أحمد نويهي

أحمد نويهي

تابعنى على

سَاعِي البَريد

Wednesday 10 January 2024 الساعة 10:02 am

كانت الأغنية تحضر لتغدو القوة الضاربة والصوت الذي أدمى الكهنوت حين حرمت وجَرمت الإمامة والجلبة الكهنوتية الغناء والطرب، نشرت الفاحشة في أهل الفن والطرب.. أغلقت البلاد شمالاً في دياجير العُزلة والظلام تحت سياط الإرهاب الديني المتشدد والمتطرف، المتزمت.. 

حضرت الأغنية مع الجَمَال والقوافل التي سَارت باتجاه عدة مدن وحواضر وحواضن وبلود. 

خَلخَلت حركة القوافل كَساد وفَساد نشرته العمائم التي تتسيد المشهد.

شكلت القافلة جسور تواصل امتدت لتتخطى حدود المحلية لتركض في الخيال إلى أقصى الأرض هاجروا، البعض استقر بهم المقام ولم يعد ليعيد تشكيل ذاته وقد ذوبت المدن ملامح ولهجات وقد اختلطت الجينات، وحدث المزج حدث تلاقح وامتزجت لغات وجهات وحضارات.

الأغنية عَابرة للجهات والعرقيات والحدود والإثنيات، تصبح قاسما إنسانيا مشتركا وهذا المشترك هو الأساس الذي يُرسخ مداميك التعايش الخلاق وينتج التنوع والتعدد والاختلاف. 

تؤسس الأغنية لفكر يوقد في الضلوع إذ أصبحت هاجسا وموالا ومشاعر واحاسيس تتدفق في الخيال والمخيال.. 

الأغنية مود ومد ومدى ومدار وامتداد باعث على الحزن والفرح، الشوق والأمنيات، ملاذ ومهوى ومقصد ومربد يتدفق من دواخل النفوس، من انعتاق الروح المَحكوم في متاهات أغوارها القاصية في اللانهايات. 

وكيف لا يكون العود والوتر والشُبابة والربابة إكسيرا يداوي مواطن الألم بالنغم.

تراتيل ومقامات تبقى الإنسان وترقى بمفاهيم الحياة التي يرجوها ويريد.

كانت الأغنية تحضر في حياة الشعوب... 

سَاعيِ البريد، شَاعرها مدير مدرسة 13 يونيو في النشمة مركز مديرية المعافر إلى جنوب تعز-30 كم منتصف المسافة بين تعز -التُربة 65 كم إلى الجنوب عاصمة الحُجرية بجغرافيتها الشاسعة من غرب جبل حبشي إلى الراهدة شرقاً على خط عدن جنوبا وعاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية ما قبل 22 مايو 1990

والعاصمة الاقتصادية بموجب إعلان اتفاق الوحدة الموقع في 30 نوفمبر 1989.. 

عبدالولي الحاج.. 

الشاعر المناضل الوطني الذي قاتل في صف الثورة وانحاز مع الشغيلة والكادحين التحق بجيش سبتمبر وقد كتب للثورة اناشيد السنا والضحى والبهاء، كتب وغنى وتغنى مع البلابل حين مال وقت سَكر بشغفه وراح ينوس كزهر الآس، والنرجس، رقص الاستاذ مع تلاميذ المدرسة عند سارية العلم.

سَاعِيِ_البَريد

 الزمان.. سبعينيات القرن الفارط. 

المكان.. مدينة على "خط الشوق". 

الزمن.. السابعة والنصف..

بتوقيت النِسمَة السَارية.. منتصف النشمة مَدِينَة "ساعي البريد" 

يقف التلاميذ في طابور مدرسة "يونيو" التي تأسست بفعل النهضة التي قادها رجال رفعوا الشمس رابعة النهار. 

من نواحي "المَعَافر" سَارت القافلة إلى عديد جهات، منها تفرعت وعلى أرضها تدفقت، تهادت الروابي والتلال يوم فاح البن في الحقول لتشطح زهرات الكعوب في الغيوم تراقص المنى والاماني ساعة من العمر نقضيها. 

