فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

أديان الجماعات فوق دين الله

Friday 25 February 2022 الساعة 03:31 pm

من العصور الوسطى، إلى ما قبل عصر النهضة، كانت أوروبا عاصمة الطغيان، والاضطهاد، وبيئة الثقافة المعادية للعقل والعلم، وكان رجال الكنيسة  الكاثوليكية يحكمون الخلق بقواعد وتعاليم بشرية أضفى عليها رجال الدين صبغة دينية، ونتج عن ذلك ظلم كثير وجمود على الموجود.

في العام 1600 جردت الكنيسة القس جيوردانو برونو من ملابسه، وعلقته منكسا في أحد شوارع روما، ثم أحرقته، وواجه كوبرنكيوس المصير ذاته.. كانت حجة الكنيسة أن القس جيوردانو جدف في دين الرب، فاستحق ذلك العقاب الشنيع.. أما أنه جدف أو كفر، فمن جهة قوله إن الأرض تدور حول الشمس، وأما مدعاة الحرق حتى الموت، فالأصل في العقيدة الدينية الكاثوليكية أن الأرض ثابتة لا تدور.. وجيوردانو برونو، ونظيره كوبرنكيوس ليس وحدهما الضحية، فحسب أكثر التقديرات الأوروبية تواضعا وصل عدد ضحايا الكنيسة إلى أكثر من مائة وسبعين ألف إنسان في فترة زمنية قصيرة.. وقد كان الذبح والحرق والتعذيب حتى الموت يتم باسم السماويين الثلاثة (الأب- الابن- الرح القدس) والتوراة والأناجيل.

وفي الحقيقة، كان خبير الفلك بطليموس هو مصدر العقيدة التي رسخها رجال الكنيسة، وليس مصدرها الأب أو الابن أو الروح القدس، ولا هي مذكورة في العهد الجديد (الأناجيل)، ولا العهد القديم (التوراة).

نعم، بطليموس أثناء استقراره في الأسكندرية ألف كتابا في الجغرافيا، وفيه قدم وصفا غير علمي للكون، وسجل فيه أن الشمس والقمر يدوران حول الأرض، ولم يدرك يومها أنه خالف الحقيقة الكونية، أي تلك التي تقول إن الأرض هي التي تدور حول الشمس.

تبنت الكنيسة الكاثوليكية كلام بطليموس غير العلمي وجعلته دينا، تحاكم الناس بموجبه، وتحرق من يخالفه.. لكن أوروبا تحررت من كل تلك الآفات، ودخلت عصرا جديدا، واستمر التقدم في ميادين الفقه الدستوري والقانون والعلم والسياسة إلى اليوم.

يا ترى، لماذا لم تتمكن أي دولة عربية- إسلامية قبل ثلاثة قرون من استئناف السير في الطريق الذي عبدته دولة المأمون العباسي، ولماذا لم تقدر الدول القائمة اليوم من تجاوز المساوئ التي حملتها من الماضي؟

فالتكفير عندنا بضاعة فاشية، وإن التفت إلى هذه الجهة أو إلى تلك من جهات الدنيا الأربع، لترى بقايا التوحش البشري، والفقر، والظلم، والمرض، وفقد الخدمة الطبية، ومصادرة الحريات، والعقاب دون جرم، والقتل بالشبهة، والإعدام خارج القانون، وغياب العدالة، وحوكمة شتى أشكال الفساد، فلن ترى ذلك إلا في دولة عربية.. ومن مفارقات العجب أن كل هذا يتم جنبا إلى جنب مع كثرة الطائفين والصائمين ورجال الدين والمؤذنين والمصلين والمتسولين.

لعل جزءا من الإجابة على السؤال الذي فوق، موجود بين الجوانح.. فالعاصمة صنعاء مثل أنموذجي لكل هذه الآفات.. في صنعاء دين جديد، يفعل بالخلق مثل ما فعلت الكنيسة بالقديس جيوردانو، ويستحضر من التراث الذي انتجه المسلمون الأول أسوأ ما فيه.

أبسط مثل يحضرنا اللحظة هو المدرسة الأهلية التي نظمت لطلابها حفلا بمناسبة إنسانية رفيعة.. احتفال عادي، لكن المخبرين وحملة الهوية الإيمانية وحراس التقاليد راحوا يراقبون ورجعوا يبلغون الإدارة العامة للتعليم بخبر صاعق: الدين الجديد عرضة لخطر ماحق، فقد رأينا تلاميذ وتلميذات يرقصون!

فكان من أتباع القليس الجديد، قلع مديرة المدرسة من مكانها، شطب مادة اللغة الانجليزية من المنهاج المدرسي، وإلزام البنات البقاء في بيوتهن قيد النظر.. كل هذا دون الاستناد إلى حق أو قانون أو فقه إسلامي أو عرف قبلي.

استندوا إلى الدين الجديد الذي فرضته العصابة الحوثية على أهلنا في مناطق نفوذها.. دين الهوية الإيمانية.. دين الأركان الخمسة: حسين الحوثي، عبد الملك الحوثي، محمد علي الحوثي، يحيى الحوثي، وأمير الدين الحوثي.

وجزء آخر من الإجابة على السؤال الذي فوق، هو أن هناك قوى كثيرة تدافع عن الآفات الفاشية هنا وهناك، وتسخر جزءا كبيرا من الموارد المالية والبشرية لضرب أي قوة تظهر توجها تقدميا، أو تدعو إلى تجاوز العناصر اللاعقلانية في الثقافة العربية - الإسلامية، أو تقول للمستبدين إن الاستبداد دينكم، وليس دين الله.