د. ياسين سعيد نعمان

د. ياسين سعيد نعمان

تابعنى على

"الجهد الدبلوماسي للخروج من الحرب إلى السلام"

Wednesday 06 April 2022 الساعة 11:23 pm

كان هذا أحد عناوين اللقاء مع المحور السياسي في اللقاء التشاوري الذي يجري في الرياض حالياً، والذي شاركت فيه قيادة وزارة الخارجية برئاسة الأخ الوزير، وعدد من السفراء اليمنيين في مختلف عواصم العالم (حوالي واحد وعشرين سفيرا).

أورد جانباً مما ورد فيه.

أولاً:

وظيفة الدبلوماسية في ظروف الحرب أكثر تعقيداً وأوسع مدى من وظيفتها في الظروف العادية.. لنا أن نتخيل طبيعة وأدوات ومتطلبات العمل الدبلوماسي في بلد نصفه بيد الانقلابيين الذين يتمسكون بالحرب لفرض انقلابهم، والنصف الثاني يعرف الجميع تعقيدات أوضاعه.

ثانياً:

كانت محاور الارتكاز في النشاط الدبلوماسي هي الحرب وتداعياتها، وادانة الانقلاب، وتعزيز الموقف الدولي في الاعتراف بالشرعية، ومواجهة الظروف الإنسانية والاغاثية، وتأكيد حضور الدولة اليمنية في الفعاليات والمحافل الدولية واستعادة الدولة، والتفاعل الإيجابي مع الدعوات الدولية إلى السلام. 

أي أن النشاط الدبلوماسي تحول من طابعه التقليد القائم في الأساس على تمثيل وتسويق الأنظمة السياسية الحاكمة بإمكانيات كبيرة وسخية، إلى حامل لقضية وطنية وجودية يتعرض فيها شعب بأكمله للتدمير والتشريد والشتات، ومحاولة فرض نظام عنصري سلالي متعصب ينهي آمال هذا الشعب في التحرر، وامتلاك إرادته في تقرير خياراته السياسية، وبناء مستقبله. في مثل هذه الظروف كانت الدبلوماسية اليمنية تخوض معركة سياسية واعلامية وفكرية، فيها تحديات لم تألفها الدبلوماسية اليمنية في ظروفها العادية وبإمكانيات شحيحة يظل فيها الدبلوماسي في معظم الأحيان سنة كاملة من غير راتب، والبعثات من غير مصارف تشغيل، وهذا يعني أن العمل الدبلوماسي أعاد صياغة وظيفته ودوره بما ينسجم مع الحاجة الوطنية لا مع حاجة النظام السياسي الحاكم، كما هو شأنه دائماً. 

ثالثاً:

شمل النشاط الدبلوماسي:

تثبيت المرجعيات كأساس للحل السلمي:

- القرار 2216 كان موضوع نقاش دائم ومستمر، ظلت تطرحه أطراف عدة على انه معطل لعملية السلام. خاضت الدبلوماسية اليمنية صراعاً طويلاً وشاقاً في مواجهة هذا الموقف الذي لم يكن يستند على أي دليل بأن إلغاء القرار أو تعديله سيمهد الطريق لعملية السلام.. وضربنا أمثلة من واقع ما حدث من مشاورات واتفاقات ولقاءات مع الحوثيين وآخرها اتفاق استوكهولم، وكيف أن هذا القرار لم يمنع القيام بجهود متواصلة من أجل السلام. وأن المشكلة لا تكمن في القرار، وإنما في الأهداف التي تقف وراء الانقلاب والقوى الإقليمية التي تدعمه.

- المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، كان البعض يرونها معطلة للتفاهمات بشأن إصلاح المسار السياسي من منطلق أن الحوثيين لم يوافقوا عليها. تم دحض هذه المغالطة التي كان يروج لها إعلام إيران الخارجي بكافة وسائله التي يشارك فيها إعلام متمرس في المغالطة من حلفاء إيران في المنطقة، ناهيك عما كان يضخه عدد من اليمنيين ممن تمسكوا بما أسموه موقفا "محايدا"، وكان له تأثيره الكبير في تشويش الصورة. الحوثيون لم يكونوا ضد المبادرة الخليجية، فقد شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد كأحد البنود الرئيسية لآليتها التنفيذية، وأن نفي موافقتهم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لم يكن الهدف منه سوى تبرير خروجهم الشاذ عن التوافق السياسي الوطني.

