الذي أنشدوه قد فشا بين العربان.. ولكي يثبتوا للعربان أن بناتهم ما يزلن عذارى، زوجوهن لأجلاف آخرين بني عذرة أو للغرباء.

اليوم، وهو اليوم الرابع عشر من شهر أبريل، هو يوم فالنتين.. أي عيد الحب، وقد كثر الرغاء في العشية.. فناصح ينصح: احبس بنتك اليوم في البيت.. وحامل فقه يقول: لا تجاروا الكفار في أعيادهم.. والمعتدل يقول لك: هم عندهم للحب يوم واحد في السنة، ونحن كل أيامنا حب، ومثل هذا (الخراط) ناس كثير، بينهم وبين الحب بعد، كالبعد بين المشرقين.

القديس فالنتين نذر نفسه لتزويج شابات وشبان مسيحيين حب بعضهم بعضا.. زوجهم وفاقا للتقاليد المسيحية.. لم يفعل شيئا يتعارض مع الدين.. اكتشفت أمره السلطة الرومانية المعادية لدين يسوع، فقبضت عليه، ثم اعدمته.

منذ ذلك الوقت (في القرن الثالث الميلادي) اعتبر فالنتين شهيد الحب.. يحتفل المسيحيون الكاثوليك والبروتستانت بذكراه يوم الرابع عشر من شهر فبراير، بينما يحتفل به الأرثوذكس كل عام في اليوم الثلاثين من شهر يونيو.

نعم، عيد الحب في الأساس تقليد غربي، لكنه انتقل إلى مختلف الشعوب، مثل أي تقليد محترم، والعلاقات بين الشعوب أثمرت تبادلا لغويا حتى، وقرأنا قبل سنوات في مرجع رصين أن 25 في المائة من مفردات اللغة الإسبانية أصلها من لغة العرب، بل إن في القرآن كلمات فارسية وحبشية وآرامية ورومانية وسريانية ويونانية مثل قرطاس، قسطاس، قسورة، طور، طه، يم، ربانيون، ربيون، صراط، فردوس، مقاليد، سجيل، استبرق، أباريق، كفلين، مشكاة.

نعود، ونقول إن مقتل فالنتين صار مناسبة يقوم فيها المحبون بالتعبير عن مشاعرهم بشتى أشكال التعبير: تهان.. تبادل هدايا.. ورود.. حلويات.. طعام.. ولا علاقة لذلك بالبهيمية والبهم أو البهايم، بل له علاقة ببناء عائلة، والمعروف أن العائلة في المسيحية تعد كنيسة صغرى، والزواج يبدأ بعقد غليظ.

لا نضع أنفسنا مكان أهل الفتيا، الذين يحتكرون قولة هذا حلال وهذا حرام.. ذلك ليس من شأننا، لكن قد وجدنا في خزانة التراث العربي- الإسلامي مركبات ثقافية تفيد أن المسلمين الأول كانوا يتعاملون مع اليهود والنصارى معاملة الأخ للأخ، ويتزوج المسلم يهودية أو نصارانية وهو يدرك أنها ستكون أم أولاده، وكانوا يشتركون في أعيادهم، لأن الأعياد أصلا ليست من أصول الدين، أو ليست مسألة عقدية، أو ليست من العقائد.. وعيد الحب يدخل في هذا الباب.

وفي التراث نفسه مركبات كريهة: لا تسلموا عليهم.. لا يجوز الترحم على موتاهم.. تقليدهم في أعيادهم محرم.. لا تلبسوا ثيابا تشبه ثيابهم.. لا تتحلوا بالذهب.. استأصلوا شواربكم مخالفة لليهود والنصارى، وهلم جرا.. بينما ورد في ما يسمونه صحيح المنقول أن مسلمين ويهودا ونصارى، كانوا يؤدون شعائر الصلاة تحت سقف واحد، لا يفصل بينهم سوى جدار خفيف، وأن نصارى ويهودا ساروا في جنازة رجل دين أصولي مثل أحمد بن حنبل، كما سار تابعون في جنائز النصارى، وأن جنازة يهودي مرت أمام النبي محمد فقام لها، ولما نبهه أحد أصحابه أن الميت يهودي أجابه: أليست نفسا؟ وأن أبا هريرة كان يلبس الخز، والخز نوع من الحرير، وغيره لبس الأبريسم، والأبريسم أجود أنواع الحرير، وأن بعض أصحاب النبي محمد كانوا لا يحلقون شواربهم بل يطيلونها، وأنهم كانوا يحلون بنانهم بخواتم من ذهب.. هذا في أمور الماديات، فهل يعقل أن يجرم الدين مسألة روحانية، وفضيلة عالية مثل الحب وأيامه؟