فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عبد الملك خلخالي

Thursday 19 May 2022 الساعة 08:15 pm

كان من أبرز القرارات التي صدرت في بواكير الثورة الخمينية في العام 1979، تشكيل المحاكم الثورية العليا.. لم يجد الخميني ملا محترفاً لكي يسند إليه رئاستها، أفضل من محترف القتل الملا صادق خلخالي. لقد كان هو الرجل المناسب لتصفية إرث الشاه محمد رضا بهلوي.. أعدم كبار الموظفين العموميين، وسحل وعذب وأعدم كل منتسب إلى جهاز المخابرات- السافاك، حتى إنه نسب إليهم الحريق الذي أشعله رجال الدين في سينما ركس بالعاصمة طهران عام 1978، وتسبب في موت نحو 600 شخص.. كما خلخل خلخالي وأهلك الجيش الذي كان يقال عنه إنه أقوى الجيوش في المنطقة، ورابع الجيوش الكبرى في العالم.

نجح صادق خلخالي في المهمة، حيث أتى على ذلك الإرث الشاهنشاهي كله خلال فترة زمنية قصيرة.. محاكمات سريعة ثم إرسال المحكوم عليهم إلى  المشانق، وغرف الإعدام.

بسبب إسرافه في القتل والإعدام التعسفي بالجملة، وجه إليه بعض رجال الثورة  الخمينية المعتدلين انتقادات، واتهموه أنه فعل أكثر مما كلفه وأمره به الإمام الخميني.. بل لقد قالوا إن هزيمة الجيش الإيراني الخميني أمام الجيش العراقي في بداية حرب السنوات الثماني، مرده إلى قيام خلخالي بالقضاء على الجيش المحترف.

بعد أن أنجز مهمته عاش خلخالي معزولا، وكتب مذكراته، التي خصص مساحة كبيرة منها لإبطال التهم التي نسبها إليه منتقدوه.. كتب يقول: الثورة ترفض أولادها الصادقين، وهذا ما يحدث عادة في نهاية المطاف، خصوصا إذا كان اسمه مثل اسمي(صادق)! 

قال خلخالي إن الثورة ترفض أولادها الصادقين، خلافا للقولة الشائعة: الثورات تأكل بنيها.. فثورة خميني التي أكلت خيرة الإيرانيين لم تأكله، بل تباهت بدمويته، وقبل وفاته في نوفمبر عام 2003، كان محاطا برعايتها، وهي التي تخلت عنه، بل أعدمت رجالا كبارا كثر من أهلها، مثل صادق قطب زاده، بجريرة التآمر لقتل الخميني، وهي التهمة نفسها التي ألصقوها عرض أبي الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية... وقتلت رجال دين إصلاحيين فقهاء بالسم بسبب انتقاداتهم للجبروتية التي شرع لها الإمام الخميني، وتنكر الخميني وعصابته لليساريين والقوميين الذين شاركوه الثورة على الشاه بهلوي.. ومعروف كيف كان مصير رئيس الوزراء مهدي بازركان، ورجال الدين اليساريين الذين رفضوا استبدال الدكتاتورية الخمينية بالدكتاتورية البهلوية، وغيرهم كثر من المدافعين عن حقوق الإنسان، ودعاة التعددية، التي لم تبق الخمينية منها على أثر في دولة متعددة الشعوب والقوميات والديانات.

تلك الخمينية، هي مهوى قلوب وعقول رجال الجماعة الحوثية الصادقين كصدق صادق خلخالي، ومن فرط هيامهم بها أرادوها لليمنيين مذهبا يشربوه شرب الهيم.

الخمينية عندهم مثال أعلى للاستقرار، والحكم الرباني، والعودة المؤزرة لولاية الإمام علي، وبشارة اليقين برجعة الإمام الغائب المهدي المنتظر الذي لا يقر به المذهب الزيدي.. وهي أيضا مثل أعلى للتنمية المستدامة التي قال حسين بدر الدين الحوثي إنها بلغت ذروتها في إيران بعد سنين قليلة من إعمال النهج الخميني، وقال أيضا إن الإيرانيين لا يكلفون أنفسهم بذل أي جهد لكي يحصلوا على خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية، والمياه، بل يبقون في بيوتهم وقراهم حيث يذهب إليهم المسئولون يسألونهم، ويتعرفون منهم على احتياجاتهم، ويلبونها مثل اللمح بالبصر!

وعبد الملك سار وراء حسين في مديح الخمينية، وعوض عن قوة منطق أخيه بكشف علمي مذهل، وهو أن في البحر أسماكا يمكن اصطيادها، إضافة إلى يمننة قاسم سليماني وكل إيراني فاجر، على الرغم من أنه يرى مثل ما نرى الشعوب الإيرانية تشكو الفقر والاستبداد، والتعذيب، والإعدام التعسفي.. لكن عبد الملك يغفل ذلك عمدا، فيكرس الشمولية ويكرز أتباعه إلى العنف، والقتل المجاني، والاستبداد، وأسوأ مركبات الثقافة الخمينية، ويتحدث عن عدم رؤية منكري الجميل للخدمات التي ينعم بها الشعب.. إنه صادق مثل خلخالي سوى أن اسمه (عبد الملك).