- نتائج ومخرجات الحوار الوطني باعتبارها أساس بناء الدولة، ويدعي الحوثي أنها أهملت مطالبهم الأساسية في موضوع شكل الدولة، ناهيك عما يسوقونه عن أنهم أقلية مضطهدة، وأن هناك من يستهدف وجودهم لأسباب مذهبية وفكرية. وكانت مراكز البحث في بلدان الابتعاث تهتم بهذه الأطروحات التي كان يتوجب على الدبلوماسية اليمنية أن تدحضها بنشاط سياسي وفكري مكثف، ومن واقع الحياة، ومن واقع ما خلص إليه مؤتمر الحوار الوطني بخصوص إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية بنظام المواطنة المتساوية، وهي المسألة التي انقلب عليها الحوثيون بقوة السلاح بحثاً عن حق إلهي مزعوم في الحكم.. كان موضوع الدولة ولا يزال محل نقاش دائم. يقوم هذا النقاش من جانبنا على التمسك بدولة المواطنة التي أقرها مؤتمر الحوار، ورفض الدولة الطائفية التي ستدخل اليمن في حروب لا تنتهي، مع ما يمكن أن يفضي إليه السلام الهش من تسوية تكون في الدولة هي الضحية التي يتعرض بسببها اليمن للحروب المستمرة وعدم الاستقرار.

رابعاً:

دور إيران في دعم الانقلاب

كان الكثيرون غير مقتنعين بأن لإيران دورا في دعم انقلاب الحوثيين وحربهم، ويطالبون الدبلوماسية اليمنية بإثبات "الادعاءات" بشأن التدخل الإيراني. والحقيقة أن اللوبي الإيراني في كثير من البلدان يختبئ وراء مواقف أيديولوجية مضطربة لبعض أنصاره مصرة على إنكار جذر المشكلة اليمنية الذي هو الانقلاب، ومتمسكة بما يسميه الحوثيون "العدوان الخارجي". وهؤلاء من مواقعهم السياسية والاعلامية والتجارية والأكاديمية يسوقون مشكلة اليمن على هذا النحو نكاية بالتحالف العربي. لقد تطلب إقناع العالم بالدور التخريبي لإيران في اليمن جهداً كبيراً وشاقاً، وهناك كثير من الكتاب والمثقفين العرب والأجانب "خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً".. ولكن في اللحظة التي كان يتوجب عليهم أن يأخذوا الموقف الصحيح من قضية اليمن أخذوا الموقف الذي أملته عليهم أسباب أخرى فقد كانت إيران سخية معهم مقابل هدم اليمن وتخريبه. 

خامساً:

خطورة الانقلاب كامتداد للمشروع الأيديولوجي الطائفي الإيراني الذي يهدد دول المنطقة بانقسامات في بنية الدولة الوطنية. ظل البعض يرى الحوثي مختلفاً من حيث كليات المذهب الزيدي عن الاثنى عشرية، وبسبب ذلك كانوا يرون أن علاقته غير استراتيجية مع إيران، على عكس حزب الله، والحشد الشعبي وغيرهم من أتباعها في المنطقة، وكان يجري تسويق هذه الحكاية في مراكز الأبحاث وعلى هذا الأساس فقد ظلت مراكز البحث المتخصصة ترى فيها موضوعاً لبحث أكاديمي ينتهي بها إلى استخلاصات سياسية خاطئة، ولذلك فقد كانت هذه واحدة من تعقيدات العمل الدبلوماسي الذي واجهته بجهد كبير من التفنيد لتوضيح حقيقة هذه الجماعة وعلاقتها بالمشروع الإيراني.

