فهمي محمد

فهمي محمد

تابعنى على

عن الثورة وعن سؤال تغير التوجه أم تغير الوجوه؟

Thursday 03 August 2023 الساعة 05:58 pm

إذا كان تاريخ البشرية يخبرنا عن كفاح الإنسان وعن تجربة الشعوب والأمم مع مسألة الثورة أو مع فكرة التغيير الثورية تجاه الحكام، فإن تفاصيل صفحات هذا تضع بين أيدينا أسباب اندلاع كل ثورة من تلك الثورات التي قادها الفعل الثوري في هذه البلاد أو في تلك، خصوصاً تاريخ القرن الثامن عشر الذي شهد مع تجربة الإنسان أعظم الثورات وأخلدها على الإطلاق (الثورة الفرنسية).

بحيث تحولت هذه الواقعة بين قوسين إلى حدث تاريخي تجاوز بواقع حال الشعوب والأمم الأوروبية مآلات الأحداث السياسية التي كانت تتكرر بين الحين والآخر مع سقوط عائلة حاكمة في أوروبا وصعود أخرى دون تغيير حقيقي يتعاطى مع جذر المشكلة التي كانت تعيق مستقبل الإنسان في فرنسا بشكل خاص وفي أوروبا بشكل عام.

 لهذا ستظل الثورة الفرنسية «بما هي حدث ثوري تولى صناعة الحدث التاريخي في أوروبا» ثورة خالدة ما بقي كفاح الإنسان خالدا على هذه الأرض.

لكن بيت القصيد في هذه المقالة أو دلالات الحديث عن الثورة وأسبابها يعني أن الثورة في كل زمان ومكان لا تندلع ضد الحاكم بشخصة أو ضد نظام سياسي بعينه بقدر ما هي ثورة ضد واقع سياسي واجتماعي واقتصادي تعيش في ظله المجتمعات أو الشعوب، وهو واقع أقل ما يقال عن توصيفه السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي، بأن المجتمعات الإنسانية أصبحت في ظله فاقدة لثلاثية الوجود الإنساني: (العدالة والحرية، ورغيف الخبز). 

بمعنى آخر نتحدث في هكذا حال عن مجتمعات أو شعوب فاقدة للشروط التي تجعل الإنسان في ظلها مخلوقا مكرما على هذه الأرض، والتي تحتم في نفس الوقت على المجتمعات المتطلعة نحو المستقبل في حال مصادرة حقها في أن تعيش في ظل هذه الشروط، استدعاء العمل بفكرة الثورة وهو عمل يبدأ بالكلمة الناقدة تجاه الواقع (مع بروز الدور الفاعل لسلطة أهل الفكر داخل المجتمع) ثم يتحول في ظل تجربة الثورة إلى فعل ثوري معني بالضرورة بمسألة تغير مسار التوجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي من أجل تغير واقع الإنسان والمجتمع نحو تحقيق التقدم الذي يجب أن يكون حاضراً مع مستقبل الأجيال، أكثر من كونه فعلا ثوريا معنى -كغاية ثورية- في تغير الوجوه الحاكمة التي تربعت على كرسي السلطة.

 لكن أهمية تغير وجوه النظام الحاكم بأشخاصهم تأتي من زاوية أن هؤلاء الحكام يشكلون في ظل سلطتهم السياسية حالة سلطوية ممانعة لفكرة التغيير التي تعني في كل الأحوال تغيير التوجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي وليس تغيير الوجوه الحاكمة بآخرين يحتلون مقاعدهم السياسية والإدارية في سُلم السلطة، مع إبقاء حياة الناس حُبلى بأسباب الثورة في ظل سلطة الثورة.

 هذا إذا لم تكن حياتهم قد أصبحت تعاني من مضاعفة في أسباب الثورة.

غير أن خطورة مضاعفة أسباب الثورة الناتجة عن إخفاق سلطة الثورة في تغيير مسار التوجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تكمن في حقيقة أن مضاعفة الأسباب الثورية، سيما في المجتمعات الأقل وعياً وثقافة، لا تستدعي مواصلة الفعل الثوري، أو تستدعي العمل بالثورة مجدداً من أجل الانتصار لفكرة التغيير، بل تستدعي حالة وجدانية شعبية تحن للماضي وتترضى على الحكام الذين أسقطتهم الثورة، كما هو الحال مع تجربة الثورة العربية بشكل عام واليمنية بشكل خاص!

ما يعني في النتيجة النهائية أن الإخفاق الثوري مع فكرة التغيير وتحديداً في تغير مسار التوجه، يجعل المجتمع يذهب دائما للمقارنة بين الحكام الجدد والحكام السابقين من واقع حياتهم اليومية، وهي مقارنة وإن كانت في حقيقة أمرها تقاس بين السيئين من الحكام والأسوأ منهم، داخل دائرة الفشل، إلا أنها من جهة أولى تكرس محنة الثورة مع إشكالية تغيير الوجوه على حساب تغيير التوجه، بالمعنى الذي يحقق شيئا من رد الاعتبار مع كل ثورة للوجوه السابقة (الحكام السابقين).

 ومن جهة ثانية فإنها مقارنة تجعل العوام من واقع معاناتها في زمن سلطة الثورة، تذهب للكفر بفكرة الثورة على اعتبار أن الثورة أصبحت تتحمل مسؤولية ووزر ما يجري في نظرهم.