سارت من الشروق حتى الشفق. 

تعود النشمة كمحطة تجارية هامة على طريق الحرير الواصل بين ميناء القهوة والوادي الذي يخصب المزاج يروي ولا غير يروي. 

يَفوح عَرف البُن والشَارِية، يَعبق كُل الفُصُول. 

يقف عبدالولي وسط الطابور يصفصف تلاميذه، ينظم المشاعر، يغذي الشعور، يزرع في العقول وافر غزير المد، واسع الآفق، يعلم الغد كيف يكون النهار؟ 

يقبض بكلتا يديه بميكرفون يَدوي من خلاله وعبره يَدويِ الصوت، يرتد الصدى ترجيع ورجع في البَلود التي تحيط بفناء المدرسة لينتشر عبق الزهر ذلك الفوج والفوح الذي شكل في الغد ملامح جيل مختلف سيصبح قادراً على خلخلة الواقع وإعادة ترتيبه بما يليق. 

ما الذي حدث؟ 

المدرسة تقيم مهرجانا يوميا يشبه كرنفالا موسميا.. ينتصب وسط الساحة الفسيحة والفصول تحيطها من ثلاث جهات.. 

على مدرج تنتصب سارية تشبه ساريات الغيوم، تتماوج الرايات، تصطخب المواعيد، الإيقاع نشيد الصباحات، نشيج القلوب. 

يَرشَف التلاميذ المَعاني، ترفل على البُعد الاماني، يهتف تلاميذ عبدالولي نشيد سبتمبر وقد عَاد ملء الرُبُوع يَبعث الروح، يُجدد عَلى الجِيّاد الحياة لا تكون إلا حيث يكون 

الحِياد أثناء العَواصف تَنحنيِ جغرافيا الوطن خيانة. 

 "طرب الغصن ومال وهتف قلبي وقال عاد شمسي والظلال."

الثنائي المصاحب لرصيف الحياة في مدينة "سَاعيٓ البَريِد" في سوق التجارة والزراعة النقدية.

يخوض الاول على اليسار معركة غير متكافئة مع الرمال المتحركة غرب النشمة، حيث يزرع بلا هَوادة حُقولا كانت إلى ضُحى الأمس تَرفد الخَلايا بالسُكر. 

اِقتلع وابتلع الهَلع نُواحيِ الزهر، روابي العطر، تلال البنفسج، بساتين المانجو، حقول السنابل. 

"تَليم الحُب" صَارت عَدَم.! 

زرعت المليشيا العقول قبل الحقول بالآلغام وتفننت في اِبتداع اشكال تُوافق البِيئات المُتعددة، تَجَانَست الألغام مع شَكل الصَخر والصخور أضحَت عُبوات نَاسفة. 

فبراير 2015

المليشيا تنقل كتائب الموت إلى مطار تعز عبر طائرة "اللوشين" العِملاقة 

تتدفق اسراب الجراد الصحراوي الذي اكل الاخضر واليابس. 

لَم تبقِ على شيء، زرعت الاتجاهات وفخخت التوجهات، زرعت كمائن وقد تمكنت من زراعة عقول النشء والصغار والاطفال بالوهم المخصب في مَلازم "كهف مران". 

تدفقت "الغَرسَة" مِنْ نواحي محافظة ذمار بكثافة، أصبحت حقول غرب وشرق وشمال وجنوب "المعَافر" التي كانت "سَلة الغِذاء" حتى وقت قريب جداً. 

اجتاحت الغرسة العقول قبل الحقول لتجابهه المعافر المليشيا في جبهات شتى، اصبحت مديرية بلا مليشيا كما لو كانت بوابة لمديريات "قضاء الحُجَرية".

تَصدى المجتمع بِشراسة لفيالق سَيرتها وكتائب حُسينية أرسلتها لمحارق الفَنَاء. 

كان"صَاحب البُن" يكتب وثيقة حياة ليست إلا وثيقة وميثاق حياة يمد ذلك الفِناء بوافر المحبة وغزير السَلا.