سادساً: 

إن خطورة التسوية في اليمن هو أن تقوم على أساس طائفي. لم يكن العمل الدبلوماسي بمفرده هو الذي سيقرر من الناحية العملية أياً من هذه الخيارات. فطبيعة ونوع السلام الذي سيتحقق سيتم تأسيسه على المعادلة التي ستتم على الأرض، ولن يتمكن الحوثي من التمسك بخياره الطائفي إذا تغيرت المعادلة على الأرض تغيراً حاسماً.

سابعاً:

توضيح الخطوات التي تتخذها الدولة في مواجهة المشروع الانقلابي، بما في ذلك إعادة تنظيم الإدارة الاقتصادية والمؤسسات المالية والنقدية وخصوصا البنك المركزي، لتخفيف العبء الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي على الناس.

ثامناً:

كان الموقف الأيديولوجي الإعلامي الذي ينطلق من الخصومة لدول المنطقة من قبل بعض الأحزاب والقوى السياسية والبحثية في بلدان التمثيل، والذي وظف لصالح إيران ومشروعها، قد شوش كثيراً على وعي المجتمعات بشأن جذر القضية اليمنية السياسي، وكان هذا الموقف الذي يمتلك امكانيات واسعة يعمل على نشر منطق الحوثيين بأن الحرب هي يمنية -سعودية إماراتية، وأنها عدوان على اليمن. وقد تصدت الدبلوماسية اليمنية لذلك في ظروف العمل الصعبة. ومع ذلك فقد كان هذا جزءاً هاماً من المعركة الدبلوماسية.

تاسعاً: 

الدور المحايد الذي لعبته كثير من الشخصيات اليمنية وبعض منظمات المجتمع المدني، والذي صور الأزمة لدى صناع القرار في كثير من الدول على غير حقيقتها، وبعيداً عن جذرها السياسي، وجعل الأزمة تبدو وكأن الأطراف متساوية في إنتاج المشكلة. كان جذر المشكلة، الانقلاب، كما قلنا سابقاً، يغيب عند شرح الوضع من قبلهم مما أثر سلباً على الصورة العامة للقضية، لا سيما وأن صوت هذه المنظمات له تأثير وخاصة حينما يتم تبسيط الحديث عن السلام ليبدو وكأنه متاح وبدون تعقيدات، وأن كل ما في المشكلة هو أن "الجميع مستفيد من الحرب". لجأ الكثيرون إلى تبسيط المسألة على هذا النحو، الأمر الذي شوش على تعقيدات السلام الحقيقي الذي يضمن للبلاد الاستقرار.

عاشراً:

تداخلت الأزمة اليمنية مع مشاكل الإقليم، وأصبحت دالة فيها. واحتاج العمل الدبلوماسي إلى جهد كبير لإبراز القضية اليمنية في إطارها المستقل الذي تسبب فيه الحوثي كوكيل للمشروع الإيراني بجعل اليمن منصة لتوسيع دائرة النفوذ الإيراني في المنطقة. 

وكان من مصلحة الحوثي أن يخفي انقلابه ومصادرته للدولة وراء دخان كثيف من التضليل الإعلامي عن "عدوان خارجي" بعيداً عن حقيقة المشكلة. وكان المنظرون منهم ومن حلفائهم يرون أنه لا بد لهذا التضليل من أن يتحقق في صورته المادية بتسليح الحوثي بالصواريخ البالستية بعيدة المدى والمسيرات وبامكانيات تمكنه من مهاجمة دول الجوار، وهو ما قامت به إيران، ويحقق بذلك مسألتين: الأولى تعزيز تسويق فكرة أن الحرب يمنية - خارجية، والثاني التشويش على الجذر الحقيقي للمشكلة والتغطية على جرائمهم الداخلية.

إحدى عشر:

اخيراً، الكلمة الدبلوماسية لا تكون قوية إلا بقوة حقيقية تقف وراءها وتكسبها ثقلاً ومعنوية، أي الكلمة التي تهاجم بالسلام لا تلك التي تتوسل أو تتسول السلام. وأن الكلمة الدبلوماسية التي لا تملك غير الشكوى تفقد قيمتها مع المدى، ولا يجب أن نواصل الاعتقاد أن العالم مبادئ فقط، فهو في المقام الأول مصالح وأحياناً مصالح تتخطى الأخلاق.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك