نبيل الصوفي

نبيل الصوفي

تابعنى على

الحوثي وإعادة اليمن إلى صراعات الغلبة

Wednesday 20 July 2022 الساعة 07:35 pm

الانتفاضات المحلية في الشمال تحتاج إعادة تعريف في الوعي الوطني، في مواجهة التنظيم الحوثي وما يمثله من صلف جاهل بالتاريخ، يعمل نقيضاً لأهداف الحركة الوطنية الجمهورية.

لقد تمكنت ثورة 26 سبتمبر من إنجاز مصالحة وطنية شاملة، لتجاوز فكرة الدولة الإمامية التي قامت على مرجعية مذهبية للحكم.

كانت دولة الإمامة، ابنة زمانها، حيث كانت المجتمعات البشرية لا تزال تتلمس طريقها لبناء الدول الوطنية، ولا تزال تعتمد على مرجعيات دينية ومناطقية وعائلية وعصبويات مختلفة، لم يكن من بينها التوافق الاجتماعي فضلاً عن حكم الدستور والقانون والهويات الوطنية.

ومن الطبيعي اعتماد الإمامة على المذهب الزيدي، الهادوي، فتحالفت عمائم المذهب وقبائله وأنجزت تحالفاً حاكماً زيدياً.

عاش ذلك التحالف زمناً طويلاً، حتى حين كان يتعرض للاضطرابات ويستبدل إماماً بإمام، فقد كان ذلك يتم بنفس القواعد مع تدخل الغلبة.

وفي التاريخ اليمني دول قامت نقيضاً للإمامة، حكمت من عواصم مختلفة داخل اليمن، كانت تبقى صراعاتها دائماً ضد دولة المذهب وقبائله وهاشمييه.

وكان يمكن أن يكون سقوط الإمامة في 1962 مدخلاً إما لذات النسخة على طريقة ثورة 48 التي قادها "الإخوان" ولكنها فقط غيرت إماماً بإمام وأبقت كل المرجعيات الحاكمة.

أو لدولة مذهب ومنطقة أخرى، وتبقى اليمن على كف صراعات الغلبة.

ومن المستحيل لهكذا نظام أن يقيم دولة لليمنيين في العصر الحديث، فاليمن دولة متعددة المذاهب، ولم يعد بالإمكان التعامل مع المناطق غير المؤمنة بالمذهب بأنها مناطق خراج.

كما أن مناطق المذهب الزيدي نفسها لم يعد بإمكان المذهب استيعاب مصالحها وطموحاتها، فتعليمها وتجارتها وتداخلها الوطني يتسع ويتطور.

فأنتجت ثورة سبتمبر تصور الحركة الوطنية بدولة وطنية جمهورية وطنية.

صحيح أن الصراع بين اليسار والإخوان أنتج ردة إسلامية بحيث عاد "الإخوان" للمطالبة بما يسمونه الحكم الإسلامي.

كما أن المصالحة الجمهورية الملكية والعلاقة القبلية بالسعودية جرحت الجمهورية وأسكنت في قلبها تفضيلات حديثة بديلة للتفضيلات الإمامية.

لكن في المحصلة النهائية بقي كل ذلك تحت لواء الدولة الوطنية.

وتمكنت هذا الدولة الوطنية من إنجاز هوية عمومية لليمنيين، تعطي الحق الدستوري مبدئياً لكل المواطنين، كمواطنين، بغض النظر عن مناطقهم ومذاهبهم وعائلاتهم وقبائلهم.

وبسبب ذلك، فإن كل الصراعات التي شهدها الشمال كان صراعاً سياسياً، سواءً كان بين المناطق أو مع الدولة.. لم يكن يحمل صراعاً أفقياً، كان يقال بين صنعاء وحجة، أو الزيود والشوافع، ومن كان بين القبائل كانت الدولة تقف في وعي الناس كمؤسسة وسيطة لا كطرف مناطقي قبلي.

وها هو التنظيم الحوثي يهدد كل ذلك، ويعيد الشمال إلى التهديد الأولي.. داخل الزيدية وخارجها على حد سواء.