فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عن الشريعة والمكتسبين بها.. والمحظوظة توكل

Tuesday 17 May 2022 الساعة 04:48 pm

إنها سجاح العصر.. إنها تقبض من المنظمات الماسونية أموالاً لتدمير اليمن.. إنها تقابل الرجال في المحافل الدولية.. إنها سافرة الوجه.. كانت قبل العام 2011 من أهل العسر والكفاف، تعجز عن تأمين مصاريف قليلة لتلبية الاحتياجات اليومية لحياتها الشخصية، فصارت من أهل اليسار والغنى.. وزاد الشيخ محمد الحزمي عضو مجلس النواب يشهد (شهادة أسأل عنها بين يدي رب العالمين)، أن نفاقها هو الذي أوصلها إلى جائزة نوبل للسلام.. وأنها أسهمت في تدمير اليمن دنيا ودين! ..(دنيا ودين) دفعة واحدة، فيا لجبروتها!

هكذا ردوا على ما كتبته توكل كرمان قبل أيام (9 مايو) تحت عنوان (نصيحة وثلاث فتاوى).. فقلت لنفسي هي محظوظة هذه المرأة أن رماها حظها بخصوم  من هذه العينة، تقذف إليهم أفكاراً وفتاوى، فيتركون ذلك ليعيروها أنها كانت فقيرة ذات يوم!

قرأت مقالها الذي ذكرت فيه أنها تعرفت مؤخراً على أميركية أسلمت قبل شهرين، فسرت بإسلامها وبهيئتها، وزودتها بنصيحة وثلاث فتاوى: لا تغيري اسمك إلى اسم عربي، لأن الإسلام لا يشترط ذلك.. لا تغيري لباسك فليس شرطاً أن ترتدي أزياء النساء في شرعب أو العدين، ليقال إنك مسلمة.. لا تفارقي زوجك بحُجة اختلاف دينكما، فلست ملزمة بتدمير عائلتك.. لا تأخذي الدين من فتاوى العرب، فحديثهم عن المرأة تعبير عن عادات وتقاليد أبي لهب وقومه، لا دين ابن أخيه، ولا علاقة لها بتعاليم دين الله ومقاصده.

ويبدو أن للمقال أيضاً علاقة بحملة تشنيع شنها شيوخ دين على شاب وفتاة احتفلا أيام العيد بزواجهما في تعز احتفالاً تراثياً، حيث طعنوا في عفتهما، وكالوا لهما تهم العهر ومخالفة تعاليم الإسلام، والقيم الاجتماعية، على الرغم من أن الزواج والاحتفال به إحياء قيمة من القيم الاجتماعية الأصيلة، ولم تشبه أي شائبه لجهة الدين. 

ولنا ما نعلقه على ما سبق.. وهو أن القوم يحتجون على من يسلبهم مصالحهم، التي لا تتحقق إلا عن طريق امتهان الوظيفة الدينية، بل ويخونون هذه الوظيفة إذا كانت المصلحة الدنيوية تستدعي ذلك.. ولا نرى تجنياً بغمز توكل في قناة رجال دين نصبوا أنفسهم أوصياء على سلوك الناس.. فهم يتكسبون بالدين، ولا ينبغي للمرء أن يطلب منهم فتوى، أو يستمع لهم رأياً.

لم يقف رجال الدين ضد أي انحراف فكري أو باطل، إلا من استغنى منهم عن الناس، وعن ما في يد السلطان.. وهم في الأخير ليسوا في العفة ناساً مثل بقية الناس، كما أن الوظيفة الدينية تعرضهم للتهم والضلال، والنقد.

كان أبي بن كعب يقول: ألا هلك أهل العقيدة، والله ما آسى عليهم، إنما آسى على من يضلون من الناس.. وقال عثمان بن عفان: أشيروا عليّ في أمر هذا الشيخ الكذاب، فقد فرق جماعة من المسلمين، يقصد أبا ذر الغفاري.. وكان أبو هريرة يقول: حدثني خليلي، رأيت خليلي، وقال خليلي، يقصد النبي محمد.. فقال له علي بن أبي طالب: متى كان النبي خليلك يا أبا هريرة؟ وقال فيه أيضاً: لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله.

هذا في الأولين.. وفي المتأخرين قل ما شئت دون أدنى شعور بالإثم.. لما قيل الشورى غير ملزمة، سكتوا.. وقالوا طاعة الحاكم الفاسق واجبة، على إدراكهم أن فاسقاً لن يطبق الشريعة.. النقاب الذي ليس من الشريعة جعلوه فريضة.. تعليم النساء من الشريعة فحرمه بعض منهم، وقال شويعر منهم ما للنساء وللقراءة والكتابة، هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة.. وقال شريدهم بنكاح الجهاد، فكانوا بين مبرر، ومداهن، وصوام عن الكلام في الشريعة.. وسكتوا حين أفتى الشيخ ياسر العجلوني، أنه يجوز للرجال أن يطلبوا من السوريات اللواتي شردن بسبب الحرب الدخول في عقد زواج ملك اليمين، بحيث يصير الرجل سيداً لها، وتصير هي ملكاً ليمينه.. وأفتى وجدى غنيم وهاشم إسلام وغيرهما أن أي مظاهرة شعبية ضد الرئيس مرسي وحكم جماعة الإخوان حرام شرعاً، ومن شارك في التظاهر يعد كافراً، فقالوا آمين. واعتبروا حكم حركة طالبان في أفغانستان مثلاً أعلى للنظام الإسلامي، بل الحكم الإسلامي الوحيد على وجه الأرض، لأن طالبان جرّمت الحريات العامة، وحرمت التلفزيون والسينما، وحظرت تعليم البنات، وممارسة الرياضة، وتدريس العلوم غير الدينية، ومنعت النساء من العمل، حتى إن الأفغانية سنا قالت قبل أيام: أشعر أن مجرد كوني امرأة يعتبر جريمة في أفغانستان.

لقد وصل بهم الحال إلى تقديس التقاليد والدفاع عنها، وكأنها تعاليم سماوية.. يحتفل شابان بزفافهما وفاقاً للتقاليد الشعبية، فيجأرون: خالفا الشريعة.. والشريعة التي يدافعون عنها ويريدون فرضها على الناس هي في أحسن الأحوال أحكام فقهية وضعها فقهاء قبل ألف ومائتي سنة. قالوا الاجتهاد لا يكون مع وجود النص، بينما الأصل أن النص هو موضوع الاجتهاد.. والاجتهاد داخل الشريعة يستدعيه التعامل مع التغير والتطور، بقوانين تحقق مصالح الناس، وينبغي أن تكون هذه القوانين من صنعهم، إذ من حق كل جيل أن يشرع لنفسه بنفسه لما فيه مصلحته، لا أن يشرع له الموتى، وإلا ما معنى قولة: الإسلام صالح لكل زمان ومكان؟ وبالمناسبة، قولة (صالح لكل زمان ومكان) تعتبر عقيدة عند أهل الأديان كلها، ولولا ذلك لأهملوا أديانهم بعد شهر من وجودها.

الناس تواضعوا اليوم على حد أدنى للزواج، وهو ليس من الشريعة، مع ذلك ضمن في قانون الأحول المدنية وقانون الأسرة، وقبل به الناس دون نكير، على الرغم من إدراكهم أن أهل الشريعة يحرمون تقييد الزواج بسن معين، وقالوا يجوز للرجل مفاخذة الرضيعة وليس القاصر فقط.. الربا محرم بنص قرآني، ومع ذلك جوز فقهاء معاصرون المعاملات البنكية، وقالوا الربا محرم نعم، لكن متى يكون التعامل ربا؟ فالاقتراض من البنك أو التوفير في البنك ليس ربا، ولجأوا إلى هذه الحيلة لإدراكهم أن البنوك عماد الاقتصاد في هذا العصر.

رجال الدين المسلمين في المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث أفتوا المسلمين في أوروبا بجواز شراء بيوت عن طريق الاقتراض من البنوك مقابل فوائد، وأفتوا بعدم شرعية النقاب، وأفتوا بجواز الاختلاط، وجواز تهنئة غير المسلمين في أعيادهم، بل إنهم في مسائل العبادات –وهي من الثوابت وليس من المتغيرات- أفتوا بجواز جمع صلاة الظهر وصلاة العصر في فصل الشتاء، والجمع بين المغرب والعشاء عندما تغيب علامة صلاة العشاء أو يتأخر وقتها إلى منتصف الليل أو ما بعده.. وفي عهد الرئيس مرسي، عدل مشرعو جماعة الإخوان قانون الضريبة تلبية لرغبة صندوق النقد الدولي بزيادة الضريبة على الخمور، وأقروا دفع فوائد على قرض قيمته 4 مليارات و700 مليون دولار فقال شيوخ الإخوان القرض حلال والفوائد التي ستدفعها الحكومة ليست ربوية بل هي بمثابة مصاريف إدارية. 

إن مراعاة المصالح مقصد من مقاصد الشريعة، والمصلحة مقدمة على النص.. وقد ابتكر كبار الفقهاء الأول قواعد تحول دون تطبيق أحكام الشريعة مثل القبول بالمفسدة إذا قاد تصويبها إلى مفسدة أكبر، ووضعوا قاعدة درء الحدود بالشبهات، لمساعدة المخطئين على الإفلات من العقاب، فالسارق لا تقطع يده إذا سرق مالاً غير محرز، أو سرق من مال أبيه.. وحارب أبو بكر الصديق مسلمين بجريرة الردة عن الإسلام، لأنهم امتنعوا عن أداء الزكاة، حيث احتجوا بأنهم كانوا يؤدونها للرسول، أما بعد موته فهم أحق بها، ولا يلزمهم أداؤها للحكام من قبيلة قريش، فجاء بعده عمر بن الخطاب فرأى أن المصلحة تقتضي رد أموالهم وإطلاق أسراهم، وللمصلحة أيضاً منع عمر توزيع أرض السواد في العراق على المقاتلين، كما منع المؤلفة قلوبهم من العطاء، وأوقف قطع يد السارق، ومنع زواج المسلم بكتابية على الرغم من وجود نص القطع، ونص يجوز للمسلم الزواج من يهودية أو نصرانية.